اغتصاب معلمات في الجزائر يثير مخاوف الأسر من عمل بناتها في المناطق النائية

أثارت حادثة الاعتداء على معلّمات بمحافظة في الجنوب الجزائري واغتصابهن موجة من السخط، وسلطت الأضواء على التقصير المؤسساتي في توفير الظروف الملائمة للعاملات في المناطق النائية، مما قد يساهم في تخوف المعلّمات مستقبلا من العمل في هذه البيئات الخطيرة. ومثل هذا الأمر ستطال مخلفاته العملية التربوية وسيشكل عائقا في طريق حصول التلاميذ في المناطق الريفية على حقهم في التعليم أسوة ببقية المناطق الحضرية.
سلطت حادثة الاعتداء على معلّمات بمحافظة في الجنوب الجزائري الأضواء على الظروف المزرية التي تواجهها الأستاذات اللواتي يشتغلن خارج محافظاتهن، مثيرة مخاوف الأسر من عمل بناتها في المناطق النائية، ومنذرة بزيادة فرص التسرب الدراسي.
وأصبحت هذه الحادثة تتهدد عائلات المناطق النائية وأطفالها وأسر المناطق الحضرية وبناتها، فالتقصير المؤسساتي في توفير الظروف الملائمة للعاملات في المناطق النائية يحفزهن وعائلاتهن على عدم القبول بالعمل بعيدا عن المناطق الحضرية، وهذا ما يضر بمستقبل المعلمات المهني ويسهم في الانقطاع المبكر عن الدراسة لبعض الأطفال.
وتتمثل الحادثة في تعرض تسع معلمات في مدرسة نائية تقع في إقليم محافظة برج باجي مختار الحدودية، إلى اعتداء صادم من طرف مجموعة أشخاص ملثمين، قاموا باقتحام مسكنهن الوظيفي، ثم الاعتداء عليهن بالسلاح والاغتصاب الجماعي طيلة ساعتين من الزمن.
وحمل الشارع الجزائري مسؤولية الحادثة المؤلمة للسلطات المحلية التي لم توفر الحماية للمدرسات المقيمات في سكن مدرسي معزول، رغم إلحاح هؤلاء على ضرورة توفير الأمن لهن لأداء وظيفتهن في أحسن الظروف، وسبق لهن أن رفعن انشغالهن لإدارة البلدية والمديرية الولائية للتربية، لكنه لم تتم الاستجابة لطلبهن.
وكان رئيس بلدية برج باجي مختار قد أفاد لوسائل إعلام محلية بأنه سبق له أن أبلغ وطلب من المحافظة والسلطات المركزية (وزارة الداخلية والتربية) توفير الأمن في المدرسة التي تبعد بنحو سبعة كيلومترات عن المدينة، إلا أنه لم يتلق أي تفاعل إيجابي، وحتى المعنيات عبرن عن استعدادهن لدفع راتب عون الأمن من حسابهن الخاص.
وأعلنت النقابات المستقلة لقطاع التربية عن “المقاطعة الإدارية لجميع أعمال نهاية السنة، وتنظيم وقفة احتجاجية أمام مبنى الوزارة”، ولم يستبعد بيان صدر عنها اللجوء إلى مقاطعة الامتحانات الرسمية لنهاية السنة.
50 أستاذة في الجلفة مقيمات في ظروف مزرية، فالأستاذات اللواتي يشتغلن خارج ولاياتهن مهمشات
ودعت النقابات المستقلة الحكومة إلى “التفاعل الإيجابي لحلحلة الوضع واتخاذ الإجراءات المناسبة للتكفل بالمطالب المرفوعة حفاظا على استقرار القطاع”.
وصرح الأمين العام للنقابة المستقلة لعمال التربية والتكوين بوعلام عمورة بشأن تواجد معلمات في مدرسة نائية في أقصى جنوب البلاد يمارسن وظيفتهن بأنه “أمر مؤسف جدا لكنه حقيقة لا تنكر.. نساء يزاولن عملهن في مناطق جد معزولة ودون حماية، وأن السلطات المختصة على علم بذلك لكنها لم تؤد واجبها”.
وأضاف “هذه المشكلة إذن ليست وليدة اليوم، وممثلو النقابة المستقلة لعمال التربية والتكوين كانوا في مفاوضات مع السلطات المحلية من أجل نقلهن إلى مقر الولاية، ولأن الأسوأ قد حدث، فإن الأسوأ منه هو إمكانية غلق المدارس في هذه المنطقة لأن الأساتذة سيرفضون التنقل مستقبلا إليها”.
وأكد بوعلام عمورة بأن “ما حدث في برج باجي مختار ليس حدثا معزولا، بل هناك حالات أخرى تم تسجيلها في عدة محافظات، حيث تتعرض الأستاذات للتحرش يوميا”.
