تجدد معركة المساجد بين السلفيين والنظام المصري

القاهرة - أنهت وزارة الأوقاف المصرية الوجود السلفي الإخواني في الساحة الأكاديمية لإعداد الدعاة، بوقف عمل 68 معهد إعداد دعاة تابعة لجمعيات أنصار السنة والجمعية الشرعية، والفرقان، وجمعيات مستقلة واستبدالها بـ27 مركزا ثقافيا، منها 20 لإعداد الدعاة و7 مراكز للتثقيف الإسلامي.
جاء هذا التطور أخيرا كمحاولة للاقتلاع المبكر لجذور التطرف في البلاد قبل أن تكبر وتعتلي منبر الخطابة، ويتكرر السيناريو السابق في مصر لصعود التيار الإسلامي، بعد أن تركت بعض مؤسسات الدولة مساحات كبيرة من الفراغ قام بسدها وفقا لمصالحه.
القرار قوبل بغضب شديد من التيار السلفي وأنصار الإخوان، ووصفوا النظام المصري بأنه يعادي “الدين والدعاة ويسعى إلى غلق المساجد”، أملا في الضغط على المؤسسات الدينية للعدول عن القرار.
يذكر أن معاهد إعداد الدعاة أحد الأبواب الخلفية لانتشار التيار الإسلامي والترويج لأفكاره، وكان حزب النور السلفي أكثر المستفيدين منها، بحكم انتماء عدد كبير منه لتوجهات الحزب العامة.
واتخذت الحكومة المصرية قرارات سابقة بعد سقوط حكم الإخوان في 3 يوليو 2013 لمحاصرة التيار المتشدد، ومنعه من صعود منابر المساجد إلا بعد الحصول على موافقة من وزارة الأوقاف.
ويرى مراقبون أن الخطوة تمثل أحد مقدمات تجديد الخطاب الديني، ومحاولة لتضييق الخناق على صعود المتشددين للمنابر والخطابة من عليها، واختيار التوقيت الحالي لإنهاء هذا الوجود مهم للغاية، مع زيادة إقبال المسلمين على المساجد في نهاية شهر رمضان، وتأثيرهم في الناس، إذا نجحوا في اعتلاء المنابر مرة أخرى وواصلوا هواية “إقحام الدين في السياسة”.
وأمام التصرفات التي تقوم بها مؤسسات الدولة ضد التيار الإسلامي المتشدد، لجأ التيار السلفي إلى اقتحام عدد من المساجد في الإسكندرية والقليوبية في محاولة للاعتكاف في غير الأماكن المخصصة لهم، والسيطرة على المنابر، ما دفع وزارة الأوقاف إلى إخراجهم بالقوة.
وفي تقدير بعض المتابعين، التيار السلفي أبرز المتضررين من قرار إغلاق معاهد تخريج الدعاة الذي اتخذ بغية محاصرة منابع الفكر المتطرف، والحد من اختراق الجماعات والتنظيمات لمجال الدعوة عبر هذه المعاهد التي تخضع لإشراف جمعيات أهلية، حيث تمتلك 72 معهدا، تخرج سنوياً مئات الخطباء الموالين للتيار السلفي، الذين يستند إليهم في استقطاب آلاف الشباب.
واشترطت الحكومة المصرية ضرورة حصول أيّ معهد على تصريح كتابي من الأزهر أو وزارة الأوقاف وتقديم ما يفيد التزامه بالمناهج والخضوع الكامل لإشرافهما، كوسيلة وحيدة لاستمراره.
وقال أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية، إن تحرك الدولة لإقصاء تيار الإسلام السياسي عن تخريج الدعاة وغلق هذه المعاهد بمثابة “الموت البطيء” لمثل هذه الجماعات، لأنها كانت آخر آمالهم لتخريج أتباع لهم يتحدثون للناس عن فكرهم وتوجهاتهم السياسية والدينية، والآن أنهم أصبحوا محاصرين، لا منابر ولا دعاة أو خطابة.
وأضاف لـ”العرب” أن قرار “إنهاء الوجود السلفي الإخواني من معاهد تخريج الدعاة جاء متأخرًا، وينبغي استكمال هجوم الدولة على هذه التنظيمات لأنها تستقطب محاضرين يحملون الفكر المتشدد تجاه كل من يختلف معهم سياسيا ودينيا واجتماعيا مثل تحريم اقتناء التماثيل وعدم جواز تهنئة المسيحيين بأعيادهم”.
ولا تنفي المؤسسات الدينية في مصر وجود هذه المعاهد التي بدأت تنتشر خلال فترة حكم حسني مبارك، لكن النظام آنذاك كان يتودد إلى هذه الجماعات لكسب ولائهم وثقتهم، بعكس النظام الحالي الذي يريد التخلص من الإخوان واقتلاع جذورهم، ووقف تمدد حزب النور السلفي في مفاصل الدولة أو تكوين قواعد شعبية في الشارع.
وعلمت “العرب” أن مشايخ التيار السلفي يسعون إلى التحايل على قرار غلق معاهد تخريج الدعاة بحث شباب من السلفيين للتقدم لاختبارات القبول في معاهد الدعاة التابعة لوزارة الأوقاف، بحيث يكونوا بدلاء للمعاهد التي أغلقت وأوقفت عن العمل نهائيًا، لكن وزارة الأوقاف رصدت كل هذه التحركات.
واعتبر جابر طايع رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف، أن قرار إلغاء التراخيص الممنوحة لإنشاء وإدارة معاهد إعداد الدعاة أو القرآن الكريم أو القراءات أو مراكز الثقافة الإسلامية، لا رجعة فيه. وأشار لـ“العرب” إلى أنه “ليس قرارًا مؤقتًا كما يروج بعض المنتمين للتيارات المختلفة، ولا علاقة له بمسألة وقت أو حسابات خاصة”.
وقال هناك تعليمات صارمة سوف تنفذ في هذا الشأن، ولا صعود للمنابر سوى بتصاريح خطابة وشروط محددة تنطبق على الخطباء، في مقدمتها أن يكون أزهريًا، ولا مجال للحديث عن التطرف أو الخروج عن النص في أي مؤسسة دينية بالبلاد، وهناك حملات مستمرة لرصد أية أو تجاوزات أو تطرف فكري أو دينيي.
ولم تترك وزارة الأوقاف الفرصة لحزب النور أن يتدخل لوقف قرارات الغلق أو التصدي لوقف المد السلفي بشكل نهائي، وقالت “إن قراراتها دينية ولا علاقة لها بالسياسة، ولن تسمح بذلك”.
وطالب بعض شيوخ السلفية بضرورة عرض الأمر على البرلمان أولًا، في محاولة قد يكون الهدف منها كسب تعاطف شعبي، من بعض المواطنين الذين يتعاملون مع هذه المعاهد في تحفيظ القرآن لأبنائهم.