أين ذهبت أموال القروض والهبات الممنوحة لتونس منذ 2012؟

في خطوة بدت هي الأبرز منذ اتخاذه لإجراءات الخامس والعشرين من يوليو الماضي طالب الرئيس التونسي قيس سعيّد وزيرة المالية في حكومة نجلاء بودن بالقيام بجرد شامل حول مصير أموال القروض والهبات التي تحصلت عليها بلاده خلال السنوات الماضية ما أثار ارتياحا خاصة أن هذا الملف لطالما شكّل لغزا يصعب على التونسيين حله.
تونس - فتحت مُطالبة الرئيس التونسي قيس سعيّد بجرد شامل للقروض والهبات التي تلقتها بلاده خلال السنوات الأخيرة الباب واسعا أمام التأويلات بشأن مآل تلك الأموال التي قال سعيّد إن لا أثر لها في الواقع.
ودعا الرئيس التونسي إلى ضرورة معرفة “مآل القروض التي جاءت من الخارج.. المليارات تم ضخها في تونس، ولكن لا أثر لها في الواقع وسيتحمل أيضا في هذا المجال كل شخص مسؤوليته”.
وأكد أن مكافحة الفساد المتفشي في مؤسسات الدولة ستكون أولوية في عمل الحكومة الجديدة برئاسة نجلاء بودن، خصوصا مع ما تعيشه تونس من وضعية مالية صعبة.
وتساءل الرئيس سعيّد خلال مجلس وزاري عُقد الخميس تحت إشرافه “أين ذهبت أموال الشعب التونسي؟ راجعوا بعض التصريحات لعدد من الدول (لم يحددها) التي قدمت لتونس قروضا. أين ذهبت هذه القروض لأكثر من عشر سنوات؟ ثم يتحدثون (يقصد المعارضين لإجراءاته) عن الثورة وتحقيق العدالة الاجتماعية”.

سامي بن سلامة: أعتقد أن هناك أدلة تفيد بنهب أموال القروض من قبل النهضة
وقال الرئيس سعيّد “لا بد من جرد وأطلب من وزيرة المالية أن تقوم بجرد كامل لكل هذه الأموال أين ذهبت”. وأضاف “بعضها أعرف أنه ذهب خارج تونس (لم يحدد جهة معينة ومن نقلها)، ولكن هذه الأموال للشعب ويجب أن تعود له”.
وبالرغم من الاختلاف الحاصل في تونس حول طريقة صرف تلك الأموال بين من يرى أنها ذهبت في ميزانيات تشغيل ورواتب خاصة بعد تضاعف كتلة الأجور في البلاد وبين من يرى أنها نُهبت إلا أن أوساط تونسية تُجمع على أهمية الذهاب نحو التحقيق في مآلاتها خاصة أن حجم هذه الأموال كبير بالاستناد إلى تصريحات لمسؤولين أجانب على غرار سفير الاتحاد الأوروبي السابق باتريس بيرغاميني.
واعتبر الوزير السابق والمحامي حاتم العشي أن “رئيس الجمهورية يسعى إلى اقتلاع الفساد من جذوره ولذلك من حقه أن يطلب من وزيرة المالية أن تمده بجرد كامل للقروض التي تلقتها تونس وهي مبالغ مالية هائلة لكي يعرف أين ذهبت تلك الأموال، وإذا اختفت فأين اختفت”؟
وتابع العشي في تصريح لـ”العرب” أنه “لا يمكن الجزم بأن أموال الهبات والقروض قد نُهبت لذلك سيتم فتح تحقيق وبحث سيكون أكبر تحقيق حول الملف، وهذه خطوة جيدة جدا حتى نعرف أين ذهبت تلك الأموال: في ميزانية الدولة أم للجمعيات أم لغيرها؟ يجب أن نعرف (..) نحن في مرحلة بناء جديد لذلك يجب تفكيك منظومة الفساد التي هيمنت طيلة العشرية الفارطة”.
ويُساير رئيس لجنة مكافحة الفساد في مجلس النواب المجمدة أعماله واختصاصاته بمقتضى الإجراءات التي أقرها سعيّد في الخامس والعشرين من يوليو بدرالدين القمودي، حاتم العشي في رأيه حيث يشيد بمطالبة الرئيس التونسي بالكشف عن مصير أموال القروض والهبات.

