ابن النديم
في سنة 938م أعدّ رجل غير معروف من بغداد، كان يشتغل بالوراقة، اسمه أبوالفرج محمد بن إسحاق بن محمد بن إسحاق الوراق البغدادي ويُعرف أساسا بابن النديم، فهرسه الذي سيُعرف باسمه. حاول ابن النديم حصر كتب جميع الشعوب العربية والأجنبية المكتوبة أو المترجمة إلى اللغة العربية، في مختلف المجالات الأدبية والعلمية.
وإذا كان كتاب الفهرست لم يتمكن من حصر أكثر من ثمانية آلاف عنوان، وإن كان العدد يشكل سبقا حينها، فإنه استطاع أن يؤسس لمجال جديد، على المستوى الكوني، تجلى في العمل الببليوغرافي، حيث تعددت طبعات الفهرست، التي تعود أولها إلى سنة 1862، وهي الطبعة التي كان قد أشرف على إعدادها المستشرق الألماني ستاف فليجل، وصدرت بألمانيا بعد وفاته. كما تُرجم الفهرست أكثر من مرة، وكانت أهمها الترجمة التي قام بها المستشرق الأميركي بيار ضودج، وذلك بالإضافة إلى توزع نسخ الكتاب المخطوطة على مكتبات العالم الكبرى.
فهرست ابن النديم سيفتح الباب أيضا لمبادرات أخرى، من بينها “هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين” للباباني، و”اكتفاء القنوع بما هو مطبوع″ لإدوارد فنديك، و”كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون” لحاجي خليفة، و”تاريخ الآداب العربية” للويس شيخو و”أبجد العلوم” لصديق حسن خان والأعلام لخير الدين الزركلي وغيرها.
بعد تسعة قرون عن وفاة ابن النديم، سيُطلق باحثان بلجيكيان، هُما بُول أوطليت وهِنري لافونتين، مشروعا يرمي إلى حصر ما صدَر من الكتب على مستوى دول العالم منذ ظهور الطباعة، وانتهيا إلى ضبط ما يناهز سبعة عشر مليون عنوان. لم يتمكن الرجلان من الذهاب أبعد من ذلك، حيث تخليا عن المشروع. غير أن كل هذا التراكم الذي كان قد أطلقه ابن النديم وأسهم فيه رجالات أمضوا حياتهم في تتبع المخطوطات وما يصدر عن المطابع، سيشكل الأساسَ الذي ستنطلق منه منظمة اليونسكو، ابتداء من سبعينات القرن الماضي، لإطلاق مشروع أكثر تنظيما يُعرف بنظام الضبط الببليوغرافي الكوني، وهو المشروع الذي يقوم على تولي المكتبات الوطنية مهمة الحصر الببليوغرافي لإنتاج بلدانها، وعلى توحيد طرق معالجة المعلومات الببليوغرافية بشكل يُسهل تبادلها بغية التوفر على صورة عمّا يصدر في العالم. لم يكن هذا المشروع ترفا. فالضبط الببليوغرافي يشكل وسيلةً أساسية لمعرفة حركية إنتاج الأفكار والتعريف بالإصدارات وتسهيل اقتنائها وتداولها. ولذلك، نجد أن القوانين المُنظِّمة للمكتبات الوطنية في العالم تنص على ضرورة إصدار الببليوغرافيا الوطنية كوظيفة أساسية لهذه المكتبات.
أما ابن النديم، الذي استطاع أن يضبط أسماءَ أكثر من ألفي مؤلِّف، مع حصر أعمالهم، فما زالت المصادر، بعد عشرة قرون على وفاته، تختلف حول تاريخ ولادته واسمه الحقيقي وحول ما إن كان شيعيا أم سنيا.
كاتب من المغرب