أيام قرطاج السينمائية في عيون مثقفي تونس: الفرح في زمن الدموع

أسدل الستار مؤخرا على الدورة 26 لأيام قرطاج السينمائية لهذا العام في أجواء استثنائية، حيث جدت عملية إرهابية بقلب العاصمة تونس في الـ24 من نوفمبر الماضي وراح ضحيتها 12 رجل أمن، ومع ذلك أبت إدارة المهرجان إلاّ مواصلة الفعاليات إلى آخر يوم من المهرجان، “العرب” التقت مجموعة من المثقفين التونسيين، وطرحت عليهم السؤالين التاليين: ماذا شاهدت من الأفلام؟ وما الذي بقي منها في البال؟ فكان الإجماع على أن نجم الأيام هذا العام هو الجمهور الذي تحدّى الإرهاب بحضوره الكثيف.
الجمعة 2015/12/04
الجمهور كان نجم المهرجان بلا منازع

بعيدا عن نتائج الدورة السادسة والعشرين لأيام قرطاج السينمائية المنتهية مؤخرا، التي أصبحت سنوية انطلاقا من العام الحالي، والتي توّجت الفيلم المغربي “جوق العميين” لمحمد مفتكر بالتانيت الذهبي لدورة 2015.

“العرب” استطلعت رأي بعض المثقفين التونسيين الذين اتفقوا جميعا على أن نجم المهرجان هذا العام، كان بلا منازع الجمهور التونسي الذي واكب كامل الفعاليات التي امتدت من 21 إلى 28 نوفمبر الماضي، بأعداد غفيرة تضاعفت إثر العملية الإرهابية بالعاصمة التونسية عشية الرابع والعشرين من نوفمبر الماضي والتي ذهب ضحيتها رجال أمن.

يقول المسرحي التونسي زياد التواتي: أكثر نجاح حققه المهرجان هو أنه تواصل رغم العملية الإرهابية، وكان توافد الجمهور لمشاهدة الأفلام المبرمجة بكثافة خير ردّ على محاولة بث الرعب والخوف.

هكذا كان ردّ مجسّد دور وحشي في المسلسل العربي عمر، رغم أن سؤالنا كان عن الأفلام وما بقي منها في البال؟ ليسترسل قائلا: بالنسبة إلى الأعمال المشاركة في المهرجان، شاهدت فيلمين تونسيين “عزيز روحه” لسنية الشامخي و”قصر الدهشة” لمختار العجيمي، وكانت لي مشاركة فيهما وهما فيلمان أعتقد أنهما سيثريان السينما التونسية.

تثمين الحضور الجماهيري القياسي للأيام الذي أكدت إدارة المهرجان أنه جاوز الـ160 ألف مشاهد في 13 قاعة عرض على امتداد أيام المهرجان الثمانية، أكده أيضا المسرحي التونسي محمد علي دمق الذي قال لـ”العرب”: هذه الدورة استثنائية بكل المقاييس على مستوى عدد العروض وتنوعها وكذلك عدد الأفلام، وقد تمت مشاهدة الأفلام كعروض عالمية أولى، إلى جانب الظرف الخاص الذي حف بالمهرجان، حيث أكد أن السينما هي فعل مقاومة، وليست شعارا خاويا يرفع فوق معلقات جوفاء، بل يطبّق بالفعل وبالممارسة.

يسترسل دمق: رغم العملية الإرهابية التي تزامنت مع انطلاقة المهرجان، إلاّ أن الأحداث الأليمة لم تثن إدارة المهرجان والسينمائيين والمولعين بالفن السابع عن مواصلة الأيام وإتمام المهرجان والاحتفال بالحياة، وأنا أمنح التانيت الذهبي للجمهور.
زياد التواتي: أكثر نجاح حققه المهرجان تمثل في تواصله رغم العملية الإرهابية

وعمّا بقي له في البال من مشاهدات قال دمق: اخترت هذه السنة أن أواكب سينما العالم لوفرة العروض التي انتقتها إدارة المهرجان، وقد شدني فيلم “فيكتوريا” الألماني و”صبى” الإيطالي و”الشاة” الأثيوبي و”البئر” الجزائري، ومن الأفلام التونسية فقد شدني فيلم “شبابك الجنة” لفارس نعناع.

لم يتوان بدوره الشاعر التونسي البشير موسى عن تثمين التحدّي الذي رفعته إدارة المهرجان من خلال مواصلة التظاهرة رغم الصدمة الموجعة الناجمة عن العملية الإرهابية التي طالت مجموعة من الأمنيين وحزت في نفوس الجميع من تونسيين وضيوف وأشقاء من مختلف البلدان، على حدّ تعبيره. وأضاف موسى: تواصل العروض واستمرار تدفق أحباء الفن السابع على قاعات السينما يجعلانني أستحضر ما قاله الشاعر الفلسطيني محمود درويش “ما أجمل أن أبتسم حين ينتظر الجميع دموعي”.

وثمّن موسى فيلم “مدام كوراج” للمخرج الجزائري مرزاق علواش قائلا: شدتني شخصية عمر المراهق الذي يلجأ إلى حبوب الهلوسة نتيجة لعدم استقراره النفسي ولتذبذب شخصيته اللّذين هما نتاج للبؤس الذي يعانيه وأمثاله من الأطفال والشباب من حرمان وفقر في مناطق مثل ضواحي مستغانم.

على عكس البشير موسى تماما يرى المخرج المسرحي حمادي المزي أن فيلم “مدام كوراج” كان حقا الصدمة الكبرى لأحباء علواش الذي كان في السابق يترك جدلا كبيرا ويسيل حبرا كثيرا.

وعن الفيلم التونسي “على حلت عيني” لليلى بوزيد يقول المزي: هذه المخرجة المبتدئة لم تتحرر بعد من جلباب والدها النوري بوزيد، الذي عودنا على لغة سينمائية جريئة لكنها متماسكة، اكتفت ليلى بالاشتغال على الجوانب الاستفزازية المجانية، من مشاهد إباحية مملة ومقاطع موسيقية مملة كذلك.

تقول الباحثة في علوم الإعلام والاتصال شادية خذير: العنف في “الزين إللي فيك” للمغربي نبيل عيوش وفي “شبابك الجنة” للتونسي فارس نعناع كان مغلفا بكثير من الرقة، وهذا يعود إلى الطريقة المعتمدة من قبل كليهما في طرح الحكاية رغم ما يحملانه من الألم، في حين أن العنف في فيلم الجزائري مرزاق علواش “مدام كوراج”، وكذلك التونسيين مختار العجيمي في “قصر الدهشة” والفاضل الجزيري في “خسوف”، كان خاما بطريقة مرة وصادمة ولكنها واقعية.

وتختم خذير بقولها: فيلم واحد جعلني أحلم كما أحب أن تكون السينما في نظري، هو فيلم “قدرات غير عادية” للمصري داوود عبدالسيد.

16