حاتم العشي: لا يمكن الجزم بأن الأموال نُهبت، التحقيق سيكشف مآلها
وقال القمودي في تصريح لـ”العرب”، “لقد طالبنا مرارا في البرلمان بضرورة التحقيق في مصير هذه الأموال، ولم تقتصر مطالبنا عن القروض والهبات فقط بل حتى صندوق 1818 الذي خصصته الدولة وتبرع له تونسيون من أجل مكافحة الوباء لكن أصواتنا لم تكن مسموعة عكس اليوم حيث تبدو هناك إرادة سياسية للكشف عن مآلات هذه الأموال”.
وأضاف البرلماني التونسي أنه “لا يوجد أي أثر تنموي لهذه الأموال، نحن تساءلنا حول هذه الأموال التي ليس لنا أي معطيات على طريقة صرفها ولكن ليس لدينا أي معلومات لا حول اختلاسها ونهبها أو استثمارها في إطار قانوني”.
وفي المقابل، ترى أوساط تونسية أخرى أن هذه الأموال، التي لطالما فجر التطرق إليها سجالات واسعة النطاق بين المنظومة السابقة التي كانت تقودها حركة النهضة الإسلامية ومعارضيها، قد تم نهبها فعليا.
وقال سامي بن سلامة المنسق العام لمنظمة “23 - 10 لدعم مسار الانتقال الديمقراطي” وهو عضو سابق كذلك في هيئة الانتخابات التونسية، “أعتقد أنه مادام يوجد قرار بالتدقيق وجرد لهذه القروض فهذا يعني أن هناك أدلة تفيد بنهب هذه الأموال”.
وأردف بن سلامة في تصريح لـ”العرب” أنه “بصرف النظر عن مطالبة الرئيس بالكشف عن مصير هذه الأموال فإن شبكة المصالح الاقتصادية السابقة قد استولت عليها حركة النهضة منذ 2011 وأجبرت رؤوس الأموال ورجال الأعمال على الدفع لها ماليا لمنع التتبعات القضائية وهناك العشرات من الحالات، وهناك تقرير لمحكمة المحاسبات يقول إنه تم التبرع لحركة النهضة بالمليارات من قبل الأموات”.

بدرالدين القمودي: الإرادة السياسية متوفرة اليوم للكشف عن مصير أموال القروض والهبات
وأشار بن سلامة إلى أن “هؤلاء دمروا البلاد والاقتصاد، لقد استولوا على أجزاء كبيرة منه ومن الاقتصاد الريعي حيث باتت الرخص تمنح للموالين لهم ولجماعتهم، يجب أن يتم التدقيق حتى نعرف أين ذهبت هذه الأموال”.
وتأتي هذه التطورات في وقت تعرف فيه تونس أزمة اقتصادية خانقة وسط غموض يكتنف الأرقام الدقيقة للقروض والهبات التي تحصلت عليها البلاد منذ 2011 تاريخ سقوط الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
وفي العام 2019 أثار سفير الاتحاد الأوروبي في تونس باتريس برغاميني جدلا واسعا عندما قال إن بروكسل منحت السلطات التونسية منذ أحداث ثورة الرابع عشر من يناير ما قيمته 10 مليارات أورو ما يعادل 30 مليار دينار بالعملة التونسية خلال الفترة الممتدة بين 2011 و2017 في إطار هبات وقروض.
وتعيش تونس منذ الخامس والعشرين من يوليو مسارا سياسيا انتقاليا بعد تفعيل الرئيس سعيّد الفصل 80 من الدستور الذي جمد بمقتضاه البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه وحل الحكومة ليضع مكافحة الفساد عنوانا رئيسيا لهذه المرحلة، إلى جانب تغيير النظامين الانتخابي والسياسي في البلاد.