جوائز وجوائز
قد لا يعلم الكثيرون أن قيمة جائزة الغونكور الفرنسية الشهيرة لا تتجاوز العشرة دولارات بالضبط. وقد تكون بقية الجوائز الأوروبية الأخرى أحسن حالا، من حيث القيمة، لكنها لا تتجاوز في غالب الأحوال المئة ألف درهم، بما فيها الجائزة الكبرى للأكاديمية الفرنسية. وبالطبع، تظل القيمة تلك أقل بعشرات المرات من الكثير من الجوائز التي يتمّ إطلاقها بعدد من الدول العربية.
أما الذي يجعل من جائزة بقيمة لا تتجاوز العشرة دولارات جائزة كبرى، يحلم بها الجميع، فهو وضعها كجزء من صناعة ثقافية حقيقية. إذ أن الفوز بالجائزة يعني الحصول على مجد أدبي دائم، عبر توالي طبعات الكتاب الفائز وترجماته إلى مختلف اللغات وحضور إعلامي كبير لصاحبه.
وقد كان ذلك حال المئة كاتب ونيف الذين أحرزوا على الغونكور إلى حدّ الآن. ولعل صدور طبعة جديدة، قبل مدة، من الترجمة الإنكليزية لرواية “قوة عدوة” لجون أنطوان نو، المتوجة في أول دورة للغونكور، سنة 1903، خير دليل على ذلك. وكان ذلك أيضا مآل رواية “ليلة القدر” للطاهر بن جلون، التي ترجمت، بالإضافة إلى روايته الأخرى “طفل الرمال”، إلى أكثر من أربعين لغة. كما كان مرور بضعة أسابيع على حصول رواية “البوصلة” لماتياس إينار، خلال السنة الماضية، كافيا لكي يتجاوز عدد صفحات الويب التي تتناول أو تشير إلى الكتاب المذكور المليون صفحة.
من مِنا يكلف نفسه اقتناء كتاب فاز بجائزة عربية ما في اليوم التالي للإعلان عنها؟ من يذكر أصلا عناوين الكتب الفائزة؟ يبدو أن أثر العديد من الجوائز العربية لا يبرر أبدا حجم الأموال التي يتمّ صرفها عليها، سواء على مستوى قيمتها أو تكاليف الإعلانات التي تحتكر صفحات الجرائد العربية، ولجان القراءة وحفلات تسليمها، بمناسبة كل دورة سنوية بالطبع. وهي أموال تكفي لإنشاء العشرات من الإقامات الأدبية، والعشرات من دور النشر، والعشرات من مؤسسات التوزيع، والعشرات من المكتبات العمومية، وهي البنيات الحقيقية التي يمكن أن تسهم في خلق صناعة ثقافية حقيقية.
خلال افتتاح الدورة الأخيرة للمهرجان العالمي للشعر بمدينة تروا رفيير الكندية، قبل شهور، تمّ الإعلان عن أكثر من عشرين جائزة رفيعة دفعة واحدة؛ ذلك هو حال كندا، حيث يتجاوز عدد الجوائز المئات، بينما لا تتجاوز قيمتها الخمسة آلاف دولار، بشكل يندر معه أن لا يحصل كاتب كندي على جائزة ما عن عمل أصدره، وبشكل تصير معه الجائزة أشبهَ بمنحة للكتابة.
يبقى أن النقطة المضيئة على مستوى الجوائز العربية هو تتوجيها لعدد من الكتاب المغاربة، وأجد ذلك إنصافا لأسماء مغربية رصينة، وتكفيرا عن البعض من تعالي المشرق الذي ظل يَعتبر، خلال قرون، ما ينتجه المغاربة بضاعتَه التي رُدّت إليه.
كاتب من المغرب