إغلاق المساجد في تونس: مواجهة الفايروس أم استهداف للدين

رئيس جامعة الزيتونة: الفايروس ما يزال مجرّد ظن والأجدر مقاومته بالصلاة.
الأحد 2020/03/15
جدل بشأن إغلاق المساجد

تونس - أثار قرار رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ بشأن إلغاء صلاة الجماعة وإغلاق المساجد بشكل مؤقت غضبا لدى فئة من المتدينين تعتقد أن تعطيل المساجد بمثابة تعدّ على الدين ومساس بثوابته، في وقت كانت الخطوة الحكومية ضمن سياق إجراء أشمل طالت أماكن كثيرة مثل المقاهي والمطاعم والملاهي في مسعى للحد من انتشار فايروس كورونا.

ولم تقف ردود الفعل عند حدود النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي الذين تقودهم الحماسة الدينية في الحكم على القرارات، فقد انضم إليهم خطباء في المساجد وأساتذة جامعيون من بينهم هشام قريسة رئيس جامعة الزيتونة.

وهاجم هشام قريسة عبر صفحته الشخصية في فيسبوك، رئيس الحكومة، معتبرا أنه راوغ الجهات الرسمية التي اجتمع بها، وأصدر قرارا أحاديا في مسألة دينية ضرورية لحياة التونسيين.

وقال قريسة في توضيح لـ”العرب” إنّ ردّ فعله على قرار الفخفاخ كان ضدّ “نَسْبِ القرار الذي اتخذه رئيس الحكومة، بصفة فردية، إلى ما خلص إليه الاجتماع مع وزارة الشؤون الدينية ووزارة الصحة ودار الإفتاء وجامعة الزيتونة”. وأكد أن الجهات الدينية ستلتزم بقرارات الفخفاخ رغم معارضتها له.

يذكر أن الاجتماع، الذي عقد الخميس، قد أقرّ مجموعة من الإجراءات الوقائية والتي سارعت وزارة الشؤون الدينية إلى توضيحها عبر صفحتها الرسمية.

وتتمثل الإجراءات المتّفق عليها في عدم حضور ضعاف المناعة من المصابين بأمراض تنفسيّة ومزمنة وكبار السّن صلاة الجماعة والجمعة، وتحديد مدة الخطبة والصلاة بـ15 دقيقة، بالإضافة إلى ترك مسافات كافية بين صفوف المصلّين.

كما خلص الاجتماع إلى وجوب دعوة المواطنين إلى الحرص على الوضوء في البيت واستعمال سجادة صلاة شخصية والالتزام بتوجيهات القائمين على شؤون المساجد وكذلك العناية بنظافتها لتجنّب نقل العدوى.

واعتبر قريسة في تصريحه لـ”العرب” أن “هذه الإجراءات الوقائية تعتبر كافية، إذ لا يمكن منع صلاة الجماعة باعتبار أنها من ضرورات الحياة، وكان يجدر برئيس الحكومة أن يمنع الكماليات الحياتية كالملاهي الليلية والمقاهي”.

وتشهد تونس موجة خوف كبيرة، دفعت المواطنين إلى الإقبال بصفة غير طبيعية على شراء الأغذية وتخزينها وابتياع الكمامات الطبية والسائل المعقم لليدين ومواد التنظيف حتى نفد أغلبها من مراكز البيع واحتكرها الباعة وتضاعف سعرها مرات كثيرة.

وقال رئيس جامعة الزيتونة إنه كان على رئيس الحكومة دعوة المواطنين “إلى عدم الإقبال على الشراء، وعدم الخوف من مرض مازال مجرّد ‘ظنّ’، قد ينتشر في البلاد أكثر وقد تتمكن من مقاومته”، في حين كان من الأجدر، على حدّ قوله، الاهتمام بما هو “مؤكد” ألا وهو أهمية العبادات في حياة الناس.

هشام قريسة: لا يمكن منع صلاة الجماعة باعتبار أنها من ضرورات الحياة
هشام قريسة: لا يمكن منع صلاة الجماعة باعتبار أنها من ضرورات الحياة

لكنّ باحثين في الشأن الديني اعتبروا أن موقف رئيس جامعة الزيتونة غير مبنيّ على أيّ اجتهاد ديني، مشددين على أن المساجد هي أقرب الأماكن لنقل الفايروس بسبب التزاحم، وأنه كان على قريسة أن ينتبه إلى أن حفظ النفس مقدّم على ما سواه بما في ذلك حفظ الدين، وفق ما تقول مقاصد الشريعة.

واستغرب هؤلاء كيف يطالب رئيس جامعة تتولى تخريج العاملين في القطاع الديني بعدم إغلاق المساجد إلى حين تفشّي الوباء بدل القرار الحالي الذي يأخذ بالأسباب ويحتاط لما هو أسوأ، متسائلين كيف يمكن التعاطي مع وباء قتل عشرات الآلاف على أنه مجرد ظنّ، وأن الصلوات في المساجد قد تحدّ منه.

إلا أنّ رئيس الجامعة الإسلامية يصرّ على أنّ انتشار وباء كورونا في تونس يظلّ “مسألة غيبية”، والمسلمون مدعوّون إلى اتّباع “حسن الظن” في توقع الغيب.

ويعتبر قريسة أن “تعاليم الدين الإسلامي قد تساهم في الحد من انتشار الفايروس” في إشارة إلى أنّ الوضوء للصلاة وقاية من الأمراض.

وفي وجهة نظر مماثلة لعدد كبير من المسلمين والعرب، اعتبر رئيس جامعة الزيتونة ظهور المرض في الصين وانتشاره السريع في عدد كبير من الدول نتيجة نظام غذائي غير صحي يعتمد فيه على “محرّمات” كثيرة كأكل الفئران والخفافيش وشرب الخمر.

ويرى قريسة أنّ هذا الفايروس “رسالة إلى من لا يؤمنون بالدين الإسلامي إلى الإيمان به، فهو دين يحرّم أكل عدد من الحيوانات ويفرض نظام طهارة يقي من الأمراض ويحدّ من انتشار الأوبئة”.

من جانبه، أكد وزير الشؤون الدينية أحمد عظوم أن القرار الذي أعلن عنه رئيس الحكومة لا يعني غلق المساجد. وأوضح أن المساجد ستفتح في المواعيد المخصّصة للصلاة مع إقامة الأذان، داعيا في الوقت نفسه المصلين إلى الصلاة في منازلهم لحماية أنفسهم من خطر الإصابة بالفايروس.

1