جوطو، الكاتبة المرتحلة

السبت 2015/07/25

سنة 1976، اختارت شابة كندية في العشرينات من عمرها حجزَ تذكرة سفر إلى المغرب، البلد الذي كانت تعرف بالكاد اسمه. مونيك جوطو، الروائية والشاعرة الكندية التي ستحظى في ما بعد بشهرة واسعة، ستتوج بحصولها على أرفع جوائز كتب الرحلات بكندا. جاءت جوطو من أجل أيام فقط لتقضي شهورا متنقلة بين مدن تطوان وفاس ومراكش وغيرها. أربع سنوات بعد ذلك، ستعود جوطو إلى المغرب، بسيارة فولسفاكن متهالكة، لن تلبث أن يتوقف محركها بالدار البيضاء، حيث قضت جوطو أياما في انتظار إصلاحها. وقد كانت مضطرة حينها لاستعادة سيارتها كل مساء بهدف قضاء الليلة داخلها.

لم تُنسِ السنوات الثلاثون، التي مرت على رحلتها الأخيرة، جوطو صورة المغرب. فكتابها “خطوة في الفراغ”، الصادر بكندا، يستحضر أزقة مدينة فاس العتيقة وباب الجلود وشجرة الأركان وملامح وجوه مغاربة السبعينات.

لم تكن مونيك جوطو تبحث عن الشمس، التي تطلع نادرا في سماء الكيباك، فشمس كوبا على بعد بضع ساعات فقط من بلدها. ولم تكن تبحث عن الهدوء، إذ أن إقامتها ببيت بدوي تمنحها فائضا من السكينة. ولم تكن تبحث عن الماء، فمياه شلالات نياغارا تكفي لإغراق بلد صغير. جاءت جوطو إلى المغرب مدفوعة بمغامرة السفر التي تقود حياتها. ففي الثامنة عشرة من عمرها، قامت بسفرها الأول الذي قادها إلى تخوم المحيط الهادي. سنة بعد ذلك، وبعيد حصولها على شهادة الباكالوريا، اختارت الالتحاق بالهند، حيث قضت ستة أشهر بعيدا عن صخب “الحضارة”. ولأنها لم تكن معنية بمراكمة الشهادات، أجّلت التحاقها بالجامعة إلى الثلاثينات من عمرها.

إنها المغامرة ذاتها التي ستدفعها إلى العمل، في فترة شبابها، في التصبير وفي جني التفاح وفي قطف العنب بفرنسا بهدف تمويل رحلاتها. تحظى مونيك جوطو بمكانة خاصة داخل مشهد الإبداع بكندا، ككاتبة رحلات بامتياز. ولذلك صار من المألوف أن يقرأ ركاب الخطوط الكندية مقتطفات من رحلاتها في مجلة الخطوط. وتلك طريقة في الاحتفاء بكاتبة استثنائية، منحت مشهد الكتابة بكندا أعمالا بقيمة “نهاية الأراضي” “والسفر قال”، حيث تختلط فضاءات نيودلهي وإسطنبول وباريس وفاس.

تعرفتُ إلى مونيك جوطو، خلال القراءة الشعرية التي جمعتنا بكندا، ثم ببيتها الكائن وسط حقول الذرة، سنة بعد ذلك، وذلك في عشاء جمع أغلب أدباء الكيباك. وقد راقني حينها أن ألمح نسخة الحوار الذي كنتُ قد أجريته معها، بطلب من مجلة آر لوسابور الكندية، معلقة في صالونها الرئيسي. وهو يحمل عنوانا على لسانها: “أفكر دائما في فلسطين، في ما تبقى منها، في الحرية وفي صمتنا”.

كاتب من المغرب

17