استمرار الإقصاء السياسي يدحض خطاب التغيير في الجزائر

الجزائر- أبدت قوى سياسية ناشئة في الجزائر مخاوفها من إعادة تشكيل نفس المشهد الحزبي بعد الانتخابات المبكرة المنتظرة قبل نهاية السداسي الجاري، في ظل استمرار سياسة الغلق أمام اعتماد الأحزاب السياسية التي تنتظر الترخيص لها من طرف وزارة الداخلية.
وأعلن حزب “التيار الوطني الجديد” (قيد التأسيس) تسجيله دعوى قضائية لدى مجلس الدولة، ضد وزارة الداخلية لعدم حصوله على رخصة لعقد المؤتمر التأسيسي، في خطوة تترجم حالة التذمر لدى الفاعلين السياسيين الجدد من استمرار نفس الأساليب التي كانت سائدة خلال حقبة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
ويعتبر التيار الوطني الجديد، الذي يرأسه الناشط إسلام عطية، واحدا من القوى التي أفرزها الحراك الشعبي، والتي أبدت رغبتها في التأطير والهيكلة السياسية لمواكبة خطاب “الجزائر الجديدة” الذي تروج له السلطة، غير أن تماطل الحكومة في الترخيص للقوى السياسية الجديدة، أعاد مخاوف الغلق السياسي واكتفاء الساحة بالرصيد التقليدي من الأحزاب.
حزب "التيار الوطني الجديد" رفع دعوى قضائية ضد وزارة الداخلية لعدم حصوله على رخصة لعقد المؤتمر التأسيسي
ويشكل ناشطون في الحراك الشعبي والمسيرات الشعبية اللذين سادا البلاد خلال العامين الماضيين، غالبية وعاء التيار الوطني الجديد، بقيادة عطية، الذي أبدى ليونة في التعاطي مع السلطة القائمة، وجزم بأن التغيير السياسي في البلاد يمكن أن يتحقق بعيدا عن المطالب الراديكالية المرفوعة من طرف بعض فواعل الحراك الشعبي.
وكانت رموز الحزب المذكور قد انخرطت في مسار السلط الانتقالية، وشاركت في مختلف الهيئات المستحدثة، على غرار لجنة الحوار والوساطة والانتخابات والدستور، لكن يبدو أنه صُدم من قرار عدم الترخيص له، مما يبقي مسألة الانفتاح السياسي بالبلاد في مربع الصفر، رغم الضمانات التي قدمها الدستور الجديد في ما يتعلق بتأسيس الأحزاب السياسية والجمعيات ووسائل الإعلام.
ومنذ العام 2012، الذي تم فيه اعتماد عدد من الأحزاب السياسية بإيعاز من الرئيس بوتفليقة آنذاك، في إطار حزمة الإصلاحات التي أعلنها حينها تحت تأثير موجة الربيع العربي التي اجتاحت عدة دول عربية، لم يتم الترخيص لأي حزب سياسي جديد، رغم وعود الإصلاحات التي تعهد بها الرئيس الجديد عبدالمجيد تبون، وتضمن الدستور لضمانات بشأن الممارسة السياسية.
وأعلن التيار الوطني الجديد، في بيان على صفحته الرسمية بموقع فيسبوك أنه “تلقى ردا من وزارة الداخلية يتضمن رفض منح الترخيص لعقد المؤتمر التأسيسي، رغم استيفاء الملف كل الشروط القانونية واكتماله من حيث الشكل والموضوع حسب ما ورد في قانون الأحزاب”.
وذكر البيان أن الحزب “قرر خوض المعركة القضائية من خلال تسجيل دعوى لدى مجلس الدولة، لإثبات وجة نظره للمشككين وفضح التناقض الصارخ بين الشعارات التي ترفعها السلطة، وبين الممارسات الميدانية”.
وتسود حالة من الاستياء لدى العديد من القوى السياسية الناشئة، بسبب مؤشرات الإقصاء التي لاحت في قانون الانتخابات الجديد، بعد إصرار السلطة على فرض عتبة 4 في المئة التي ستزيح أغلبيتها من سباق الانتخابات التشريعية والمحلية المبكرة، أو تجبرها على خوض استفتاء مبكر لها لدى الشارع للحصول على التوقيعات.
وكانت عدة أحزاب قيد التأسيس قد اجتمعت بالعاصمة من أجل فتح أبواب الاعتماد من طرف وزارة الداخلية، وإزاحة عتبة 4 في المئة من أمامها مؤقتا على اعتبار أنها لم تشارك في أي استحقاق سابق، وهو ما سيوفر فرص متكافئة أمام الجميع بحسب تصريح الناشط السياسي ورئيس حزب التجديد من أجل التنمية، أسير طيبي.
وأمام غياب فرص دخول لاعبين جدد في المشهد الانتخابي، يتوقع متابعون للساحة الجزائرية أن يتم الحفاظ على البنية التقليدية، وهو ما سيحبط خطاب التغيير السياسي في البلاد الذي تروج له السلطة، لاسيما وأن الأحزاب التقليدية هي الوحيدة التي تمتلك الإمكانيات البشرية واللوجيستية لخوض مختلف الاستحقاقات الانتخابية.
ويأتي ذلك وسط تركيز الهيئات الرسمية على غرار لجنة إعداد القانون والسلطة الوطنية المستقلة لتنظيم الانتخابات، التي ستعمل على “قطع الطريق على الفساد المالي، والمراقبة الدقيقة لتمويل الحملات الانتخابية، والمناصفة بين المرأة والرجل في اللوائح المترشحة وتخصيص ثلث اللائحة للشباب الأقل من 35 عاما، بينما يتم تجاهل النبض السياسي المستجد في المجتمع”.
وذلك رغم التحذيرات المتصاعدة من الإبقاء على نفس الآليات التي أنتجت طبقة حزبية كانت محل غضب الشارع الجزائري طيلة عامين من الاحتجاجات السياسية، حيث شدد رئيس التيار الوطني الجديد إسلام عطية، على أن “عدم فتح الباب أمام الفعاليات الجديدة، سيبقي نفس الأسباب التي تقف وراء العزوف الشعبي الكبير عن الانتخابات”.