التوتر الرياضي.. هدية العرب للعالم

نعرف منذ زمن بعيد أن الأزمات بين البلدان المختلفة يمكن أن تنشأ بسبب توتر سياسي، وربما يكون اقتصاديا مثل الذي اخترعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل أيام بقراره رفع الرسوم الجمركية، في حين حظي العرب بشرف إهداء العالم نموذجا جديدا من الأزمات الدبلوماسية يمكن أن نطلق عليها “التوتر الرياضي”.
لكن المعضلة التي تواجه العرب في تسجيل حقوق ملكية ذلك التوتر أنه يكاد يكون قاصرا فقط على المنافسات التي تجمع بين الفرق العربية، حيث يعتبرها الإعلام الرياضي فرصة للنفخ في نار الكراهية الكامنة في الصدور، والتباري في تحريض الجمهور الرياضي لإظهار أكبر قدر ممكن من العداء للمنافس العربي.
وفي غيبة مشروع قومي يجمع الشعوب العربية، سواء كان وطنيا أو عروبيا وحدويا، ومع الأزمات المتنوعة التي تغرق فيها تلك الشعوب، لم يعد متبقيا لها غير الرياضة، حيث تؤمن أغلب الشعوب العربية بأنها مسألة كرامة، تتعزز بالفوز وتهتز بالخسارة، وأن التنافس مع العرب ليس الهدف منه التقارب بين الشباب العربي وتعزيز الصداقة بين الشعوب، بقدر كونه مناسبة للتعبير عن قيم “الكراهية المقدسة” التي تسكننا تجاه المنافسين العرب دون غيرهم.
هذا الشعور يعاينه حاليا الشعبان العراقي والأردني، حيث لا يعلو صوت في الأيام الماضية على أصوات طبول الحرب التي تدق في بغداد وعمان والمدن الصغيرة والكبيرة في البلدين، قبل اللقاء المرتقب بين منتخبي بلديهما الذي سيحدد أيهما سيرافق المنتخب الكوري الجنوبي إلى مونديال 2026.
بالأمس القريب عاش الشعبان الأردني والقطري في نفس أجواء مهمة “الكراهية المقدسة” للآخر على خلفية نهائي كأس آسيا للأمم الذي جمع بينهما، وقبل ذلك “ولعت” الدنيا بين شعبي مصر والجزائر حتى وصلت إلى مشارف الحرب بين البلدين.
الأديب عزالدين ميهوبي وزير الاتصال الجزائري السابق، يرجع أسباب التوتر الرياضي إلى التراكمات التاريخية بين الدول التي تسهم في تأجيج التعصب الرياضي، وهي نظرية يؤيدها محللون سياسيون بأن النزاعات السياسية القديمة بين بعض الدول العربية لا تزال تلقي بظلالها على الشعوب، وحين تجمع بينها مناسبات رياضية، تتحول إلى فرصة لتصفية الحسابات الرمزية.
لكن ذلك التفسير يظل منقوصا بحكم أنه ينطبق على المنافسات الرياضية التي تجمع فريقين من بلدين بينهما خلافات سياسية معروفة، لكن ماذا إذا كان التوتر الرياضي هو الذي تسبب في السياسي وليس العكس؟ مثلما حدث في الأزمة التاريخية بين مصر والجزائر عام 2009 على خلفية مباراة أم درمان الشهيرة في تصفيات المونديال، وكذلك فيما حدث بين قطر والأردن في النهائي المشؤوم في 2024.
ربما نحتاج من جهة عربية مّا في وقت قريب لإطلاق دراسة تحليلية متعمقة لمعرفة السبب في أن العربي لا يمانع الهزيمة من غير العربي، لكنها تؤلمه بشدة إذا جاءت من شقيق، ويمكن مبدئيا وضع بعض العناوين الافتراضية لمساعدتهم في الدراسة المنشودة، مثل البحث عن دور الإعلام الرياضي وحملاته التحريضية للجماهير.
وهناك أيضا دور الأنظمة السياسية في استغلال المنافسات الرياضية ما ينقلها من خانة الرياضة لتصبح معركة وطنية “وهمية” يتيح الفوز بها للنظام الحاكم ترسيخ شرعيته أو تغطية إخفاقاته، بينما يتم التعامل مع الهزيمة باعتبارها إهانة وطنية تستدعي الرد عليها بالتسفيه والتحريض من شرفاء الوطن “المزعومين” ضد الدولة التي فاز فريقها.