الإعلام المصري يتقرب للجمهور عبر مؤثري منصات التواصل

وزارة الإعلام تطلق منصة "سفراء الإعلام الجديد" لتقليص الفجوة بين الإعلام الجديد والتقليدي.
الخميس 2020/08/27
منصات التواصل زادت من معاناة المنابر الإعلامية

تحاول وزارة الإعلام المصرية استمالة الشباب المؤثرين على الشبكات الرقمية، وضمهم تحت جناحها للمشاركة في وضع إستراتيجية إعلامية جديدة للدولة تقترب من طموحات الشارع.

وأوضح وزير الإعلام المصري أسامة هيكل أنه قدم خطة للرئيس عبدالفتاح السيسي بشأن تطوير الإعلام، لتنفيذها الفترة المقبلة، كي يأخذ هذا الجهاز مكانه اللائق.

وتعمل منصة “سفراء الإعلام الجديد”، التي أطلقتها وزارة الإعلام مؤخرا، على مخاطبة الشباب المؤثرين على المنصات المختلفة، ودمجهم في تطوير منظومة التواصل والإعلام التي ترغب الحكومة في إقرارها، والاستماع لهذه الشريحة في تطوير القطاع عموما، والأخذ برأيهم لتقليص الفجوة بين الإعلام الجديد والتقليدي.

ويؤكد التحرك أن الحكومة أصبحت مدفوعة لتغيير نظرتها السلبية للشبكات الاجتماعية، والكف عن التعامل معها كأداة للتخريب والفوضى ونشر الشائعات، إلى سلاح قوي وفعال يؤدي رسالة إعلامية مؤثرة بالتوازي مع الإعلام التقليدي.

ونجحت منصات التواصل مؤخرا في زيادة معاناة المنابر الإعلامية لما تمتلكه من مساحة واسعة في إبداء الرأي والنبش في قضايا محظور نقاشها في أغلب الصحف والقنوات، وحشد الناس لتبني مطالب بعينها، ودفع الحكومة لتغيير مواقفها.

ورأت قيادات في المنظومة الإعلامية أنه لا بديل عن التقارب مع الشخصيات المؤثرة بالشبكات الاجتماعية، والوصول إلى نقاط اتفاق حول أسباب تراجع الإعلام، وغياب تأثيره، ليتم وضع رؤيتهم في الحسبان عند إقرار خطة الإعلام.

معضلة الخطاب الإعلامي، أنه اعتاد الابتعاد عن تبني خطاب مقنع للشباب، باعتبارهم الشريحة الأكثر تأثيرا في المجتمع، وتركزت جهوده على الترويج للقرارات السياسية والاقتصادية التي تحسن صورة الحكومة، وتدافع عنها، مقابل تجاهل رأي الشارع.

وبدت منصات التواصل كأنها في واد والإعلام في واد آخر، فكلاهما لديه رؤية مناقضة للآخر، في حين أن الأغلبية الجماهيرية صارت توجهاتها تتشكل وفق المؤثرات الإلكترونية التي ينشط عليها أشخاص يحاولون صناعة إعلام مستقل عن الدولة، بينهم صحافيون ومذيعون ومفكرون.

وتصطدم توجهات الحكومة في استمالة المؤثرين على شبكات التواصل، بأن أغلبهم من المناهضين لتوجهاتها السياسية، وهؤلاء لديهم شعبية ساعدتهم على أن يُنظر إليهم باعتبارهم الإعلام الحر الذي يستحق المتابعة.

ومن الصعب على الجهات الإعلامية استقطاب هذه الشريحة من الشباب، لأنهم سيتعاملون مع الأمر على أنه محاولة لتجنيدهم وإخضاعهم لرؤى لا تتناسب مع تطلعاتهم وجماهيريتهم، إلا إذا كانت هناك نية حقيقية لتوسيع مساحة الرأي والنقد.

ليلى عبدالمجيد: فهم الحكومة لما يدور في أذهان الشباب، وإعادة تطوير الخطاب الإعلام وفق رؤيتهم، ضرورة ملحة
ليلى عبدالمجيد: فهم الحكومة لما يدور في أذهان الشباب، وإعادة تطوير الخطاب الإعلام وفق رؤيتهم، ضرورة ملحة

وما يوحي بأن الهدف من وراء هذه الخطوة محاصرة الأصوات المعارضة على الشبكة الاجتماعية، أن وزارة الإعلام أضافت ضمن أهداف المنصة “دعم صورة الدولة وتعزيز الهوية”، ما يثير الشكوك حول وجود مآرب سياسية من وراء المنصة.

وقال خالد برماوي، الباحث في شؤون الإعلام الإلكتروني، إن الإعلان عن مشاركة الشباب المؤثرين بالشبكة الاجتماعية في وضع الإستراتيجية الإعلامية دون تحديد المتخصصين منهم، يضيف المزيد من الأزمات التي يعاني منها القطاع بأنه صار مهنة من لا مهنة له.

