ليفي بروفنصال

السبت 2015/11/28

في حوالي سنة 1600 انتقلت عائلة بروفنصال، وهي أسرة فرنسية عريقة، تنحدر من أصول يهودية، إلى الجزائر، بعد إقامة طويلة بإيطاليا. كان لهذا العبور المبكر، ولأصول الأسرة ولإقامتها ببلد أوروبي آخر ثم استقرارها ببلد إسلامي أثر كبير على مسار هذه العائلة. وكان كل ذلك أيضا وراء بروز اسم سيدخل تاريخ الثقافة العربية والإسلامية من بابه الواسع. إنه إيفاريست ليفي بروفنصال. المستشرق الذي سيمضي قسطا كبيرا من حياته في الاشتغال على جوانب مضيئة من ثقافتنا العربية.

تابع بروفنصال، الذي ولد بالجزائر سنة 1894، تعليمَه بقسم الدراسات العربية بجامعتها. وستكون مشاركته في الحرب العالمية الأولى وإصابته بجروح خلال معركة الدردنيل، ثم تكليفه بقيادة موقع بالقرب من حدود الريف بالمغرب وراء قرار سيكون حاسما في حياته وهو التوجه بشكل نهائي إلى البحث العلمي في مجال الثقافة العربية والإسلامية، متحررا بذلك من سلطة النزعة الاستعمارية التي كان بإمكانها أن تقودَ رؤيتَه لهذه الثقافة. في سن السادسة والعشرين من عمره سيعَين بروفنصال أستاذا بمعهد الدراسات العليا المغربية، قبل أن يتولى إدارته. وستفتح له خبرته وأبحاثِه أبوابَ المناصب العلمية، حيث عيّن أستاذا للتاريخ الإسلامي بجامعة الجزائر، ثم أستاذا بجامعة تولوز بفرنسا، ثم أستاذا بجامعة السوربون.

كان ليفي بروفنصال يعي خصوصيةَ طبيعةَ الثقافة العربية وما يحيط بها. لذلك حرص على الاهتمام، في مرحلة مبكرة من مشواره العلمي، بالتوثيق لهذه الثقافة. ففي سنة 1922، سيصدر، برفقة الجزائري بن شنب، أولَ دليل يحصر المطبوعات الحجرية بالمغرب. كما أصدر بروفنصال أيضا أول فهرس منهجي للمخطوطات المغربية، وذلك بالإضافة إلى فهرسه الهام الذي أفرده للمخطوطات العربية بمكتبة الإسكوريال. بموازاة مع ذلك، سينجز بروفنصال عددا من الأعمال الهامة التي جاوزت المئة. لعل أبرزها عملين يستمر الاهتمام بهما إلى حد الآن. الأول هو كتاب “مؤرخو الشرفاء”، الذي نال به الدكتوراه سنة 1922 وصدرت طبعته الأولى في السنة نفسها قبل أن يعربه الباحث المغربي عبدالقادر الخلادي. وهو مصنف كرسه بروفنصال لتقديم صورة تركيبية لمسار الكتابة التاريخية بالمغرب خلال الأربعة قرون الأخيرة. أما الكتاب الثاني فهو “أسبانيا المسلمة في القرن العاشر الميلادي”، الصادر سنة 1932، وقد خصه للحياة الاجتماعية بالأندلس. وذلك بالإضافة إلى إشرافه على الطبعة الفرنسية لموسوعة الإسلام وإطلاقه مجلتي “دفاتر المشرق المعاصر” و”أرابيكا”.

حرص ليفي بروفنصال على أن يظل متحررا من سلطة المكان، عبر انتقاله بين المغرب والجزائر ومصر، قبل أن يقيم نهائيا في فرنسا، خلال الحرب العالمية الثانية، بفضل صداقاته التي أنقذته من صرامة القوانين التي شملت يهودَ فرنسا، وتوفي هناك سنة 1956، لتفقد الثقافة العربية والمغربية أساسا صوتا عاشقا ظل وفيا لمسقط رأسه، المغرب الكبير.

كاتب من المغرب

17