مسلسل "طهران".. تمهيد مبكر لكسب تعاطف مع هجوم إسرائيل على إيران

عرض الموسم الثالث تأجل عالميا بعد تصاعد الأحداث العسكرية.
الثلاثاء 2025/06/17
قصة عميلة موساد تخترق النظام الإيراني

تثير أحداث المسلسل الإسرائيلي الشهير "طهران"، بمواسمه الثلاثة، أسئلة كثيرة حول علاقته بالواقع وما يحصل الآن من أحداث، إذ نجد فيه حالة استشراف لما سيقع، بينما يحبكه منتجوه بطريقة ذكية خاصة مع استعانتهم بممثلين إيرانيي الأصل، تجعل منه مادة توهم الجمهور بالمصداقية.

تستدعي الأحداث المشتعلة والضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، إلى الأذهان أحداث المسلسل الإسرائيلي الشهير “طهران”، الذي لم يعرض موسمه الثالث عالميا حتى الآن، رغم انتهاء عرضه في إسرائيل يناير الماضي، ولا يقتصر حضور العمل الدرامي في الواقع الحالي على الربط بين ما عرضه من اختراق مخابراتي فاضح للداخل الإيراني، وبين ما حدث بالفعل.

يطرح العمل سؤالا ملحا على الجمهور العربي من متابعي الدراما الأجنبية عبر منصات المشاهدة المدفوعة، مثل نتفليكس وآبل، عما إذا كانت السلطات الإيرانية لا تزال تصر على رأيها في المسلسل بأنه مجرد عمل تجسسي “مضلل” يهدف إلى تشويه صورة الحرس الثوري والمخابرات الإيرانية، أم أنها تحتاج إلى مراجعة موقفها منه، خصوصا بعد ثبوت أن ما قامت به إسرائيل في الواقع يشبه في معظم تفاصيله ما صوره المسلسل، حتى يشعر المشاهد أن العمل كان بروفة لما جرى لاحقا.

دراما دعائية

المسلسل نجح نسبيا في تعبيد العقول الغربية لتفهم الهجوم الإسرائيلي الأخير وتصفية القادة العسكريين وعلماء البرنامج النووي
المسلسل نجح نسبيا في تعبيد العقول الغربية لتفهم الهجوم الإسرائيلي الأخير وتصفية القادة العسكريين وعلماء البرنامج النووي

أوجه التشابه كثيرة بين الواقع والمسلسل، منها نجاح الجاسوسة الإسرائيلية المدسوسة في طهران في اغتيال الجنرال محمد باقر قائد الحرس الثوري وأحد أكبر العقول المدبرة للبرنامج النووي الإيراني، كما نجحت في اغتيال سلفه قاسم محمدي بعد أن أصبح “الرجل الأقوى” في النظام خلفا للجنرال القتيل، وفي العملية الأخيرة نجحت إسرائيل بالفعل في تصفية عدد من القادة العسكريين والعلماء المسؤولين عن البرنامج النووي الإيراني، منهم اللواء حسين سلامي قائد الحرس الثوري، واللواء محمد باقري رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، الذي يشبه اسمه اسم القائد المذكور في المسلسل.

مسلسل “طهران” الذي أنتج منه 3 مواسم حتى الآن، يتكون كل موسم من 8 حلقات، وبدأ عرضه عام 2020، يعد أضخم دراما دعائية ضد النظام الإيراني، خاصة بوجود منصة Apple+ التي تولت عرضه وتسويقه عالميا منذ موسمه الأول، وأمدته بترجمة إلى أكثر من لغة مثل الإنجليزية والفارسية والعربية، لتسهيل وصوله إلى مشاهدين في مختلف أنحاء العالم.