وأضاف لـ”العرب”، أن معضلة الجهات التي تدير الإعلام أنها تكتفي بالمسكنات، دون البحث وراء صعود نجم منصات التواصل في التأثير على الرأي العام، ولا يدرك هؤلاء أن إصلاح القطاع يحتاج إلى قرارات عاجلة وجريئة.

وأشار إلى أنه “أصبح حتميا غلق ودمج الصحف الحكومية غير المؤثرة، وتوسيع هامش الحرية ليشعر الجمهور بالتنوع والمنافسة واختلاف الرؤى، لأن هيمنة الحكومة على المحتوى الخبري من أسباب تحوّل منصات التواصل إلى إعلام بديل”.

ويرى مراقبون أن مجرد لجوء الجهات الإعلامية لشريحة مؤثرة في المجتمع، مثل شباب الشبكات الاجتماعية، لوضع رؤيتهم في تطوير المنظومة ووضع إستراتيجية تضمن استقطاب الجمهور،  يعكس ضيق أفق أغلب المسؤولين عن القطاع لأن إعادة الريادة للإعلام تتطلب إجراءات سهلة وبسيطة وتكاد تكون معلومة للجميع، ويكفي توسيع مساحة الحرية وانتقاء عناصر مهنية مشهود لها بالكفاءة والمصداقية.

ويقول هؤلاء إنه حتى لو كانت وزارة الإعلام جادة في تقبل وجهات نظر الشباب حول طريقة تطوير المنظومة، وإدراجها ضمن الإستراتيجية الجديدة، فإن هناك أزمة أخرى ترتبط بوجود دوائر حكومية مشاركة في إدارة القطاع لا تقبل بهذا التغيير.

وأكد خالد برماوي أن “التدخل في السياسة التحريرية للإعلام جعل رسالته جامدة ومكررة وغير مقبولة لكثيرين، بينما هناك استقلال في منصات التواصل، لذلك فإن الفجوة واسعة بين الطرفين، وهو ما تعاملت معه الحكومة لسنوات بنوع من الاستخفاف، حتى صارت مضطرة لتقليل الخسائر باستقطاب المؤثرين”.

ويرى الكثير من أبناء المهنة أن المعضلة ليست في التقارب بين الإعلام والشباب المؤثرين على منصات التواصل، بقدر ما تكمن في جدية الحكومة لوضع خطة تحقق الاختلاف في الأصوات والجرأة على التحدث بلسان الجمهور، لأن هذه العوامل كانت بداية صناعة إعلام مواز، وجعلت المنابر الرسمية تخاطب نفسها.

ويضيف هؤلاء أن المؤسسات الإعلامية لم تُدرك بعد أن السياسات التحريرية للصحف والقنوات يُفترض أن تتناغم مع توجهات الشارع وليس الجهة المالكة للمؤسسة، لتكون لها مصداقية، في حين أن منصات التواصل إعلام يصنعه الجمهور، لذلك هناك فرق شاسع في التأثير والحشد وسرعة الوصول إلى الناس.

وأشارت ليلى عبدالمجيد، عميدة كلية الإعلام بجامعة القاهرة سابقا، إلى أن “فهم الحكومة لما يدور في أذهان الشباب وإعادة تطوير الخطاب الإعلام وفق رؤيتهم، ضرورة ملحة، لأن هؤلاء الأكثر قدرة على تحديد المطلوب من الرسالة الإعلامية على مستوى الخبر والتحليل بما يُناسب المجتمع، باعتبارهم شريحة لديها طموحات واسعة، وتجاهلها يفسح المجال أمام منصات التواصل لتقضي على الإعلام التقليدي”.

وأشارت إلى أن تجاهل الأصوات المعارضة على أساس وطني عند وضع الإستراتيجية الإعلامية، سوف تترتب عليه تداعيات خطيرة على صورة الإعلام مستقبلا، حيث تتسع دائرة المقاطعة للمنابر التقليدية، والجدية في تحقيق التوازن بين منصات التواصل والصحف والقنوات، تستوجب تطبيق معايير اختلاف وجهات النظر.

وقال ح.م لـ”العرب”، وهو ناشط على يوتيوب، رفض ذكر اسمه، إن الشريحة التي ترغب الحكومة في استمالتها تخشى أن يكون الهدف من الخطوة الإيحاء بأن الدولة غيرت خطة تعاملها مع الشباب، ولديها نية لوجود إعلام حر وجريء استجابة لمطالبهم بدليل مشاركتهم في تحسين مضمون الخطاب الموجه للشارع، بحيث يتم التسويق للخطوة بطريقة تجلب الكثير من المكاسب السياسية لأصحابها.

وبغض النظر عن النوايا الحقيقية، فإن تقليص الفجوة بحاجة إلى قرارات جريئة، على رأسها إقصاء الوجوه الإعلامية التي أصبحت منبوذة اجتماعيا، والاستعانة بأخرى أكثر قبولا ومصداقية عند الشارع، وإبعاد الجهة المالكة للمؤسسات عن فرض رؤيتها ووجهات نظرها في ما يُقال ويُكتب كمدخل لتكريس استقلال الإعلام.

18