شاعرة في السوربون
تعتبر ماري كلير بانكار أحد أهم الأسماء الأساسية التي تطبع بحضورها الخاص المشهد الشعري الفرنسي الراهن. تتسم تجربتها ببحثها المستمر عن كتابة خاصة تنتبه إلى التفاصيل العميقة للإنسان ولقلقه الداخلي الأكثر احتداما.
ماري كلير بانكار عاشت فترة مرض خلال طفولتها، حيث كانت مقعدة طيلة خمس سنوات. وبالرغم من هذا الوضع المؤلم الذي حرمها من أن تعيش طفولتها بشكل عادي، فقد استطاعت أن تقرأ كل أنواع الكتب التي كانت تفوق مستوى عمرها آنذاك. وهذه القراءات هي التي أنقذتْ عقلها وجسدها كما تقر بذلك. وستحتفظ بانكار بعاداتها على مستوى القراءة خلال المرحلة اللاحقة، حيث بدأت الكتابة خلال الخامسة عشرة من عمرها، وإن كان الأمر بشكل سيء، كما تقر بذلك.
تبدو اهتمامات ماري كلير بانكار موزعة بين الكتابة الشعرية والروائية والنقدية، مع اهتمامها، على مستوى البحث النقدي بأكثر من لحظة تاريخية. من أدب أواخر القرن التاسع عشر إلى الشعر الأكثر حداثة. وتعتبر بانكار أن كل هذه النوافذ تمنحها قدرة الاستمرار في تمثل سؤالها حول الحياة. وانسجاما مع ذلك اختارت بانكار أن تهتم في بداية نشاطها النقدي بأدب مرحلة (1880-1914) بفرنسا، وذلك لأن الأدباء طرحوا خلال هذه الفترة الأسئلة الكبرى التي ظلت تحرك العالم إلى حدود اللحظة الراهنة: موت الآلهة، قلق المرجعيات الأخلاقية والسياسية، الطوائف، وولادة مجتمع التكتلات. وتابعتْ في ما بعد هذا المسار النقدي، غير أنها اختارت أيضا تناول الشعر السوريالي ثم المرحلة المعاصرة، وذلك مع التركيز على القصيدة التي تتم بلورتها الآن. وتعتبر بانكار كل ذلك معبرها لفهم الطرق التي اختارها الآخرون للكتابة.
زارت ماري كلير بانكار العديد من مدن العالم العربي. ومنحها ذلك فرصة لفهم جوانب مهمة من تاريخ ثقافة وحضارة هذا العالم. كما حرصت على قراءة العديد من الموسوعات والأعمال الأنطولوجية وقرأت القرآن. كما اطلعت على دراسات مجموعة من المؤرخين والمفكرين المستشرقين حول التصوف خصوصا، ومن خلالها على كتابات ابن عربي والحلاج. وعلى مستوى الأدب العربي المعاصر، قرأت بانكار أعمال محمد شكري ونجيب محفوظ ومحمد بنيس وعبداللطيف اللعبي وعبدالله زريقة، بالإضافة إلى جميع كتابات أدونيس المترجمة إلى الفرنسية. وتحتفظ بانكار بإعجاب كبير بالقصيدة العربية التي تتميز، كما تقر بذلك، بقوة صورها الرائعة وبدلالة حضورها الكوني. وهو الإعجابُ نفسه الذي تكنه لأدبيات المتصوفة الذين تعتبر الكثير منهم من الشعراء الحقيقيين.
وبعد أسابيع فقط ستنهي ماري كلير بانكار الرابعة والثمانين من عمرها. غير أن حضورها عبر النشر واللقاءات الشعرية داخل فرنسا وخارجها، يكشف عن شغف خاص بالكتابة وبالحياة، انتقاما ربما لطفولة لم تعشها.
كاتب من المغرب