"ابق في بيتك" دراما تونسية في رمضان وقبله

تونس - تأكدت، وبشكل نهائي الخطوط العريضة لخارطة الدراما الرمضانية في تونس، خاصة في مجاليها الدرامي والاجتماعي، فيما لم تتّضح بعد معالم السيتكومات الكوميدية المُعتاد بثها في الموسم الدرامي الأوحد والوحيد في بلد بدأ يتلمّس في العشرية الأخيرة طريقه نحو التنوّع كمّا ومضمونا في ظلّ التعدّد “القنواتي” غير المسبوق لتونس ما بعد ثورة 14 يناير 2011.

“نوبة 2”، “أولاد مفيدة 5”، “قلب الذيب”، “الحرقة” و“27”، مُسلسلات تُراوح بين الاجتماعي والتاريخي، من المُنتظر أن تشدّ انتباه المُشاهد التونسي وتُصالحه مع تاريخه وثقافته وقضاياه الآنية الحارقة، بل ولهجته أيضا التي يستعيدها دراميا خلال شهر، لتتعدّد لهجاته -إثره- بقية أشهر العام بين المصرية والسورية والخليجية أحيانا، دون الحديث عن المسلسلات المُدبلجة طبعا.

وبعيدا عن استعراض مُحتوى المُسلسلات الخمسة ومُخرجيها ومُمثليها ومُحتواها والقنوات الباثة لها، التي يُمكن لها أن تتغيّر من محطة إلى أخرى، وهي حالة تلفزيونية مخصوصة لتونس فقط، كحال مسلسل “نوبة 2”، الذي تم بثّ الجزء الأول منه في العام الماضي بقناة “نسمة” (خاصة) لتتولى عرضه هذه السنة منافستها قناة “التاسعة”. هكذا.. ودون مُبرّر!

فالمسلسل حقّق نسب مشاهدة عالية في رمضان 2019، كما حُظي بإشادة نقدية لتميّز كتابته ومعالجته الفنية، حتى بات إنجاز جزء ثان منه مطلبا جماهيريا بعد أن تواترت التدوينات والتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تدعو مُخرجه الشاب عبدالحميد بوشناق إلى مواصلة التجربة.

من المنتظر أن يلازم التونسيون بيوتهم في رمضان هذا العام، منتظرين الأحداث المشوّقة لـ"نوبة" المخرج عبدالحميد بوشناق

وهو ما فعله، اضطرارا أكثر منه اختيارا، على ما يبدو، فانطلق منذ أواخر يناير الماضي في تصوير الجزء الثاني منه. ومع ذلك ظل المسلسل يبحث عن قناة باثة له إلى أن تدخّلت “التاسعة” على الخط، واقتنت العمل.

وانتقال المُسلسلات الأجزاء من قناة إلى أخرى، ليست بظاهرة جديدة في تونس، ما بعد 14 يناير 2011، فقد سبق أن عُرض مثلا مسلسل “مكتوب” للمُخرج سامي الفهري في جزأيه الأوّلين (2008 و2009) على قناة “تونس 7” (عمومية)، ليتم بث جزأيه الثالث والرابع (2012 و2014) على قناة “التونسية” الخاصة، قبل أن يتحوّل اسمها إلى قناة “الحوار التونسي”.

وإن كانت أسباب انتقال بث “مكتوب” من قناة وطنية إلى قناة خاصة معلومة إثر ثورة 14 يناير، وما لحق مُخرجها/ السجين حاليا، سامي الفهري من اتهامات بالتلاعب بالمال العام واستغلال النفوذ لكونه كان شريك بلحسن الطرابلسي صهر الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي في شركة “كاكتوس” للإنتاج، فإن أسباب انتقال “نوبة” بوشناق من قناة إلى أخرى تظل غامضة حتى كتابة هذه الأسطر.