ويظهر العمل الهشاشة البالغة في بنية المجتمع الإيراني نتيجة ما يقرب من 45 عاما من حكم الملالي (وقت إنتاج أولى أجزاء العمل)، منذ نجاح ثورة الخميني في عام 1979، كما يفضح، من وجهة نظر إسرائيلية بالطبع، نجاح الموساد وتل أبيب في تجنيد المئات من المسؤولين الإيرانيين، ولا يختلف ما عرضه العمل كثيرا مع ما حدث بالفعل، إلى درجة اعتراف الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد في تصريحات معلنة بأن العديد من قادة الحرس الثوري هم في الواقع عملاء لإسرائيل.

ويعرض المسلسل استعداد الآلاف من المواطنين الإيرانيين العاديين للتعاون مع الجاسوسة تامار حتى بعد معرفتهم بهويتها وهدفها، لأن نقمتهم “من وجهة نظر صناع العمل” على حكم المرشد الأعلى أكبر من رفضهم أو خوفهم من شرور تل أبيب، وهي إشارة خطيرة، لا تخلو من واقعية، بعدما قوبل عرض المسلسل بإقبال كبير من الإيرانيين الذين تحدوا قرار السلطات بمنع عرضه إلكترونيا وحظر المواقع التي تبثه، كما اتُخذت إجراءات أمنية لزيادة الرقابة على المحتوى المرتبط بالمسلسل في البلاد.

وتم تفسير اهتمام الإيرانيين الواسع داخل وخارج البلاد بالمسلسل، رغم مخاطره على من يشاهدونه داخل إيران بسبب الرقابة الصارمة، بأنهم وجدوا فيه نقدا حادا ومباشرا للسلطة الإيرانية، في تصويره لتورط العديد من المسؤولين في البلاد والحرس الثوري على وجه الخصوص في الفساد والتجسس والاضطهاد الذي يجري في البلاد.

طهران في عيون إسرائيلية
طهران في عيون إسرائيلية

والمسلسل الذي أنتجته شركة “هوت”، وهي أكبر شركة بث تلفزيوني في إسرائيل بالاشتراك مع هيئة البث العامة، يعرض على منصة KAN 11 المملوكة لها، كان مقررا أن يبدأ العرض العالمي للموسم الثالث في أبريل الماضي، لكن تم تأجيله، ولا تبدو في الأفق إمكانية عرضه قريبا مع تصاعد التوتر العسكري بين إيران وإسرائيل.

تدور أحداث العمل حول تامار رابينان، وهي عميلة يهودية إيرانية الأصل للموساد تكلف بمهمة سرية في طهران، ويطلب منها التسلل إليها باعتبارها مهندسة نظم تعمل على إصلاح شبكة الكهرباء، بهدف تعطيل أنظمة الدفاع الجوي الإيراني لتمكين الطائرات الإسرائيلية من الغارة على المفاعل النووي، لكن تفضح هويتها وقبل القبض عليها تتمكن من الهرب والاختباء بطهران، وتبدأ في الاندماج تدريجيا في المجتمع.

هذا الاندماج، يؤثر على عمل تامار الجاسوسي حين تستعيد قدرتها على تعطيل أنظمة الدفاع الجوي، وبدلا من أن تستغل الفرصة تراجعت عن التنفيذ، لأن ذلك يؤدي إلى مقتل مدنيين إيرانيين أبرياء، ومنهم عائلة داريان، الشاب الإيراني الذي ساعدها ويقدمه المسلسل باعتباره صوتا يمثل التيار الإصلاحي الذي يرفض العنف مثلما يرفض دكتاتورية حكم المرشد وبطش الحرس الثوري.

واختتم الموسم الأول بفشل عملية القصف الإسرائيلي واستمرار هروب تامار بعد أن أصبحت مكشوفة وملاحقة من الإيرانيين لكونها جاسوسة، ومن الموساد لعدم تنفيذ مهمتها، وتتعقد حياتها أكثر بعدما ارتبطت إنسانيا ببعض الأشخاص الإيرانيين، وتجد نفسها ممزقة بين مهمتها كجاسوسة وبين علاقاتها الإنسانية.

