الأفلام التونسية نجم قرطاج السينمائي

سعت الدورة الـ27 من أيام قرطاج السينمائية بمناسبة احتفال المهرجان بخمسينية تأسيسه، إلى اختيار أفلام متميزة في مختلف أقسامها، بعضها قادم من أرفع المهرجانات السينمائية ونال جوائز عالمية في كان وبرلين وفينيسيا، لتنفرد دورة هذا العام بعرض عدد منها للمرة الأولى على المستوى العربي والأفريقي، “العرب” استطلعت رأي البعض من السينمائيين التونسيين حول أهم الأفلام التي بقيت عالقة في أذهانهم بعيدا عن نتائج جوائز المسابقات التي تم الكشف عنها السبت، فكان الإجماع على طرافة الطروحات وجدة التقنيات السينمائية المتبعة في مجمل الأعمال المعروضة، خاصة التونسية منها.
الثلاثاء 2016/11/08
"زينب تكره الثلج": طفولة مهدورة

أجمع سينمائيون تونسيون على أن الدورة السابعة والعشرين من أيام قرطاج السينمائية التي انتهت فعالياتها في الخامس من نوفمبر الجاري، قدمت في مجمل أقسامها الأربعة: الروائية والوثائقية الطويلة، والأفلام القصيرة، ومسابقة الطاهر شريعة للعمل الأول ومسابقة قرطاج للسينما الواعدة أفلاما في مستوى الحدث، خاصة وأن المهرجان احتفى هذا العام بخمسينية تأسيسه، حيث انطلقت دورته الأولى في أكتوبر من عام 1966 على يدي السينمائي التونسي الراحل الطاهر شريعة.

جمالية القبح

إثر سؤال وجّهته “العرب” إلى النقاد والمولعين بالفن السابع عن أهم فيلم علق بالبال، ومكمن الجدة فيه، قالت الناقدة السينمائية التونسية سناء زروقي “هناك العديد من الأفلام التي علقت ببالي، لكن فيلما سوريا واحدا أربك ذائقتي السينمائية، وهو فيلم ‘منازل بلا أبواب’ لإيفو كابرليان”.

واسترسلت زروقي قائلة “ما شدني في الفيلم ذاك المزج السلس بين قصتين؛ قصة اللاجئين السوريين من ناحية، وقصة الأرمينيين الذين تعايشوا في ملجأ ‘الميدان’ بحلب السورية، من ناحية أخرى، وكيف وظّف مخرجه الأرميني السوري كابرليان من خلال عرضه لمعاناتهما (جماعتا اللاجئين السوريين واللاجئين الأرمينيين) المتشابهة، وإن كان الزمان غير الزمان بينهما”.

أنيسة داود: الفيلم التونسي "زينب تكره الثلج" قدم حكاية بسيطة لكنها عميقة

ويحاكي الفيلم التسجيلي “منازل بلا أبواب” التغيرات في حياة عائلة أرمينية تعيش في حي الميدان الواقع على خطوط التماس في مدينة حلب السورية، وصولا إلى مغادرة العائلة إلى بيروت في بداية عام 2015. ففي الحي الذي كان ملجأ للأرمن المهجرين من أراضيهم قبل مئة عام، والذي بات اليوم يستقبل موجات من النازحين السوريين، يصور المخرج بكاميرا صغيرة من على شرفة منزله، التغيرات التي تطرأ على حيه وجيرانه والمهجّرين وأمه الواقفة دائما على الشرفة، مستعينا في بناء فيلمه بأرشيف بصري من كلاسيكيات السينما العالمية، واضعا قصة المجزرة الأرمينية بالتوازي مع ما يعيشه السوريون اليوم، مستخدما شكلا تجريبيا خاصا في سرد الحكاية.

وتضيف زروقي “الجميل في الفيلم لغته السينمائية الخالصة، فزاوية التصوير التي أتت من شرفة، وضبابية الصورة وارتعاشات الكاميرا أضفت على الفيلم مصداقية كبرى، لنفهم في الأخير عنوان الفيلم ‘منازل بلا أبواب’ والمقصود هنا الملجأ الذي يكون عادة في شكل خيام، والخيام طبعا بلا أبواب، وما يعنيه الباب المفتوح على مصراعيه من إمكانية دخول أي طارئ على المقيمين فيه، لذلك يختم المخرج فيلمه بقوله: منازل بلا أبواب ليست منازل”.

