"مدن ورقية" يقدم فترة المراهقة بين بساطة الرسالة وبهجة التأثير

حقق فيلم “مدن ورقية“ أكثر من إنجاز في شريط واحد، حيث خاطب الفيلم ملايين الشباب الذين اشتروا الرواية الأصلية، علاوة على اعتماده على نجوم جدد، مما قلل من ميزانيته ومن ثم نسبة المخاطرة في إنتاجه، وأخيرا فإن التوجه إلى المشاهدين المراهقين مضمون العوائد باعتبارهم من أكثر الفئات التي تقبل على السينما سواء في أميركا أو حتى في العالم العربي.
الثلاثاء 2015/08/25
فيلم يخاطب ملايين الشباب في العالمين الغربي والعربي على حد سواء

فيلم “مدن ورقية” لجاك شراير مأخوذ عن قصة للكاتب الأميركي الشاب جون غرين والتي طرحت للمرة الأولى عام 2008، وقد وضع له السيناريو والحوار كلّ من سكوت نوستادتير ومايكل إيتش، نفس فريق عمل فيلم “ما تخبئه لنا النجوم”، الذي تجاوز كل التوقعات بخصوص عوائده عند عرضه في صيف 2014 بعدما حقق ما يقرب من 300 مليون دولار، مع أن ميزانيته لم تتجاوز 12 مليونا، تماما مثل ميزانية فيلم “مدن ورقية”.

فكرة الرواية ومن ثم الفيلم لا تزال محل خلاف كبار النقاد في هوليوود، بين من يقدر عمقها ودلالة رسالتها، ومن يقطع بسطحيتها وسذاجتها، لكن لا أحد ينكر الإحساس بالبهجة الذي تشعر به وأنت تشاهد الفيلم، وهو شعور ربما يتولد لديك لأن الأحداث تقودك لتتذكر أجمل فترات حياتك وهي فترة المراهقة، حيث لا مسؤوليات ولا هموم، وإنما فقط الكثير من الآمال والثقة العارمة في النفس.

الأحداث تدور حول شاب وفتاة مراهقين، الشاب هو كوينتن جاكوبسون الذي يجسد دوره الممثل نات وولف، يتعلق بجارته الحسناء مارغو سبيغلمان التي تؤدي دورها العارضة البريطانية كارا ديليفين، منذ أن كانا طفلين. بحكم الجوار يصبح الطفلان صديقين يقضيان أغلب الوقت معا، لكنهما يفترقان بسبب اختلاف شخصيتهما، حيث يرفض كوينتن الملتزم، الذي لا يحب المشاكل، التجاوب مع تطلعات جارته المغامرة الغامضة في اكتشاف سبب وفاة أحد جيرانهما.

تمرّ السنوات ويصبح الجاران في سن المراهقة، مع احتفاظ كلّ منهما بخصاله الشخصية، فكوينتن لا يزال شخصا محدود القدرات الاجتماعية يكرس حياته للدراسة لتحقيق حلمه في أن يصبح طبيبا مشهورا، يقضي وقته في المدرسة مع صديقين لديهما نفس القدرات الاجتماعية المحدودة مثله، وكل منهم يرى أن تلك الفترة في حياته هي مجرد معبر، قبل الوصول إلى مرحلة الاستمتاع بالحياة بعد التخرج والعمل.

على العكس منه تصبح مارغو نجمة المدرسة وفتاة أحلام طلابها، وهي تقضي وقتها مع أمثالها من النجوم الذين ينظرون لكل الآخرين -ومنهم كوينتن وصديقيه- باستهانة وكأنهم غير موجودين، ونتيجة لهذا الفارق يكبت الجار الشاب مشاعره الودية تجاه جارته في قلبه ولا يكشفها لأحد.

الفيلم باختصار يوصل إلى المراهقين مجموعة من الرسائل وعلى رأسها أن الحياة ليس فيها أساطير مثلما يعتقدون بحكم تخيلاتهم الجامحة في تلك الفترة العمرية

نقطة التغيير في مجرى الأحداث عندما يفاجأ كوينتن بتسلل مارغو إلى غرفته في الطابق الثاني من النافذة مثلما كانت تفعل في الأيام الخوالي، وتطلب منه الخروج معها في مغامرة بسيارة والدته، وبعد تردّد يوافق الشاب على طلبها ليقضي الاثنان ليلتهما في الانتقام من صديقها الحميم لخيانته لها، ومن بقية أصدقائها الذين تعتقد أنهم عرفوا خيانته وتستروا عليه، وفي نهاية الليلة تمنحه رقصة خاصة تعيد بها أحلامه العاطفية القديمة.

ومع ذلك تختفي مارغو في اليوم التالي تاركة مجموعة من الأدلة التي تشبه الألغاز، فيعتقد كوينتن أنها تريد منه تتبعها، وهو ما يفعله بمساعدة صديقيه بعد أن يكتسبوا شعبية جيدة وسط الطلاب تحل كثيرا من مشاكل التواصل الاجتماعي لديهم.

يتوصل كوينتن إلى مكان وجود مارغو في مدينة ورقية على أطراف نيويورك، تبعد عن مقر إقامتهم في ولاية كارولينا الشمالية مسافة 2000 كم بالسيارة، لكنه رغم بعد المسافة يقرر الذهاب إليها مغامرا بعدم حضور حفل التخرج من الثانوية، ويصطحبه صديقاه مرفوقين بصديقتيهما الحميمتين.

بعد رحلة حافلة بالمغامرات يصل الجميع فلا يجدون أثرا لمارغو ويقررون العودة، إلاّ أن كوينتن يرفض ويصرّ على البقاء وحده في انتظارها، وتكون المفاجأة كبيرة عندما يجدها بالفعل ليعرف أنها لم تترك له أدلتها عن عمد أو لأنها تحتفظ بمشاعر معينة نحوه.

في تلك اللحظات يكتشف كوينتن أن كل ما تعلق به في مارغو لم يكن حقيقيا إنما كان من صنع خياله، فهو الذي رسم لها في ذهنه الصورة الأسطورية التي أوقعته في غرامها، وأنها ليست سوى فتاة عادية مثل ملايين الفتيات في أي مكان من العالم، وعندها يقرر العودة إلى موطنه واللحاق بأصدقائه، حيث أدرك أن علاقته القوية بهم هي الأسطورة الحقيقية التي لم يفهمها من قبل.

الفيلم باختصار يوصل إلى المراهقين مجموعة من الرسائل وعلى رأسها أن الحياة ليس فيها أساطير مثلما يعتقدون بحكم تخيلاتهم الجامحة في تلك الفترة العمرية، إنما الأسطورة داخل كل منهم فعليه أن يتعرف عليها، وحينها يكتشف الحقيقة في قدراته وفي ما منحه الله من أهل محبين وأصدقاء متفهمين.

كذلك يسعى الفيلم ضمنيا من خلال الانتصار لكوينتن مقابل تسفيه مارغو إلى تمرير قيمة مهمة جدا في مجتمع تدهورت فيه الكثير من القيم الإيجابية، مفادها أن الاستمتاع بالحياة وبفترة المراهقة لا يتعارض مع التعامل مع الحياة والدراسة بجدية، بينما الأفكار التي تملأ عقول الشباب في تلك الفترة من حياتهم والتي يستسلمون لها مزيفة، ممّا يؤدّي بهم إلى مزيد من الضياع ويفقدهم أهميتهم عند الآخرين.

16