محتسبون يقتحمون فعاليات معرض الكتاب بالرياض

تحت ذريعة مخالفة بعض فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب، الذي انعقد خلال الفترة الممتدة من 4 مارس إلى غاية 19 من الشهر ذاته، للشرع الإسلامي تزايدت وتيرة تدخلات المحتسبين في المعرض.
في أروقة المعرض توزع خمسون رجلا من رجالات الهيئة الذين ظلوا طوال أوقات الدوام في حالة استنفار دائمة، ناصحين امرأة هنا بالالتزام بالحجاب الإسلامي، أو حاثين رجلا هناك بالصلاة جماعة، أو مناشدين العارضين عربا وأجانب بالإقفال في أوقات الصلوات الأربع التي تقطع أوقات المعرض منذ الصباح حتى العاشرة مساء. وأبرز تلك التدخلات التي جلبت التندر في مواقع التواصل الاجتماعي هو توجيه أحد رجالات الهيئة للكاتب الكويتي فهد القعود بعدم التبسّم حتى لا يفتن النساء بغمازتيه.
ممارسات غريبة
النصائح التي يمارسها المحتسبون تجاوزت اللسان ليذهب بعضها إلى أكثر من ذلك، حين اقتحم أحدهم ستوديو البث المباشر للتلفزيون السعودي على قناة الثقافية الكائنة في قلب المعرض مقاطعين مقابلة كانت تجرى على الهواء مباشرة مع الإعلامية والكاتبة السعودية أسماء العبودي مطالبين إياها بتغطية وجهها. وأيضا احتجاجهم ومقاطعتهم بالتكبيرات أثناء عرض مسرحية “صفحة أولى” التي ألفها علي الخبراني وأخرجها حسن الفيفي في قاعة المؤتمرات بحجة وجود مقاطع موسيقية بها، بالإضافة إلى محاولتهم إفساد العروض السينمائية في ختام الفعاليات الثقافية وذلك بالصراخ العالي أثناء عرض فيلم “سكراب” معترضين على مشهد قيادة المرأة داخل الصحراء.
مؤسسة حكومية تمارس دور الرقيب وحارس الفضيلة يمثل انتقاصا وإهانة للمجتمع السعودي ولمؤسسة الدولة
من جهتها أكدت العبودي أنها لم تأبه لما حصل لها، إذ واصلت حديثها كأن شيئا لم يكن، وقللت من أهمية الحادثة على فعاليات المعرض، وأكدت وجود المحتسبين بشكل طبيعي، وأنهم يتعرضون للمارة كلاميا، ويتم تركيزهم على حجاب المرأة، وترى أن وجودهم غير مؤثر أمام تزايد الوعي الجماهيري.
وفي حديث مع “العرب” يقول الروائي السعودي عمرو العامري “معرض الكتاب وأنشطته يقام بموافقة رسمية ويفتتحه خادم الحرمين الشريفين أو من ينوب عنه، إذا ما الذي يدفع البعض للتجرؤ كل عام على التطاول وخدش هذا المحفل من خلال تجاوزات استعراضية من أجل اكتساب بطولات وهمية، ولماذا لا يلتزمون بالعمل ضمن إطار قانوني يراعي التبليغ عما يرون من تجاوزات إلى رؤسائهم أم أنه حقا لا توجد مثل هذه الأطر، وإن الأمر متروك لرؤيتهم الخاصة؟”.
ويتابع العامري “كنت هذا العام قد حضرت إحدى الندوات المقامة على هامش المعرض، ولأنه كانت من ضمن فريق ندوة الحوار سيدة، وهي بالمناسبة دكتورة جامعية، فقد فوجئت بكامل الصف الأول محتلا من قبل رجال الهيئة أو المحسوبين عليها غير آبهين بمقامات الحضور، والمكانة العمرية أو العلمية وضرورة تقديمهم في الصف الأول كتقليد أخلاقي وأدبي تربينا عليه وتعارف عليه المجتمع.
من منحهم هذه المكانة التي تصل حد التجاوز والتطاول على الأعراف والأخلاق بشكل استفزازي؟ وما الذي يجعل موظفا صغير السن في الهيئة ونصف أمي يحتل مكان دكتور أو مثقف أو رجل كبير في السن؟ فقط لأنه يلبس مشلحا أو بشت الهيئة؟ أنا كمثقف لم أعد أفهم وغير متفائل بحل هذه المشكلة المتكررة، وفي المقابل غير مدرك للناحية القانونية التي تحكم هؤلاء، وأعرف أن الثقافة هي الحائط القصير، وأنه لا بواكي للكُتاب، ولا للكِتاب، وإننا فقط نصرخ في ليل لا بواكير لفجره”.
حراس الفضيلة
الجهاز يتعامل بسوء الظن المسبق، ويتدخل في فعاليات مصرح لها من جهات حكومية، ولا يتعامل بعدالة
وفي سؤال للكاتب والصحافي السعودي جمال بنون حول رأيه في تدخلات رجال الهيئة وبعض المحتسبين في معرض الرياض، يجيب بقوله “من الواضح أن مؤسسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لديها سوء فهم لمعنى تطبيق شريعة الأمر بالمعروف، فهي في مرات كثيرة تتصرف، وهذه التصرفات تنتج من المنتسبين إليها، بتهور ومن دون انضباط، وتضع نفسها في مواقف محرجة مع المجتمع، فهذا الجهاز يتعامل بسوء الظن المسبق، وأحيانا يتدخل في فعاليات مصرح لها من جهات حكومية، ولا يتعامل بعدالة مع الأحداث التي يباشرها، فهو لا يستطيع التدخل لو كانت مكان الحدث شخصية اجتماعية أو مسؤول كبير، بينما يمارس دوره بعنف لنفس الحالة لو كانت مناسبة تخص أشخاصا آخرين، وهذا يعني أنه يجامل في تطبيق المخالفات”.
يواصل بنون حديثه عن ذات الشأن “في معرض الكتاب اعتاد المجتمع أن تفتعل الهيئة بعض الأحداث من أجل إقناع الناس بأنهم حراس الفضيلة، مع أن المجتمع السعودي من أكثر المجتمعات حفاظا على القيم والمبادئ، وتطبيقا لنصوص الدين وشرائعه لأنه تربى عليها، وحينما تمارس مؤسسة حكومية دور الرقيب وحارس الفضيلة فهذا انتقاص وإهانة للمجتمع وإهانة لمؤسسة الدولة لأنها هي التي شكلت المجتمع بقوانينها.