ابن عجيبة وميشون

السبت 2015/08/01

الأول، وهو أحمد بن عجيبة، فقيه صوفي. ولد سنة 1747 بضواحي مدينة تطوان بالمغرب. تفرغ لحفظ القرآن منذ الثالثة عشرة من عمره، والتحق بمدينة القصر الكبير طلبا للعلم، ثم بتطوان، ثم رحل إلى فاس، حيث أخذ عن الطيب بن كيران ومحمد بن التاودي بن سودة وغيرهما، مكرسا بذلك أكثر من عشر سنوات لدراسة علوم القرآن والحديث والفقه والتفسير والبلاغة والمنطق وغيرها من علوم عصره. تفرغ للتدريس والتأليف بتطوان. تعرض لمضايقات، منها محاكمته مع أتباعه بتهمة الانحراف عن السنة. توفي بالطاعون يوم الأربعاء 15 نوفمبر 1809.

أما الثاني، وهو جون لويس ميشون، فهو صوفي فرنسي. ولد داخل عائلة كاثوليكة سنة 1924. بعد مسار دراسي في مجالات القانون واللغة الإنكليزية والعلوم السياسية، اهتم بالبوذية، وكانت له رغبة في السفر إلى اليابان للتعمق أكثر فيها، غير أن ظروف الحرب العالمية حالت دون ذلك. سنة 1945، اعتنق جون لويس الإسلام، بعد اطلاعه على كتاب “الإسلام الحديث” للفيلسوف أوغوستان بيرك. انتقل علي عبدالخالق، وهو الاسم الذي اختاره جون لويس، إلى دمشق، ودرَّس هناك اللغة الإنكليزية خلال مدة، قبل أن ينتقل إلى القاهرة سنة 1947، حيث التقى بريني كينون، الكاتب الفرنسي الذي كان قد تحوّل إلى الإسلام والذي اختار الإقامة بمصر منذ حلوله بها سنة 1930 إلى أن توفي سنة 1951.

لم يكن تحوّل جون لويس ميشون إلى الإسلام نزوة ولا نتيجة بحث عن أقرب منفذ إلى ملء فراغ روحي ما، حيث ظل الرجل طيلة ثمان وستين سنة، وإلى لحظة وفاته، متشبثا باختياره ومواظبا على البحث في محال التصوف.

اختار القدر والرغبة في المعرفة والمحبة، كما ينسجها المتصوفة، أن تجمع جون لويس ميشون بالصوفي المغربي ابن عجيبة وإن كان يفصل بينهما قرنان من الزمن، حيث شكلت لحظة تعرفه على سيرة وأعمال ابن عجيبة لحظة فارقة في مساره الروحي وأيضا العلمي، إذ اختار أن ينجز بحثا لنيل الدكتوراه في موضوع “فهرسة الصوفي المغربي ابن عجيبة”. ميشون تحدث عن صعوبة إنجاز هذه الرسالة، لقلة المراجع ولضعفه في اللغة العربية، مشيرا إلى أنها كادت أن تنهيه. اللقاء بابن عجيبة لن ينقطع هنا، حيث سيعود ميشون إلى ابن عجيبة في أكثر من كتاب، ومن ذلك دراسته “الصوفي المغربي أحمد بن عجيبة: موسوعة التصوف الإسلامي”، الصادرة في طبعتين باللغتين الفرنسية والإنكليزية، وكتابه “ابن عجيبة: أطروحتان في وحدة الوجود”.

كان ميشون يطل على دواخل نفسه عبر مرآة ابن عجيبة، حيث جعل من هذا الأخير ممرّه إلى البحث عن الحقيقة الصوفية. وكانت تلك بعض من تجليات علاقة بين رجلين، فرق بينهما الزمن وجمعتهما جغرافيا المحبة، كما نسجها شيخهما ابن عربي.

كاتب من المغرب

17