نوستلجيا القرار والانتظار
من منا لا يذكر، خاصة نحن جيل السبعينات، “تتر” البداية للمسلسل الحدث سنوات الثمانينات “ليالي الحلمية”، والذي يؤديه الفنان المصري محمد الحلو عن كلمات لسيد حجاب وألحان لميشيل المصري، والذي يقول مطلعه: “منين بيجي الشجن.. من اختلاف الزمن.. ومنين بيجي الهوى.. من ائتلاف الهوى..”.
وتستمر الأغنية إلى مداها، وفي أذنيّ يتردّد عُمق صداها، مطلع الأغنية ينطبق تماما مع ما يحصل الآن من فكرة مشروع إنجاز “ليالي الحلمية 6”، فبعد أكثر من عقدين على آخر جزء بُثّ من المسلسل، تحديدا عام 1995، تعود الحلمية للظهور من جديد، بعد رحيل كل من كاتبها الأول أسامة أنور عكاشة ومخرجها الأصلي إسماعيل عبدالحافظ. فـ”منين بيجي الشجن.. من اختلاف الزمن”، وقد اختلف الزمن فعلا، فعلى امتداد الأجزاء الخمسة السابقة صوّر المسلسل التاريخ المصري الحديث من عصر الملك فاروق وحتى مطلع التسعينات، وما حف به من متغيرات سياسية واجتماعية في المجتمع المصري منذ مطلع أربعينات القرن الماضي.
الأخبار الواردة علينا من بلاد الكنانة، تقول إن مؤلفي المسلسل الجدد أيمن بهجت قمر وعمرو ياسين، قاما بدراسة الأجزاء الخمسة السابقة، ولم يخرجا عن السياق وطريقة السرد في الجزء الجديد، الذي سيتناول الفترة من 2011، وحتى الآن.
“ومنين بيجي الهوى.. من ائتلاف الهوى”، وقد تآلف الهوى حقا، حيث أعلن المؤلف أيمن بهجت قمر، في وقت سابق أنه حصل على الحقوق الملكية الفكرية للمسلسل من أسرة الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة، لتأليف جزء سادس، وهذا جيد، والسؤال هنا هل فعل مخرج العمل الجديد مجدي أبوعميرة الأمر نفسه مع عائلة الراحل إسماعيل عبدالحافظ؟
وتستمرّ الأغنية إلى مداها، وفي أذنيّ يتردّد عُمق صداها “ومنين بيجي الرضا.. من الإيمان بالقضا”.
وللقضاء والقدر أحكامه، فقد تُوفي مؤخرا رمز من رموز المسلسل ونعني هنا الممثل ممدوح عبدالعليم الذي كان يجسد شخصية “علي البدري”، مما جعل صناع المسلسل يصابون بحالة ارتباك شديد، خاصة وأن عبدالعليم كان قد أقنع الفنانة إلهام شاهين بالمشاركة في الجزء المرتقب، معتبرا أن شخصية “علي البدري” لن يكون لها معنى دون “زهرة” التي تلعب دورها شاهين، وهو ما جعلها تتحمس للأمر، لكن رحيل عبدالعليم جعل إلهام تعتذر عن عدم المشاركة في العمل بعد رحيل شريكها في اللعبة الدرامية، معتبرة أن “زهرة”، لن يكون لها معنى مع غياب “علي البدري”.
وتستمرّ الأغنية إلى مداها، وفي أذنيّ يتردّد عُمق صداها “ولفين ياخدنا الأنين.. لليالي ما الهاش عينين.. ولفين ياخدنا الحنين.. لواحة الحيرانين”، ومن غير المشاهدين الأكثر عرضة للحيرة إزاء غياب أربع شخصيات رئيسية من الطبعة السادسة المرتقبة من مسلسل فقد ملامحه وبهاراته.
مسلسل يأتينا في زمن غير الزمن، ولون غير اللون، دون أكثر أبطاله شعبية أمثال صلاح السعدني في دور “العمدة سليمان غانم”، ويحيى الفخراني في دور “سليم البدري”، علاوة على إلهام شاهين والراحل ممدوح عبدالعليم، و”ليه يا زمان ما سبتناش أبرياء.. وواخدنا ليه في طريق ما منوش رجوع”.
وتستمرّ الأغنية إلى مداها، وفي أذنيّ يتردّد عُمق صداها، وحتى نكون إيجابيين نتذكّر، ونُقرّ بأن المسلسل نجح أيام عرضه الأول في اكتشاف العشرات من النجوم الجدد وترسيخ نجومية الممثلين المعروفين أيضا، وفي مقدمتهم يحيى الفخراني، وصلاح السعدني وصفية العمري، والأخبار الواردة علينا من مصر تؤكّد دخول وجوه جديدة على الخط، وأخرى مخضرمة في الجزء السادس المرتقب، فإما أن يُعليهم هذا الحضور أو يحُطّ منهم، خاصة وأنّنا شعب “نوستالجي” حدّ المرض، ولا نقبل بملامسة أي ثوب جديد، عدا ملابس يوم العيد، ومعلوم طبعا أنّ آخر حلقة من المسلسل ستأتينا ليلة العيد، فهل يغني أبطاله حينها “ما تسرسبيش يا سنيننا من بين إيدينا.. ولا تنتهيش ده إحنا يا دوب ابتدينا.. واللي له أول بكرة حيبان له آخر.. وبكرة تفرج مهما ضاقت علينا”؟ لننتظر!
كاتب وصحافي من تونس