أنا أفكر وشات جي بي تي يكتب

المستقبل ليس قدَرًا محتومًا، بل نتاج قرارات تُتخذ اليوم. وأمامنا خياران: أن نترك التغيير يجرّنا، أو أن نوجّهه بقيم أخلاقية، وعدالة اجتماعية، ووعي بيئي.
الأربعاء 2025/06/18
واحد من أهم أسباب غباء إنسان المستقبل

قد يدفعك العنوان الذي وضعته لهذا المقال لإدانتي إن لم تكمل قراءته، في الحقيقة هذا المقال لا يعني أنني أعتمد على شات جي بي تي في كتابة ما يجب أن أكتبه من أفكار، بل أنا ممن يرون أنه واحد من أهم أسباب غباء إنسان المستقبل، ولا أحبذ استخدامه كمساعد في عملي، بل فكرت في أن أكتب سلسلة مقالات تناقش هذا البرنامج في قضايا متنوعة.

هذه المرة قررت أن أطلب من شات جي بي تي أن يكتب لي مقال رأي صحفي مختصر، يصف لي فيه شكل الحياة بعد خمسين عاما، يناقش فيه أبرز التحديات التي ستواجه البشر ويتخيل شكل الحياة آنذاك.

“خمسون عامًا إلى الأمام: العالم بين الفرص والتحديات”، هكذا عنون الذكاء الاصطناعي المقال، وظنا منه أنه سينشر باسمي ذكّرني أن أضيفه بعد العنوان. ثم بدأ حديثه الذي سأترككم معه قبل أن أعلق عليه باختصار.

عندما ننظر إلى المستقبل، لا بد أن نرى بعيونٍ واعية ما يلوح في الأفق من تحولات كبرى ستُعيد تشكيل عالمنا خلال الخمسين عامًا القادمة. ليس الحديث هنا عن خيال علمي، بل عن تحديات واقعية تتجمع سحبها اليوم، وتعدنا بغدٍ مختلف كليًا في طبيعته، وسلوكنا فيه.

أول هذه التحديات سيكون التغير المناخي، العدو الصامت الذي لا يزال يُستصغر خطره. ارتفاع درجات الحرارة، وذوبان الجليد، وازدياد الكوارث الطبيعية قد يجعل من أجزاء واسعة من الأرض غير صالحة للعيش، ويدفع بموجات هائلة من الهجرة المناخية، ما قد يشعل صراعات جديدة على الموارد والمكان.

إلى جانب ذلك، سيواجه البشر ثورة متسارعة في الذكاء الاصطناعي، تحمل في طياتها فرصًا عظيمة ومخاطر جسيمة. ستختفي مهن تقليدية، ويظهر سؤال وجودي: ماذا سيبقى للإنسان حين تحل الآلة مكانه في العمل، وربما في التفكير؟ سيتعين علينا حينها إعادة تعريف القيمة الإنسانية خارج إطار الإنتاج.

الزيادة السكانية في بعض المناطق، مقابل الشيخوخة والانكماش السكاني في أخرى، ستُحدث خللًا في التوازن الديمغرافي. دول ستعاني من فائض الشباب دون فرص، وأخرى من نقص حاد في الأيدي العاملة. هذا التفاوت سيعيد تشكيل الخارطة السياسية والاقتصادية للعالم.

ولا يمكن إغفال تحدي الأمن الرقمي. في عالم سيكون فيه كل شيء متصلًا بالإنترنت، من الثلاجة إلى السيارة إلى الجسم البشري نفسه، تصبح الخصوصية رفاهية، والاختراق خطرًا وجوديًا.

أما عن شكل الحياة، فسيكون بلا شك أكثر رقمية، أكثر فردانية، وأكثر تحكمًا بالخوارزميات. قد نتنقل في مركبات ذاتية القيادة، ونتعلم من معلمين افتراضيين، ونعالج أجسادنا عبر الطباعة الحيوية للأعضاء. بيوتنا ستتحدث إلينا، وأجهزتنا ستعرفنا أكثر مما نعرف أنفسنا.

لكن السؤال الأهم: هل سنظل بشرا بنفس الملامح والقيم؟ أم أننا نسير نحو نسخة “محسّنة” من الإنسان، تقوده التكنولوجيا وتعيد صياغة شعوره بالزمن والمكان والغاية؟

أفكار في غاية الأهمية والخطورة طرحها شات جي بي تي، أجابني دون أن يكون لي حساب عليه حتى الآن. لقد مرّ على أبرز المخاطر التي سنواجهها مستقبلا، ووجه لنا نصائحه، وحذرنا من بيوتنا وأجهزتنا ومن فقداننا للقيم. لغة سلسلة وبسيطة وبكلام مسترسل وواضح وقدرة كبيرة على الإقناع، دون استعراض للمعلومات. ولا يبدو أن هناك فرقا بين ما كتبه ويمكن أن يكتب صحافي أو أيّ كاتب بشري.

“المستقبل ليس قدَرًا محتومًا، بل نتاج قرارات تُتخذ اليوم. وأمامنا خياران: أن نترك التغيير يجرّنا، أو أن نوجّهه بقيم أخلاقية، وعدالة اجتماعية، ووعي بيئي، يجعل من الخمسين سنة القادمة عهدًا للنضج، لا للاندثار”.

هكذا اختتم شات جي بي تي المقال، ونحن، لو عشنا خمسين عاما مقبلة، سنرى ما مدى تحقق أفكاره في هذا المقال.

18