آباء يعيشون عزوبية قسرية بسبب رفض أبنائهم لزواجهم مرة أخرى

الزواج الثاني للأب يبدد الوئام داخل الأسرة.
السبت 2021/11/27
زوجة الأب دائما ماتكون غير مرحب بها وسط العائلة الموسعة

يرفض الأبناء خصوصا من هم بين سن المراهقة والشباب زواج آبائهم ثانية لاعتقادهم أن زوجة الأب ستحل محل أمهم وستكون قاسية عليهم وستستحوذ على مشاعر والدهم فيهملهم ولا يعود يهتم بهم. ويرجع المختصون في العلاقات الأسرية ذلك إلى أسباب نفسية حيث تتشكل روابط وثيقة بين الأم والأبناء، ويكونون في تلك العمر غير قادرين على مواجهة قدر افتقادها.

الجزائر - وجد العديد من الأشخاص أنفسهم في مواجهة مع فلذات أكبادهم، والبنات أكثرهم، في حالات غيّب فيها الموت أمهم، حيث لا يسمحون لوالدهم بالزواج ثانية، لأنهم يشعرون أن الوافدة الجديدة ستحتل موقع الراحلة، وستأخذ منهم والدهم، وحتى لأحكام نمطية عن زوجة الأب، وهو ما أدخل أسرا بكاملها في توتر وتشنجات، خاصة إذا تدخلت أطراف أخرى على الخط، سواء بنية الوساطة أو بنية تحريض طرف على آخر.

يمكن بسهولة إحصاء ومعاينة حالات اجتماعية شاذة، تحولت فيها حياة بعض الأرامل إلى مأساة مضاعفة، ففضلا عن فقدان الزوجة، وجدوا أنفسهم مضطرين لعيش حياة عزوبية بلا أجل، بعدما اصطدموا برفض أبنائهم لتكرار والدهم الزواج من امرأة أخرى، لأسباب اجتماعية ونفسية وأنانية مفرطة تظهر استعدادا للتضحية بحياة الأب الخاصة.

ووجد جمال (58 عاما) الذي فضل عدم الكشف عن هويته في حديثه مع “العرب” نفسه عازبا رغم مرور أكثر من عامين على رحيل زوجته الأولى وأم أولاده، بعدما رفضت بنته البكر الجامعية أي تفكير في زواجه ثانية، ورغم تدخل أهلها من أمها لثنيها عن موقفها بقيت متمسكة بموقفها، لأنها ترى أن الزوجة المحتملة ستأخذ والدها من إخوتها، وأنها ستنسيه فيهم وفي والدتهم الراحلة.

ولم يشأ الرجل كسر خاطر ابنته وبقية أبنائه، واستسلم لإرادتهم التي حرمته من حقوقه الخاصة، لاسيما وأن الأعراف الاجتماعية والتقاليد السائدة تحتم على الرجل تكرار الزواج لملء الفراغ الاجتماعي والحميمي، فعلاقة الزواج في هذا المقام هي “ستر وحماية”، فمهما كانت درجة الطاعة بين الأبناء والوالد لا يمكن أن تعوض مكانة الزوجة.

ولم يبق أمام جمال إلا انتظار زواج ابنته لعلها تغير موقفها، وقد تسمح مغادرتها لبيت العائلة بتخفيف الضغط عليه والسماح له ببناء حياته الاجتماعية من جديد، رغم أنه صاحب شخصية متوازنة، وليس من النوع الذي قد يتجاهل أبناء الزوجة الأولى تحت تأثير الزوجة الثانية، فهم إلى جانب فلذات كبده، كان يحب أمهم حبا كبيرا وحزن كثيرا لفقدانها بسبب مرض السرطان.

الانطباع الغالب في المجتمع يضع زوجة الأب دائما في خانة المتهم الذي يأخذ الأب من أبنائه ويعمل على عزله

حالات الذين يعيشون عزوبية قسرية بسبب أبنائهم كثيرة، فأصحابها واقعون بين مطرقة الأبناء وبين سندان الحياة الخاصة، ولذلك تعيش تلك الأسر لهيبا صامتا، فالوالد الذي لا يريد كسر خواطر أبنائه وتفكيك أفرادها، يدفع فاتورة ذهنية ونفسية بضياع حقه في تجديد حياته بسبب ذوي القربى.

ويرى مختصون أن المشكلة تكمن في أسباب نفسية واجتماعية للأبناء خاصة البنات منهم، لاسيما في السن التي تتراوح بين المراهقة وسنوات الشباب الأولى، حيث تتشكل روابط وثيقة بين الأم والأبناء، ويكونون في تلك العمر غير قادرين على مواجهة قدر افتقاد الأم، ولذلك تتكون لديهم حالة من الوفاء والحميمية التي يصعب كسرها، حتى ولو تعلق الأمر بالوالد نفسه.

