أزمة الغواصات الفرنسية – الأسترالية تهدد تماسك الناتو

بروكسل - أكد وزيران فرنسي وألماني الثلاثاء أن قرار الولايات المتحدة وأستراليا سحب صفقة غواصات من فرنسا يعد بمثابة “تنبيه” للاتحاد الأوروبي على ضرورة تعزيز قدراته على التحرّك بشكل مستقل، فيما لا يستبعد متابعون أن تصل حدة الغضب الفرنسي إلى الانسحاب من حلف الناتو والتوجه نحو إنشاء قدرات دفاعية أوروبية ما من شأنه أن يهدد تماسك الحلف.
وقال وزير الدولة الألماني للشؤون الأوروبية مايكل روث الثلاثاء، لدى وصوله لحضور اجتماع لوزراء الخارجية الأوروبيين “علينا أن نطرح السؤال حول سبل تعزيز سيادتنا، كيف يمكننا إظهار المزيد من وحدة الصف في مسائل السياسة الخارجية والأمن”.
ورحّبت فرنسا بالتضامن الذي أبدته ألمانيا وكبار قادة الاتحاد الأوروبي معها، مشيرة إلى أن انهيار الثقة مع واشنطن يعزز المواقف الأوروبية الداعية لتحديد مسار استراتيجي خاص بالتكتل.
وأعرب وزير الخارجية الألماني هايكو ماس الذي طور علاقات وثيقة مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الثلاثاء عن تضامنه مع فرنسا بشأن إلغاء أستراليا عقدا ضخما لشراء غواصات منها.
وقال ماس للصحافيين في الأمم المتحدة “أتفهم غضب أصدقائنا الفرنسيين. … إن ما تقرر والطريقة التي اتخذ بها القرار كان مزعجا ومخيبا للآمال وليس فقط لفرنسا”.
واعتبر الوزير الفرنسي المكلف بالشؤون الأوروبية كليمان بون أن الخلاف “مسألة أوروبية” لا فرنسية فحسب، مؤكدا أن بلاده تتوقع الحصول على دعم من شركائها الأوروبيين.
وأفاد “لا أعتقد أن فرنسا تبالغ في ردة فعلها، لكن عندما يكون وضع ما مقلقا وخطيرا، فأعتقد أن مسؤوليتنا تملي علينا قول ذلك بوضوح تام”.
وتشعر فرنسا بالامتعاض حيال تعاون الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا في الكواليس للتفاوض على اتفاقية دفاعية واستبدال طلبية لكانبيرا بقيمة المليارات من الدولارات لشراء غواصات فرنسية بأخرى مع واشنطن.
هايكو ماس: أتفهم غضب أصدقائنا الفرنسيين، ما فعلته واشنطن مخيب للآمال
ولم يمر إلغاء أستراليا صفقة الغواصات الفرنسية مرور الكرام على باريس، التي ضيعت 56 مليار يورو (نحو 66 مليار دولار)، كانت في أمس الحاجة إليها لإنعاش اقتصادها الذي تأثر كثيرا بسبب جائحة كورونا.
واستدعت باريس سفيريها لدى واشنطن وكانبيرا، احتجاجا على ما وصفه وزير خارجيتها جان إيف لودريان بـ”الأزمة الخطيرة” و”الخرق الكبير للثقة” و”الازدراء”.. تعبيرات تنم عن عمق الشرخ الذي أحدثه إلغاء الصفقة.
لكن الأمر قد لا يتوقف عند هذا الحد، فباريس تستعد لحشد حلفائها الأوروبيين في مواجهة التحالف الأنجلوساكسوني الذي يضم الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا.
وإن كانت فرنسا تستعد للضغط على أستراليا للحصول على تعويضات بمئات الملايين من الدولارات، إلا أن الصحف الأسترالية تتحدث عن تعويضات لا تتجاوز 250 مليون يورو، وهو مبلغ ليس زهيدا مقابل لا شيء.
والانسحاب من حلف الناتو، احتجاجا لما تعتبره “خرقا كبيرا للثقة”، ليس أمرا مستبعدا، غير أنه سابق لأوانه، حتى وإن دخل مزاد الحملة الانتخابية للرئاسية الفرنسية مبكرا، المقررة في الربيع المقبل.
حيث أثار المرشح الرئاسي كزافييه برتراند مسألة الانسحاب من “قيادة الناتو”، بعد عقد قمة استثنائية للحلف.
وسبق لفرنسا أن انسحبت من القيادة العسكرية للناتو عام 1966، في عهد شارل ديغول، بسبب ما اعتبرته تزايد النفوذ الأميركي على الحلف بدعم من بريطانيا، واكتفت بعضويتها داخله، ولم تعد إلى القيادة المركزية للحلف إلا في 2009.
وتحدث المسؤولون الفرنسيون وعلى رأسهم لودريان عن إعادة “تعريف المفهوم الاستراتيجي الجديد لحلف الناتو”، دون الإشارة إلى الخروج من الحلف.
ولمّح لودريان إلى إمكانية سعي بلاده لإحداث تغييرات جوهرية في مبادئ وقيم الحلف قائلا “لقد بادر الناتو، بناء على طلب رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون، بالتفكير في أساسياته، وفي القمة القادمة للحلف بمدريد، سيتم الانتهاء من المفهوم الاستراتيجي الجديد. وبطبيعة الحال، فإن ما حدث للتو (أزمة الغواصات) له علاقة بهذا التعريف”.
فالاعتذار والتعويضات وإعادة صياغة المبادئ المؤسسة لحلف الناتو، ما تطالب فرنسا به حاليا، ومن المرتقب أن يجري الرئيس الفرنسي ونظيره الأميركي بايدن اتصالات هاتفية تتوج بلقاء بينهما لبحث سبل معالجة هذا الخلاف، بحسب الرئاسة الفرنسية.
وسعي باريس لتغيير المبادئ المؤسسة لحلف الناتو قد يقابله تحفظ واشنطن وحلفاؤها ودول أخرى على هذه الخطوة التي من شأنها شق صفوف الحلف.
في المقابل، تحاول فرنسا إحياء فكرة إنشاء جيش أوروبي بدعم من ألمانيا، لا تكون بعده في حاجة للمظلة الأميركية، وهذا ما يزعج واشنطن وجعلها توجه لباريس ما وصفته الأخيرة “طعنة في الظهر”.
فوزير الخارجية الفرنسي دعا أوروبا لتجهيز نفسها بـ”بوصلة استراتيجية” تكون تحت مسؤولية فرنسا في النصف الأول من 2022، في إشارة إلى الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي في الأول من يناير المقبل.