ومهما يكن من أمر انتقال حقوق بث مسلسل “نوبة” من قناة إلى أخرى، تبدو ولادة المسلسل عسيرة، بل قيصرية، خاصة في ظل الوضع الراهن الذي تعيشه تونس بعد تفشي فايروس كورونا المستجد (كوفيد - 19)، الأمر الذي جعل مُخرجه يُعلن في بيان صحافي، صباح الثلاثاء، إيقاف التصوير.

وجاء في نص البيان الصادر عن القائمين على العمل “قرّرت أسرة تصوير مسلسل ‘نوبة 2’، صباح الثلاثاء، إيقاف تصوير المسلسل مؤقتا والانخراط مُباشرة في الحملة التحسيسية التوعوية ‘شدّ دارك’ (ابق في بيتك)”.

ويضيف البيان “هذا القرار الذي تم اتخاذه قبل سَنّ التدابير والإجراءات الرسمية لإيقاف تصوير كل الإنتاجات السينمائية والدرامية التي تدور على التراب التونسي، يأتي تعبيرا عن وعي مواطني حقيقي يتماهى في مضمونه مع كل الإجراءات الرسمية للحدّ من انتشار فايروس كورونا”.

وخاطب بوشناق فريق العمل بجملة مُقتضبة، لكنها مُعبرة، قائلا “الإنسان هو الأهم”. كما وعد باستئنافه تصوير المشاهد القليلة المتبقية خلال الأسبوعين المقبلين. ويقطع المخرج الشاب الشك باليقين حول إمكانية بث المسلسل من عدمه في آجاله المتوقّعة، بقوله “تَعد أسرة الفريق متتبعي المسلسل بأنه سيكون في الموعد إن شاء الله، وسيرافقهم كامل أيام رمضان لهذه السنة”.

ومن هناك، سيبقى التونسيون في بيوتهم في رمضان هذا العام، منتظرين الأحداث المشوّقة لمسلسل سجّل أعلى نسب مشاهدة في الموسم الرمضاني المنقضي، وذلك لطرافة طرحه، وهو الذي يخوض في عالم “المزود” (آلة نفخ تقليدية) وفنانيه المُهمّشين والمنبوذين في بعض الأوساط البرجوازية التونسية.

وتدور أحداث مسلسل “نوبة” حول موسيقى المزود الشعبية في تونس والأجواء المصاحبة لها في المدينة العتيقة عبر شخصيات غير حقيقية أوجدها المخرج عبدالحميد بوشناق، لكنّ حكاياتها تمتدّ في الواقع عبر أحداث يتقاطع فيها الكوميدي بالتراجيدي وتتفرّع فيها الحكايات بين الخيانة والغدر والأمل والألم والحب والكره.

والمسلسل ليس توثيقا لعرض “النوبة” الذي احتضنه مسرح قرطاج صائفة عام 1991 قبل أن يرتحل إلى قاعة “الزينيت” الفرنسية في العام ذاته، وإنّما تفصيل زمني في الحبكة الدرامية للعرض الذي جمع فيه مخرجه الفاضل الجزيري، أيامها، أقطاب الأغنية البدوية والشعبية بتونس في سهرة فنية برؤية مسرحية متطورة.

واختار بوشناق وجوها جديدة لبطولة جزئه الأول على غرار بلال البركي وعزيز الجبالي وأميرة شلبي، في أولى تجاربهم الدرامية. ويشارك في الجزء الثاني من العمل كل من فتحي الهداوي ولطفي العبدلي وكمال التواتي في دور شرفي.

وخاض عبدالحميد بوشناق، نجل المغني التونسي الشهير لطفي بوشناق، تجربته الأولى في إخراج الأعمال الدرامية من خلال “نوبة” بعد إخراجه فيلمين سينمائيين بين قصير وطويل، كان أشهرهما “دشرة”، أول فيلم رعب تونسي، والذي حقّق نجاحا جماهيريا كبيرا.