ويرى هؤلاء أن الأمر يتعلق برفض زواج الأب أو الأم في حال وفاة أحدهما، لكن اللافت هو تفاوت الحالات الوجدانية للأبناء، لأن التقاليد الاجتماعية في المجتمع الجزائري جرت على أن الأم في الغالب لا تفكر في تكرار الزواج، حيث تكتفي بالبقاء مع أبنائها حتى ولو كانت في ريعان شبابها، بينما تختلف الوضعية تماما لما يتعلق الأمر بالوالد، فالأعراف جرت على أن يتزوج مجددا مهما كانت الموانع.

ويرجع المختصون الظاهرة إلى “الشعور بحب التملك الذي يسيطر على الأبناء تجاه آبائهم وأمهاتهم وخوف الأبناء من المستقبل المجهول وفقدان الحنان، لأن الاهتمام سيتجه إلى الطرف الثاني أو خشية إنجاب مواليد جدد ينافسونهم على المحبة والميراث”.

ووقع محمد (متقاعد) في وضعية قريبة من الغرابة، حيث صار محل تنافس عدة أطراف لإبرام صفقة اجتماعية بين أقربائه عكس الحالة الأولى، لكن اكتشافه لحقيقة مقربيه جعلته يحجم عن تكرار الزواج، ليس لأنه ليس بحاجة إليه أو وفاء للزوجة الراحلة أو بناته، بل لصدمة أصيب بها، فابنته المتزوجة تريد أن تزوجه بشقيقة زوجها كي تتخلص من إزعاجها لها، وأهل زوجته الأولى يريدون تزويجه بواحدة من قريباتهم، بدعوى الحفاظ على صلة القرابة والعلاقة مع الأبناء، أما أشقائه فلا يكلون في تحريضه على الزواج لملء فراغ أقلقهم.

ورغم عزم البنت البكر على اختيار زوجة لوالدها، إلا أنها وضعت شروطا شبه تعجيزية، قيل إنها من أجل قطع الطريق على من تريد احتلال مكانة أمهم، ورفع الحرج عليها أمام والدها كي لا تظهر بأنها ترفض الأمر، رغم أن الرجل أكده لمقربيه ولذلك مرت عليه ثلاث سنوات في عزوبية قسرية لا يريد كيف تنتهي عليه.

مختصون يرجعون الظاهرة إلى الشعور بحب التملك الذي يسيطر على الأبناء تجاه آبائهم وأمهاتهم وخوف الأبناء من المستقبل المجهول وفقدان الحنان

ومع ذوي النوايا الصادقة والنوايا المبيتة، تجد مثل هذه العائلات نفسها في مأساة مضاعفة، خاصة وأن الانطباع الغالب في المجتمع الجزائري يضع زوجة الأب دائما في خانة المتهم الذي يأخذ الأب من أبنائه ويعمل على عزله عنهم وحتى الإساءة إليهم، فضلا عن التفكير في إنجاب الأبناء من أجل تحقيق توازن اجتماعي تكون الكفة الراجحة فيه للأطفال الجدد.

ورغم النموذج السيء لا يمكن إسقاطه على جميع الحالات، إلا أن مسألة رفضه هي قضية مبدئية في الغالب، وفي أحسن الأحوال لا يتفكك الموقف إلا بمرور الوقت وكبر الأبناء ودخول الوساطات الخيرة على الخط، لإقناعهم بالأمر الواقع وبمشيئة الأقدار.

ويرى المختصون أن “الأبناء في مثل هذه الحالات يخافون من المعايرة والمقارنة التي قد تحصل بينهم وبين أبناء الطرف الثاني، وأن الحالة كلما وقعت في سن مبكرة والأبناء في أعمار صغيرة، كلما كان التأقلم مع هذا الوضع أسهل وأسرع، والعكس كلما كان العمر أكبر كلما ازداد صعوبة وتعقيدا”.

وقال الباحث الأردني الدكتور حسين الخزاعي أستاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية إن الأبناء يخشون أيضا المعاملة السيئة التي يمكن أن تحدث مع زواج أحد الوالدين إلى جانب رفضهم القاطع لدخول أشخاص جدد لعائلاتهم، زوج أم أو زوجة أب أو مواليد جدد كشركاء في الإرث.

ويشير المختصون إلى أنه إذا وقع اختيار الأب على سيدة جديرة بالثقة وقادرة على رعايته والعناية به، فلا يصح أن يمانع الأبناء مثل هذا الزواج. ويضيفون أنّ التوجس من زوجة الأب الجديدة ومن تأثيرها في العلاقة بين الأب وأبنائه، إضافة إلى الخوف على الميراث، والقلق بشأن عدم حصول والدهم على الرعاية والعناية اللازمة، ثلاثة أسباب رئيسية تفسر الموقف المعارض الذي يبادر الأبناء إلى اتخاذه بمجرد أن يعلن والدهم المسن عن رغبته في الزواج.

ويُضاف إلى تلك الأسباب سبب رابع في حال كانت والدتهم لا تزال على قيد الحياة، وهو يتمثل في إشفاقهم على والدتهم من الضرر النفسي والمادي الذي قد يلحق بها من جراء زواج والدهم عليها.

17