وختمت زروقي بقولها “الفيلم يقدم جمالية القبح بطريقة رائقة، فرغم كل الأخطار المحدقة باللاجئين، هناك أمل متمثل في الأطفال السوريين والأرمينيين على حد السواء والذين يشتركون بعفويتهم الصبيانية في اللعب معا بما تيسّر لديهم من ألعاب بدائية، فلا طائفية هنا ولا أيديولوجيا تفرّقهم، بل هناك ألعاب صبيانية تجمعهم وتوحّدهم”. أما الممثلة السينمائية التونسية أنيسة داود فرأت في فيلم “زينب تكره الثلج” للمخرجة التونسية كوثر بن هنية طرافة في طرح موضوع فقدان الصبية زينب لطفولتها البريئة، من خلال رحلة قسرية لوالدتها إلى كندا بعد وفاة زوجها، حيث تسعى الأم إلى الارتباط برجل مقيم في كندا، وتعمل على إقناع زينب بالسفر معهما، وإغرائها برؤية الثلج، ولكن زينب تكره الثلج.

تقول داود “الحكاية بسيطة لكنها عميقة، فمن حق البنيّة الصغيرة تقرير مصيرها بنفسها، لكن للعائلة دائما مآرب أخرى، أثارتني فكرة الفيلم التي تطرح في زوايا أخرى مسألة الهوية، كما أن أداء الأدوار الجيد من قبل طاقم العمل غطى بشكل ما عن بعض الهنات التقنية”. وتنطلق الحكاية في الوثائقي التونسي “زينب تكره الثلج” بموت والد زينب، التي تعيش والدتها قصة حب قديمة، مع رجل يدعى ماهر، يهاجر إلى كندا بعد إرغامها على الزواج من رجل لا تحبه، هو والد زينب، تأتي الوفاة، بسبب حادث مرور، وزينب في التاسعة من عمرها، وواجب العزاء، الذي يقدمه ماهر عبر الهاتف، يؤدي إلى استعادة الحكاية القديمة، فيتأجج الحب ثانية في قلبيهما، لتكون الضحية البنية زينب.

هذا وتحصل فيلم “زينب تكره الثلج” على الجائزة الأرفع في مهرجان أيام قرطاج السينمائية المنتهية أخيرا وهي جائزة التانيت الذهبي في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية والوثائقية الطويلة.

الفيلم التونسي “آخر واحد فينا” للمخرج التونسي علاءالدين سليمحصدجائزة التانيت الذهبي للعمل الأول للأفلام الطويلة في مسابقة جائزة الطاهر شريعة

أكد الممثل التونسي خالد هويسة على انبهاره بالفيلم التونسي “غدوة حي” لمخرجه لطفي عاشور، والذي قدم صورة عن ثورة 14 يناير 2011 بطريقة مغايرة بعيدا عن رصد ما حدث وإعادة إنتاجه، كما فعل البعض من المخرجين التونسيين الذين تناولوا الثورة فسقطوا في فخ التوثيق أكثر مما اهتموا بإبداع الحكاية. ويستدعي لطفي عاشور في فيلمه “غدوة حي” مناخات الثورة التونسية وأجواءها المشحونة معتمدا في بنيته السردية على المزج بين الحاضر والماضي، حيث يصور المواجهات بين أعوان الشرطة والشباب وسائر المواطنين.

وفي إحدى مطاردات الشرطة للبعض من الشبان يفر هؤلاء للاحتماء بعمارة هربا من الملاحقة، وصدفة يلجون دارا في عمارة من العمارات التي اعترضت سبيلهم، فتوحد الصدفة بينهم ويضطرهم الخوف إلى التأقلم وأيضا إلى التصادم، فتخرج فتاتان صحبة شاب يبلغ من العمر 16 عاما من المنزل ويقررون البقاء في سطح العمارة، فإذا بهم يعلمون بهروب الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، مما يشجع الشاب ذا الـ16 ربيعا على النزول إلى الشارع بحثا عن منفذ للهرب، فيتم القبض عليه من قبل عوني شرطة، أحدهما -وهو رجل متقدم في السن- يقرر الاعتداء على الشاب جنسيا.

ويقول هويسة “أتى الحديث عن ثورة تونس في الفيلم من خلال قصة مترابطة الإيقاع، رغم مأساوية النهاية، وهو ما يحسب لعاشور والفريق العامل معه، فاعتقادي يظل راسخا بأن ما يؤسس لنجاح فيلم وتميزه عن فيلم آخر هو زاوية النظر التي ينطلق منها مخرج الفيلم للحديث عن قصته في تشابك وترابط مع الثيمة الرئيسية للقصة، والتي أتت هنا اغتصابا بشعا لشاب من قبل عون شرطة في حمّى الثورة التي أصابت تونس آنذاك”.

