الاستقصا
ثمة كتب تدوّن لكي تدخل التاريخ ولكي يظل أثرُها دائما. كتاب “الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى” لأحمد بن خالد الناصري أحدها. فهذا الكتاب، الذي نُشر قبل مئة واثنتين وعشرين سنة، ما زال يشكل أحد أهم الأعمال التي تناولت تاريخ المنطقة.
سعى الناصري إلى الإحاطة بتاريخ المغرب بشكل موسع، ابتداء من فترة ارتباطه بالخلافة بالمشرق إلى تاريخ الدولة العلوية حتى نهاية القرن التاسع عشر، مع تناول كل دولة من الدول التي تعاقبت على المغرب على حدة. ولكي يستطيع الإحاطة بجوانب موضوعه الشاسع، نوّع الناصري مصادره، والتي تراوحت ما بين الكتب والتقارير والظهائر السلطانية. ولعله أيضا أول مؤرخ مغربي يستند إلى مراجع أجنبية، حيث كان يعتمد، كما أشار إلى ذلك جعفر الناصري ومحمد الناصري في تقديمهما لطبعة وزارة الثقافة من الكتاب، ترجمانا يهوديا، اسمه يوسف، لترجمة نصوص من كتب بالأسبانية والبرتغالية كان قد جلبها له بطلب منه أحد القناصل الأوروبيين.
فضل الناصري طبع كتابه بمطبعة بولاق بالقاهرة سنة 1894 على نفقته، بدل اللجوء إلى المطابع الحجرية التي دخلت قبل هذا التاريخ إلى المغرب. وذلك قبل أن يعاد طبعه من طرف دار الكتاب بالدار البيضاء ما بين 1954 و1956، ثم عن وزارة الثقافة المغربية سنة 2001، في ثمانية أجزاء.
حظي كتاب الاستقصا باهتمام خاص من طرف المستشرقين، حيث ترجمت فصول منه ونشرت متفرقة إلى الفرنسية والأسبانية والإنكليزية والإيطالية، ومن بينها ترجمات أوجين فومي وجورج كولان.
في نفس السياق، كُرست مجموعة من الأعمال لتلخيص كتاب الاستقصا، منها “تقريب الأقصى من كتاب الاستقصا” لأحمد بن محمد الرهوني التطواني، و”تاريخ المغرب” للتهامي الوزاني، بالإضافة إلى تلخيصي عبدالرحمان العوفي وعبدالجليل بلقزيز المراكشي.
ويعود جانب كبير من جِدَّة كتاب الاستقصا إلى مسار صاحبه الذي كان قد راكم مسارا يتقاسمه الجانب المعرفي والمهني، حيث اشتغل بالخدمة المخزنية، وتنقل في وظائفها، ومن ذلك توليه خطة العدالة بسلا، وتوظيفه بمرسى الدار البيضاء، وبمرسى الجديدة، وتكليفه بتقييد الأملاك المخزنية بنفس المدينة. كما مارس التدريس بكلية ابن يوسف بمراكش، وبالقرويين بفاس، وبالمسجد الأعظم بسلا وبغيره. كما كانت له مشاركة في التاريخ والحديث والتفسير والفقه والرياضيات والطبيعيات وغيرها.
سنة 1882، سيشترك الناصري في جريدة “الجوائب”، التي كان يصدرها أحمد فارس الشدياق بالعربية بالأستانة. ولعله يكون بذلك أول مغربي يشترك في الجرائد المطبوعة خارج المغرب. وتلك صورة لرجل جعل من المعرفة مطمحه في الكتابة وفي الحياة.
كاتب من المغرب