جيل سير، البدوي
يصرّ الشاعر الكندي جيل سير على الاحتفاظ ببدويته. ويجد ذلك عاديا لكونه ولد وعاش مرحلة كبيرة من حياته بالبادية، وذلك في وسط عائلي جد فقير. وإن كان ذلك سببا في تعثر مساره التعليمي، غير أن ذلك لم يحل دون عشقه المبكر لعالم الأدب والقراءة، خصوصا خلال مرحلة الدراسة الجامعية بجامعة مونتريال، التي منحتنه فرصةَ اللقاء بالتجارب الأدبية الأساسية. وكان ذلك عاملا من ضمن عوامل أخرى التي قادته إلى مجال الكتابة.
بينما نشر كتابه الأول “أرض خفية” وكان حينها على عتبة الأربعينات من عمره. غير أنه سيستطيع أن يراكم بعد ذلك حوالي عشرين عملا في مجالات الكتابة الشعرية والفنية والترجمة. لعل من بينها “هذا المكان”، “فواكه وحدود”، “أحلم بالخطو”، و”اثنا عشر شاعرا من كوريا”.
دخلَ جيل سير مجال الكتابة والنشر خلال السبعينات. وشكل ذلك أمرا هاما بالنسبة له، اعتبارا لطبيعة المرحلة، حيث اتسم المشهد الشعري بالكيبك خلالها بتعدد وتباين تجاربه. ويعتبر جيل سير السبعينات كلحظة بداية تراجع “قصيدة الوطن” التي كانت تحظى بموقع خاص. بينما ستعرف الفترة اهتماما ملحوظا باللغة الشعبية، وذلك بالتساوق مع الاكتشافات الطلائعية والتنظيرية التي كانت تبحث من خلال اللغة عن هامش لتأسيس نقد للثقافة وللمجتمع. وهو الأمر الذي انتظم، حسب جيل سير، في إطار عدد من التمثلات، سواء المرتبطة منها بالثقافات المضادة أو بالنزعات الصوفية أو المثالية.
جمعت جيل سير تجارب فنية، على مستوى أعماله الشعرية، مع العديد من الفنانين التشكيليين كفيفان بروست وسيزار بيرونغيي وفرانسوا- ماري برتران. وذلك لإيمانه بكون الشعر يستطيع بفضل هذا اللقاء أن يخلق علاقات تقارب أو تضاد مع الفنون البصرية، معتبرا أن ما يربطه بالفنون البصرية يكمن بالأساس في سؤال الفضاء. وهو سؤال يبدو مهما داخل الكتابة، بالإضافة بالطبع إلى سؤال الزمن. وامتدادا لهذا الاختيار الفني، نشر جيل سير أغلب أعماله في طبعات فاخرة وفي نسخ محدودة، لا تتجاوز المئة، موقعة من طرفه.
تعرفت إلى جيل سير، قبل سنوات، بمدينته تروا- رفيير بكندا. دعاني إلى جولة بالمدينة، مقترحا أن نبدأها بزيارة مقر اتحاد كتاب كندا، منبها إياي إلى أنه يفعل ذلك من أجلي لأنه لا يؤمن بالتجمعات الأدبية. بعد شهر من ذلك، سأطلب منه كتابة شهادة عن العدوان الإسرائيلي على لبنان سنة 2006، ضمن ملف ضمّ شهادات شعراء من العالم. ممّا كتبه جيل سير “كان شبان منطقة الكيبك، سنة 1970، يتطوعون للهجرة إلى إسرائيل. الآن أظنهم سيغيرون الوجهة إلى لبنان. الوضع تغيّر. خرجتُ أنا وزوجتي في مسيرة ضخمة جمعت أكثر من 15000 شخص. حدث ذلك في مدينة مونتريال. أما في باقي كندا الأنكلوفونية فلا شيء. ظلُّ جورج بوش ممتد هناك”.
كاتب من المغرب