واستدل المتحدث بـ”اضطرار أستاذة للاستقالة العام 2017 بسبب الاعتداءات التي كانت تتعرض لها يوميا دون أن يتحرك أحد. وتوجد 50 أستاذة في الجلفة مقيمات في ظروف مزرية في مرقد فيه مرحاض واحد، وحتى مدير المؤسسة يقطع عليهن الماء في عطلة نهاية الأسبوع، وفي الأغواط تعيش مجموعة من الأستاذات في شبه شقة لا تتوفر على أدنى شروط الأمن والنظافة.. كل الأستاذات اللواتي يشتغلن خارج محافظاتهن يعشن في ظروف صعبة جدا”.
وتجد عدة أسر في هذا الإقرار بوجود اعتداءات مشابهة طالت أستاذات عملن في مناطق نائية فرصة لثني بناتها عن الالتحاق بالمقاعد الشاغرة بالمدارس والمعاهد الواقعة في أماكن معزولة، وهو ما يفاقم البطالة في صفوف المتخرجات ويزيد المخاوف من تعليق الدروس بالمناطق النائية.
وأثار الفعل المأساوي موجة من التعاطف الشعبي مع المعلمات في مختلف الأوساط، ونظم منتسبون لوزارة التربية وقفات احتجاجية أمام مقار القطاع الولائية وأمام مبنى الوزارة بالعاصمة، وهددوا بالدخول في حركة تضامنية تعطل القطاع خلال امتحانات نهاية الموسم الدراسي، إذا لم يتم التكفل الحقيقي بالانشغالات المتراكمة لعمال القطاع.

وذكرت إفادة إحدى المدرسات المتضامنات مع الضحايا لدى استقبالهن في مطار مدينة أدرار من أجل تحويلهن للعلاج والتكفل النفسي، بأن “المدرسات روين لها قصة مروعة تعرضن لها في مسكنهن الوظيفي، حيث قام المعتدون باقتحامه، ثم الاعتداء عليهن جسديا وجنسيا”.
وتابعت “الجناة استعملوا السلاح الأبيض وألحقوا ببعضهن جروحا بليغة، كما قاموا باغتصابهن جماعيا، وأن وضع الضحايا مأساوي للغاية، لاسيما وأن المجرمين لم يرحموا حتى رضيعا رفقة أمه هددوها بذبحه، وإحدى المدرسات المغتصبات كانت تستعد لعرسها خلال هذا الصيف”.
وفي ندوة صحافية عقدها النائب لمجلس قضاء أدرار مسعود بولقصيبات، صرح بأنه تم “إلقاء القبض على تسعة أشخاص مشتبه في ضلوعهم في الاعتداء على معلمات الطور الابتدائي بولاية برج باجي مختار الحدودية”.
وأضاف “عملية القبض على المشتبه فيهم جاءت تبعا لحادث الاعتداء على تسع معلمات وتعرض مسكنهن الوظيفي للسرقة بمدينة برج باجي مختار، وقد تعرضت الضحايا حسب التحريات للضرب العنيف المفضي إلى جروح ولاعتداء جنسي على إحداهن، وسرقة أغراضهن ممثلة في هواتف نقالة ومبالغ مالية، إلى جانب تعرضهن للرعب والتهديد النفسي من طرف هؤلاء المجرمين باستخدام أسلحة بيضاء”.
وأفضى التحقيق المفتوح من طرف السلطات القضائية لحد الآن إلى توقيف تسعة أشخاص، مشتبه فيهم من بينهم أربعة موقوفين اعترفوا صراحة بضلوعهم في هذه الجريمة، كما تم استرجاع بعض المسروقات.
أما وزير التربية محمد واجعوط فقد أكد بأن “العدالة ستأخذ مجراها في قضية الاعتداء السافر على معلمات ليلا بمقر إقامتهن في برج باجي مختار، وأن الأستاذ خط أحمر”.
وأبدى منشطون لحملة التضامن استغرابهم من عدم توفير الشروط الأمنية للمدرسات، رغم توفر الإمكانيات البشرية واللوجيستية، وأن المحافظة تحتضن وحدات معتبرة من الأمن وحراسة الحدود وحتى عناصر الجيش، خاصة وأن المحافظة تقع في أقصى الحدود الجنوبية مع دولة مالي، وحملوا مسؤولية الحادث للسلطات المحلية والمركزية، والتفرغ لتوظيف الأمن في إدارة الشأن السياسي، بدل القيام بوظيفته الأساسية لتوفير الأمن والحماية للمواطنين.
ولفت عمورة إلى أن الوصاية لا تتواصل مع الشركاء الاجتماعيين حتى في الأيام العادية، وكان ردها متأخرا في حادثة برج باجي مختار، وتم الاكتفاء ببيان “نتمنى الشفاء للضحايا المغتصبات”، ولم يتم إيفاد أي وفد على عين المكان للوقوف على الحيثيات والتقرب من المعلمات اللائي نقلن في بداية الأمر إلى مستشفى المحافظة المستحدثة بموجب التقسيم الجغرافي الجديد للمحافظات، حيث بقيت هناك اثنتان وتم نقل السبع الأخريات إلى مستشفى أدرار على متن طائرة خاصة.