الراوي المجنون

السبت 2016/06/18

يواصل الشاعر والروائي الفرنسي ريشار دَلا روزا مغامرته الإبداعية، حيث من المُنتظر أن يصدر عملين روائيين جديدين خلال الدخول الثقافي الفرنسي القادم، لتقارب بذلك أعمالُه العشرين عنوانا، وإن كان في بداية الأربعينات من عمره، ولتضاف إلى أعماله السابقة، ومنها “ليل الساعات”، و”مديح الغابات عبر نافذة عربة”، ونصه التاريخي “تيسفوني: شيطان سقراط”، ودراساته “أنطولوجيا المتخيل لدى رفاييل دي سورتيس”.

في نصه الشعري “الراوي المجنون”، الذي حظي باهتمام نقدي كبير داخل فرنسا، يحرص ريشار دلا روزا على توظيف ذكي لتقنيات الحكي، حيث يسعى إلى إعادة كتابة تاريخه الشخصي عبر هذا الفانوس العجائبي الذي هو الرواية. فحينما يأخذ حاك مّا، حسب دلا روزا، الكلمة فلكي يروي شيئا ما. ولذلك يَعتبر أن الحاكي يوجد وراء كل كلام، سواء كان مكتوبا أو شفاهيا، وسواء كان هذا الكلام في شكل قصيدة أو رواية.

كما أن البحث عن هذا الكَرَم السردي من خلال مختلف أشكال النص أمر ممتع ومحفز. وهو بالضبط ما يمنح إمكانيةَ فهم العالم وأيضا تذوق الحياة من أجل التمكن من إعادة تدوين تفاصليها في ما بعد. فنحن، حسب هذا المنطق، نعيد كتابة سواء تفاصيل لم نعشها أو تجاربنا التي عشناها في الحياة، وذلك كما لو أن جميع الأفعال تبثُّ أقوالا في الفضاء والزمن المرتبطين بوجودنا، وهي الأقوال التي تتم ترجمتها، في ما بعد، إلى كلمات. ويقتضي ذلك بالتأكيد يقظةً مستمرة؛ ذلك لأن الفظاعة تجول دائما وفي كل الأمكنة.
ولذلك كان على ريشار دلا روزا أن يصنع وسيطا بينه وبينها، والذي هو هذا الراوي المجنون الذي يسكن أغلب نصوصه الأدبية.

يضع ريشار دلا روزا مسافة بينه وبين المشهد الأدبي بفرنسا، حيث يجدُ هذا المشهد مطبوعا بإفراط إعلامي يُروج لأدب متواضع جدا، مُرجعا هذا التدني إلى نهاية تسعينات القرن الماضي، حيث لم يعد هناك حديث عن كُتاب جيدين وآخرين غير جيدين، بقدر ما هيمن الحديث عن أرقام المبيعات، بشكل صار معه منطق التجارة هو المعيار السائد، وذلك في الوقت الذي تُرِك فيه الكتاب الحقيقيون، حسب دلا روزا، جانبا. ولذلك ربما اختار البحث عن جمهور أدبي آخر، حيث فضل الاشتغال في تنشيط محترفات الكتابة بالمدارس، خصوصا مع الأطفال، وأيضا مع المرضى بالمستشفيات، ومع المساجين، ومع قُراء المكتبات العمومية.

في العاشرة من عمره، كان ريشار دلا روزا قد تعرض لحادثة سير، أُصِيب نتيجتها برضوخ في الجمجمة، وكانت مُدَرِّسته تمنعه من الخروج إلى ساحة المدرسة أثناء فترات الاستراحة خوفا على صحته المرهفَة. وبدل الاستسلام للإحساس بالملل، كان يواظب على فتح مذكرته وكتابة محاولاته الشعرية الأولى. ولذلك يعتبر ريشار دلا روزا نفسه كاتبا جراء حادثة سير!

كاتب من المغرب

17