على نفقة المؤلف

السبت 2016/07/02

بالرغم من التطورات التي يعرفها قطاع النشر وتزايد وحداته بشكل مطرد، يظل حضور ظاهرة النشر على نفقة المؤلف واضحا بشكل كبير. وخلال سنة 2009 كان مجموع الإصدارات المنشورة في هذا الإطار بالمغرب يتجاوز بكثير ما أصدرته دور النشر، بحسب الدراسة التي كنت قد أنجزتها بطلب من اليونسكو. ولعل الأمر لا يهم فقط بلدا عرف النشر بشكل متأخر، وإنما يطبع تجارب دول راكمت تقاليد عريقة في مجال الطباعة والنشر. وفي الولايات المتحدة الأميركية، وابتداء من سنة 2008، تجاوز عدد الإصدارات المنشورة على نفقة المؤلفين النشر التقليدي. أما في فرنسا فالهوة أكبر، حيث كشف بحث ميداني أجرته صحيفة لوفيغارو الفرنسية، سنة بعد ذلك، عن كون 6 بالمئة من الفرنسيين يملكون نسخة مخطوطة ويحلمون بنشرها، وهو ما يوازي مليوني ونصف مليون فرنسي يحلمون بأن يصيروا كتابا.

الصفوف الطويلة من الكتاب الذين ينتظرون دورهم للالتحاق بمجد مفترض كانت وراء ازدهار قطاع على المقاس، ليظهر أيضا ما يسمى بالنشر على نفقة المؤلف المقنَّع، حيث توجهت مجموعة من دور النشر إلى تقديم خدماتها مقابل تجميد لجان القراءة التي تعتبر الفاصل بين الناشر وصاحب المطبعة، ليصير الكاتب ملزما بتمويل طبع كتابه. وذلك أشبه بعملية كراء لاسم وشعار دار النشر. الأمثلة كثيرة، ولعل من بينها دار لارمطان الفرنسية العريقة، حيث ينصُّ عقدُها مع الكُتاب على اقتنائهم أكثر من مئتي نسخة من أعمالهم، بينما يتوجب عليهم انتظار بيع ألف نسخة للحصول على حقوقهم. أما دار النشر الفرنسية لابرويير، المعروفة بخدماتها في هذا الإطار، فقد استطاعت مضاعفة رقم معاملاتها خلال سنة واحدة فقط، بفضل ما تحصله من الكتاب نظير نشر أعمالهم.

وفي جميع الأحوال، سواء تعلق الأمر بالنشر على نفقة المؤلف أو على نفقة المؤلف المُقنَّع، سيكون على الكاتب، بعد صدور كتابه، أن يتولى توزيعه والتعريف به. وبذلك تختل حلقات صناعة الكتاب. فالكاتب الذي من المفروض أن تنتهي وظيفته عند صدور الكتاب يتحول إلى مُدَبر لمبيعاته ومرجوعاته.

أما أغلب الذين يلجأون إلى النشر على نفقتهم، سواء بطريقة مكشوفة أو مقنعة، فأسبابهم عديدة. فمنهم الكاتب الذي أُغلقت أمامه دور النشر ومنهم من يستعجل الوصول إلى مجد مفترض. ومنهم من يكتفي بطبع بضع نسخ ليحمل صفة كاتب.

يبقى أن النشر على نفقة المؤلف ليس دائما بهذه الصورة الباهتة. فالكاتب الفرنسي مارك إدوارد ناب فضل إعادة نشر 22 كتابا على نفقته بعد مقاضاته لدار النشر روشيالتي التي كانت قد أصدرت هذه العناوين. في حين، اختار الشاعر نزار قباني تأسيس دار للنشر تحمل اسمه، أصدرت أكثر من 40 عملا شعريا ونثريا له. أما محمد شكري فقد فضل نشر سيرته “الخبز الحافي” على نفقته، وهو العمل الذي أدخله في ما بعد إلى العالمية.

كاتب من المغرب

17