احتجاج قبلي وراء عطش مليوني ليبي في طرابلس ومحيطها

بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تدين إغلاق الفرع الشرقي للنهر الصناعي.
الأربعاء 2021/08/18
انقطاع متكرر للمياه

طرابلس - عادت السلطات الحكومية في طرابلس إلى تفعيل آبار التقاسيم كمصدر بديل ولو بجزء بسيط من كمية الإمداد المائي، فيما اتجه السكان المحليون إلى البحث عن حلول تقليدية، سواء عن طريق الآبار والمواجل لمن يسكنون الفلل ذات الحدائق أو عن طريق الصهاريج المتنقلة التي تسمى “بوطّى الماء” لسكان الشقق، فيما يتسع الإقبال على المياه المعلبة التي باتت ترفع من مستويات الضغط على الأسر، ولاسيما متواضعة الإمكانيات المادية.

وعلى الرغم من كونها ليست المرة الأولى التي تواجه فيها العاصمة طرابلس والمدن المجاورة حالة من العطش، إلا أن الوضع يزداد سوءا بسبب حرارة الطقس وارتفاع مستويات الرطوبة والانقطاع المتكرر للكهرباء، وكذلك في ظل عجز الحكومة عن إيجاد حلول جذرية للأزمة ذات الفصول التي لا تنتهي.

ومنذ السبت الماضي أعلن الناطق باسم جهاز النهر الصناعي صلاح الساعدي، اضطرار الجهاز إلى إغلاق منظومة النهر، حرصا على سلامتها وخوفا من تنفيذ التهديدات بتفجيرها بعد تلقي طلب بإغلاقها، وهو ما ترتب عليه قطع الإمداد المائي عن أكثر من مليوني نسمة في طرابلس، على أن يحتاج الجهاز إلى أكثر من ستّة أيام لتوصيل المياه في حالة إعادة فتح المنظومة.

وقال الساعدي “إن إيقاف المنظومة وإعادة فتحها بين كل حين وحين ستترتب عليه مشاكل فنية وأضرار تلحق بها، لكن إيقاف المنظومة يبقى أفضل من إتلافها”، لافتا إلى أن “جهاز النهر جهة مدنية خدمية تقدم خدمة لكل الليبيين، وكل الجهات المسؤولة لديها علم بذلك”، مشيرا بقوله “كنا نطمح لزيادة إنتاجنا مع نهاية العام بكمية تبلغ  مليوني لتر مكعب، ونأمل ألّا تحول هذه التصرفات دون إنجاز مهمتنا”.

واعتبر أن “السلطات المسؤولة بالدولة هي المكلفة بحل المشكلة، أما جهاز النهر فمهمته المحافظة على ممتلكات المنظومة والعاملين بها”.

وأعلن جهاز تنفيذ وإدارة مشروع النهر الصناعي، عن إيقاف ضخ المياه على جميع المدن والقرى بمسارات منظومة الحساونة – سهل الجفارة، وذلك بعد اقتحام مسلحين موقع محطة التحكم في الشويرف، ومحطة الضخ في الحساونة.

صلاح الساعدي: اضطررنا إلى إغلاق منظومة النهر خوفا من تفجيرها
صلاح الساعدي: اضطررنا إلى إغلاق منظومة النهر خوفا من تفجيرها

وأوضح الجهاز في بيان أن مفاوضات جرت مع المجموعة المسلحة بعد الاقتحام في الحادي عشر من أغسطس الحالي، وجرى التوصل إلى اتفاق على تأجيل توقف ضخ المياه اثنتين وسبعين ساعة للتواصل مع الجهات المعنية بالدولة، لتنفيذ مطلبهم المتمثل في الإفراج عن رئيس المخابرات بالنظام السابق عبدالله السنوسي.

وأشار البيان إلى أنه “في الثالث عشر من أغسطس الجاري، طلبت المجموعة وقف ضخ المياه من منظومة الحساونة – سهل الجفارة لعدم استجابة الجهات المختصة لطلبهم، وفي حال عدم الاستجابة لطلبهم سيتم إيقاف الضخ بالقوة”.

ونوّه جهاز النهر الصناعي بأن إغلاق المنظومة جاء “لضمان سلامة العاملين بها، على اعتبار أن الجهاز مؤسسة وطنية مدنية تعمل جاهدة على تأمين أكثر من سبعين في المئة من المدن الليبية، وللحفاظ على مكونات المنظومة من التخريب”.

وجاء القرار بعد أن طالب متظاهرون في مدينة سبها، جنوب ليبيا، النائب العام والمجلس الرئاسي بضرورة إطلاق سراح عبدالله السنوسي بسبب تدهور حالته الصحية، محذرين من التصعيد في حال عدم الاستجابة لمطالبهم.

والجمعة الماضي أمهل أهالي وأعيان قبيلة المقارحة حكومة الدبيبة والمجلس الرئاسي اثنتين وسبعين ساعة لإطلاق سراح السنوسي من معتقلات قاعدة معيتيقة التي تسيطر عليها “ميليشيا الردع”، وإلا فإنهم سيوقفون ضخ مياه النهر الصناعي وإغلاق الحقول النفطية.

وأكدت مصادر من أسرة السنوسي أنه محروم من العلاج والزيارة داخل السجن، فيما تدهورت صحته بسبب إصابته بسرطان البروستاتا.

 ونشرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا الثلاثاء بيانا تدين فيه إغلاق الفرع الشرقي للنهر الصناعي، ما يشكل تهديدا للأمن المائي للملايين من الليبيين وينذر بحدوث أزمة إنسانية.

وقالت البعثة إن أي إعاقة للبنى التحتية الحيوية مثل النهر الصناعي تشكل انتهاكا للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وكذلك تعد أمرا مرفوضا وينبغي إدانته، خاصة عندما يتم استخدامه للابتزاز بغية الحصول على مكاسب سياسية، حيث تشكل هذه الأفعال غير المبررة شكلا من أشكال العقاب الجماعي للمواطنين، وتتعين مقاضاة جميع مرتكبيها بأقصى حد يسمح به القانون.

وشددت البعثة مجددا على أنه لا ينبغي تسييس الوصول إلى المياه وإمداداتها، وناشدت جميع الجهات الفاعلة تغليب المصلحة العليا للبلاد ومصلحة كل الليبيين لضمان الاستئناف الفوري لإمدادات المياه واحترام بناها التحتية وحمايتها.

ويُعتبر النهر الصناعي أكبر مزود للمياه في دولة ليبيا، ويوفر ستيّن في المئة من جميع المياه العذبة المستخدمة في ليبيا، وتهدد الاحتجاجات والهجمات وأعمال التخريب المتكررة على أنظمته الرئيسية الأمن المائي للبلاد، وتعرض حياة الملايين لخطر فقدان الحصول على المياه الآمنة.

وقالت كريستينا بروجيولو، نائبة الممثل الخاص لليونيسف في ليبيا، إنه “عندما يتم قطع المياه، غالبا ما يضطر الأطفال إلى اللجوء إلى مصادر غير آمنة، مما يزيد من مخاطر إصابتهم بالأمراض، خصوصا عند الأطفال الصغار جدا”.

وأضافت أن “الضرر المتعمد والعشوائي لشبكات المياه والصرف الصحي – وإمدادات الطاقة اللازمة لتشغيلها – يعد انتهاكا كبيرا للحقوق الأساسية”.

4