طرح جريء

يصرّ الناقد السينمائي التونسي الناصر السردي في إجابته عن سؤال “العرب” حول أهم فيلم شاهده في الأيام السينمائية، بقوله “صراحة هناك فيلمان شدّا انتباهي، أولهما جزائري وهو ‘في هذا العمر أختبئ لأدخن’ للمخرجة الجزائرية ريحانة أبرميار، والثاني فيلم ‘آخر واحد فينا’ للتونسي علاءالدين سليم”.

الناصر السردي: "في هذا العمر أختبئ لأدخن" يطرح موضوع العلاقات الجنسية بجرأة

ويبرّر السردي انتصاره لفيلم “في هذا العمر أختبئ لأدخن” بقوله “الموضوع طريف وجريء جدا، فأن تتحدّث مخرجة جزائرية عن العلاقات الجنسية من وجهة نظر نسائية، أمر مهم وبعيد عما عوّدتنا عليه السينما النضالية الجزائرية، وهو ما يحسب لمخرجته الجزائرية المقيمة في فرنسا ريحانة أبرميار، التي تناولت في فيلمها -وكما سلف أن قلت- موضوعا جديدا من زاوية مختلفة وبطريقة جريئة”.

وفيلم “في هذا العمر أختبئ لأدخن” مقتبس من مسرحية لريحانة أبرميار تحمل العنوان ذاته، وقد تعرضت بسببها حين عرضت لأول مرة في فرنسا لاعتداء من قبل أصوليين بسائل حامض ونجت بأعجوبة. ويضم الفيلم في طاقمه مجموعة من الممثلات الجزائريات البارزات منهن نادية قاسي، بيونة، وأيضا الممثلة الفلسطينية هيام عباس، وقد تم تصوير العديد من مشاهده في اليونان، ويحكي قصة امرأة تختبئ من أجل أن تدخن، في مغازلة لحرية المرأة، ما يجعله فيلم المرأة.

وعن فيلم المخرج التونسي علاءالدين سليم “آخر واحد فينا” يرى السردي أن قوة الفيلم تكمن في لغته السينمائية التي أتت صامتة وصادمة في الآن ذاته، في كسر للبعض من القواعد السينمائية المعتادة وكأن المخرج يسائل المشاهد والمولعين بالفن السابع عن ماهية السينما أساسا؟ ويروي فيلم “آخر واحد فينا” قصة شاب من جنوب الصحراء الأفريقية يقرر عبور الضفة الجنوبية للمتوسط نحو الضفة الشمالية، لكنه يتوه في مكان مجهول، ليبدأ بعدها رحلة استكشافية يواجه فيها مواقف لم يكن ينتظرها.

ويرى السردي أن الفيلم رغم كتابته التجريبية الصعبة، انتصر للطبيعة والحياة البكر، وهو ما يحسب لمخرجه علاءالدين سليم. وفي المقابل، وإن اتفق المخرج السينمائي التونسي الشاب حمدي بن أحمد، مع تقييم السردي في اعتبار فيلم “آخر واحد فينا” تجربة سينمائية مغامرة ومخالفة، تستحق التفكير، إلاّ أنه يراه مستعصيا على الفهم، ولا يتقبله الجمهور العادي بسهولة، مؤكدا بقوله “هو فيلم مختلف، يبقى في البال مهما تفاوتت درجات تقييمه بين سلبي وإيجابي، لكن بالنسبة إليّ شخصيا لم أجد فيه ما كنت أنتظره”.

وحصد الفيلم التونسي “آخر واحد فينا” للمخرج التونسي علاءالدين سليم جائزة التانيت الذهبي للعمل الأول للأفلام الطويلة في مسابقة جائزة الطاهر شريعة، كما تحصل أمير المسعدي على جائزة أحسن مصور سينمائي تونسي عن نفس الفيلم والتي يمنحها الاتحاد العام التونسي للشغل (المنظمة الشغيلة). تقييمات السينمائيين التونسيين لما تم عرضه من أفلام في أيام قرطاج السينمائية أثبتت أن النجم الأوحد في دورة هذا العام، يبقى الفيلم، حيث لم تجمع آراء من حاورناهم على الانتصار لفيلم بعينه، ما يعني وجود وفرة كمية ونوعية، خاصة بالنسبة للأفلام التونسية، وهو ما يحسب لإدارة المهرجان، الأمر الذي صالح المولعين بالشأن السينمائي التونسي مع مهرجانهم، رغم الهنات التنظيمية المتعددة التي رافقت حفلي الافتتاح والاختتام خاصة والتي أربكت الجميع.

16