استفتاء شعبي على الدستور لإنهاء الأزمة السياسية في تونس

أشارت أوساط سياسية تونسية بأصابع الاتهام إلى نظام الحكم المعتمد في البلاد بعد تأزم المشهد السياسي إثر التعديل الوزاري الأخير، ما أفرز دعوات مكثفة إلى القيام باستفتاء على الدستور من أجل تغيير نظام الحكم شبه البرلماني الذي عمق حالة الانقسام التي باتت تُنذر بقطيعة نهائية بين أقطاب السلطة بكل ما تحمله من تداعيات على الوضع العام في البلاد.
تونس - مع تزايد التجاذبات السياسية التي باتت تدفع تونس نحو الانزلاق في مربعات خطيرة تعاظمت الدعوات من قبل أوساط سياسية إلى القيام باستفتاء على الدستور الحالي بغية تغيير نظام الحكم المعتمد، وهو شبه برلماني.
وبعد دخول البلاد في متاهات أزمة سياسية ودستورية غير مسبوقة تتالت الدعوات إلى القيام باستفتاء على نظام الحكم الذي أرساه الدستور الحالي الذي صادق عليه المجلس الوطني التأسيسي في 2014.
وإذا ارتأت الطبقة السياسية المنقسمة بسبب صراع الصلاحيات والتعديل الوزاري الأخير، الذي عمق انقسامها، الذهاب في هذا الخيار (الاستفتاء على الدستور) ستكون السلطات مرغمة على تعديل العديد من الوثائق القانونية الأخرى المرتبطة بالدستور، على غرار مجلة الجماعات المحلية وغيرها.
وبالرغم من نذر فشل مبادرة الحوار الوطني التي أطلقها الاتحاد العام التونسي للشغل، المركزية النقابية ذات النفوذ الواسع في تونس، لا تزال الكثير من الأطراف تراهن على الحوار كأرضية للتوصل إلى تفاهمات تُفضي إلى تغيير نظام الحكم والدستور.
وهذه ليست المرة الأولى التي يكون فيها النظام السياسي الذي وضعه دستور 2014 في مرمى الانتقادات وحتى الاتهامات في ظل غياب حالة الاستقرار السياسي، حيث سبق أن دعا الوزير السابق والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي المعارض محمد عبو إلى إعلان “حالة الاستثناء” وحل البرلمان وتعليق العمل بالدستور في خطوة أثارت جدلا واسعا.
وأفاد رئيس الهيئة السياسية لحزب الأمل أحمد نجيب الشابي بأن الحل الأنسب للأزمة السياسية الراهنة هو إجراء حوار وطني ينتهي باستفتاء شعبي حول تغيير النظام السياسي إلى نظام برلماني أو رئاسي.
وأوضح الشابي، في تصريحات أوردتها إحدى الإذاعات المحلية الخاصة، أنه في ظل حالة الانغلاق التي يعرفها الدستور يكون التوافق هو الحل، مشيرا إلى أنه “في صورة عدم المضي في حوار وطني يمكن أن ينطلق حراك على الطريقة الجزائرية أو اللبنانية أو العراقية وينتهي ضرورة إلى التغيير”.
وتتبنى العديد من الأحزاب والشخصيات السياسية مثل هذه القراءات التي تدفع نحو تغيير نظام الحكم بطريقة تنهي حالة التشرذم التي هيمنت على المشهد طيلة الأعوام التي تلت ثورة 14 يناير 2011؛ حيث سبق أن دعا رئيس حزب مشروع تونس، محسن مرزوق، إلى تغيير نظام الحكم معتبرا أن بلاده في ظل هذا النظام تعيش تحت “استعمار داخلي”.
وأسهمت الأزمة السياسية الحادة، التي دخلت فيها البلاد عقب تمرير التعديل الوزاري المثير للجدل الذي أجراه رئيس الحكومة هشام المشيشي الأسبوع الماضي والذي أسس لقطيعة بين أقطاب السلطة، في تعالي الأصوات المنادية بضرورة تغيير الدستور.
وفي تحد للرئيس قيس سعيد قال رئيس حركة النهضة الإسلامية الذي يرأس البرلمان أيضًا، راشد الغنوشي، إن “الدستور منح الرئيس دورا رمزيا وليس إنشائيا”، وذلك في تعليق له على رفض سعيد أداء بعض الوزراء اليمين الدستورية أمامه بحجة أنه تحوم حولهم شبهات فساد أو تضارب مصالح، ما فاقم حالة الاستياء من نظام الحكم الحالي.
وقال الوزير الأسبق ورئيس حزب الائتلاف الوطني ناجي جلول إن “الأسلم لنا من أجل إنهاء الأزمة العودة إلى دستور 1959 لأن النظام السياسي الحالي ضعيف جدا والذين أسسوا له اختاروه لأنهم يخشون العودة إلى السجن (…)، هم يخافون من النظام الرئاسي القوي لذلك أعتقد إذا لم يتغير الدستور ونظام الحكم حاليا -وهذا مستبعد نوعا ما- فإن هذه النقاط ستكون حاضرة بقوة ضمن الحملات الانتخابية في 2024”.
وأضاف جلول في تصريح لـ”العرب” أنه “لتغيير النظام السياسي هناك خطوات مطلوبة تتمثل أولا وبالأساس في تغيير النظام الانتخابي (…)، هناك إجماع اليوم على ضرورة اتخاذ هذه الخطوة وهي رهينة تجميع 109 أصوات في البرلمان لتمرير التعديلات على القانون الانتخابي الذي سيجعل حزبا ما يشكل غالبية في انتخابات 2024 لكي تحكم (…)، منذ 2011 لا نعرف من يحكم في تونس باستثناء الحكومة الحالية التي تقول حركة النهضة علنا إنها تدعمها”.
ومع تعدد القراءات المختلفة لإمكانية تنظيم استفتاء وتغيير النظام السياسي والدستور طفت على السطح الاختلافات حول الأولويات؛ حيث لا يُشاطر الوزير الأسبق، خالد شوكات، جلول وبقية الأطراف الفاعلة الرأي، إذ يشدد على أن المشكلة لا تكمن في نظام الحكم بل في طريقة تطبيقه، داعيا إلى استكمال تركيز الهيئات الدستورية على غرار المحكمة الدستورية المعطلة منذ سنوات.
وقال شوكات لـ”العرب” إن “أولى الأولويات المحكمة الدستورية (…)، اليوم تبلورت غالبية في البرلمان عند تصويت البرلمان على الوزراء في حدود الـ144 صوتا، وهي غالبية ستمكننا في تركيز المحكمة ليتم بعد ذلك تعديل القانون الانتخابي لأننا في حاجة إلى غالبية تحكم وتشكل حكومة قوية قادرة على ملء الفراغ وتسيير السلطة التنفيذية”.
وأكد شوكات أن مسألة تغيير الدستور لا يوجد إجماع حولها في الوقت الراهن، وهو ما قد يطيل أمد الأزمة، مضيفا أن “النظام البرلماني يبقى أقرب إلى روح الديمقراطية”.
إلى ذلك، تبقى الأزمة السياسية التي تعرفها تونس تراوح مكانها رغم ازدحام المبادرات والوساطات الرامية إلى إذابة الجليد بين الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة)، ما قد يدفع بالمزيد من المقترحات في الأيام القادمة رغم الأجواء المشحونة التي باتت تخيم على المشهد.