وفي الموسم الثاني تكلف تامار بسلسلة من المهام المعقدة والمتداخلة، كلها تدور حول تصفية أحد أقوى رجال النظام الإيراني وهو الجنرال محمد باقر قائد الحرس الثوري، الذي يعتبره الموساد أكبر عقبة أمام كبح المشروع النووي الإيراني، وقامت باختراق شركة أمنية ترتبط بعائلة الجنرال من خلال تقمص هوية فتاة أخرى لتتسلل إلى الشركة بمساعدة أشخاص منتمين لشبكات داخلية مناوئة للنظام، ثم نجحت في إقامة علاقة مع فرهاد ابن شقيق الجنرال الذي ساعدها في الوصول إلى عمه وقتله بعد أن وقع في غرامها.

وينتهي الموسم بعملية اغتيال جديدة تنفذها تامار للجنرال قاسم محمدي في جنازة ابنه، وكلفتها العملية غضب قادة الموساد الذين كانوا أبلغوها بإلغاء المهمة، لكنها أصرت على تنفيذها انتقاما لمقتل “ميلاد”، وهو قرصان إلكتروني إيراني، ساعدها في محاولة اختراق الشبكة الإيرانية لتعطيل نظام الدفاع الجوي قبل تنفيذ غارة إسرائيلية، ثم تطورت علاقتهما إلى علاقة عاطفية مع تعمق الثقة بينهما، وكان يساعدها في التخفي والتنقل داخل طهران، ويقوم بعمليات اختراق لصالحها متحديا المخاطر، قبل أن يقتل على يد الحرس الثوري بعدما وشى به الموساد.

الموساد والحرس الثوري

اهتمام الإيرانيين داخل وخارج إيران بالمسلسل رغم مخاطر مشاهدته يعود إلى أنهم وجدوا فيه نقدا حادا ومباشرا للسلطة الإيرانية
اهتمام الإيرانيين داخل وخارج إيران بالمسلسل رغم مخاطر مشاهدته يعود إلى أنهم وجدوا فيه نقدا حادا ومباشرا للسلطة الإيرانية

أما الموسم الثالث الذي لم يعرض بعد عالميا، فيبدأ بعد اغتيال ميلاد حيث تنهار شبكة تامار وتصبح مطلوبة من الموساد والحرس الثوري، ما يجبرها على التخفي في ملجأ للنساء في طهران، ثم تنجح في سرقة جهاز كمبيوتر من مراجان، وهي عميلة موساد سابقة، تعمل تحت غطاء دبلوماسي في إيران، وتستخدم ما يحتويه الكمبيوتر من معلومات كورقة ابتزاز ضد الموساد.

وتتعاون أيضا مع العميل نيسان من الموساد، ومع إريك بيترسون لكشف شبكة نووية إيرانية، وتنجح في صنع تفجير غير نووي في موقع التخزين، مما يفضح خطط إيران النووية، وتستخدم ذلك لإبرام صفقة مؤقتة مع الموساد للعفو عنها، لكن ينتهي الموسم نهاية مفتوحة دون حسم مصير تامار.

والملفت للنظر هو قبول عدد غير قليل من الممثلين والفنيين ذوي الأصول الإيرانية المشاركة في المسلسل الذي أنتجته شركات وهيئات إسرائيلية معروفة، أبرزهم شيرفين الابياسي الذي جسد دور ميلاد، وهو ممثل بريطاني من أصول إيرانية، وكان حرص إسرائيل على الاستعانة بإيرانيين لسبب معلن هو منح المسلسل مصداقية ثقافية ولغوية، خاصة أن جمهور Apple TV+ عالمي، ولن يقبل بنسخ سطحية من الثقافة الإيرانية، أما السبب الحقيقي والخفي فهو إظهار الانقسام داخل المجتمع، باعتبار أن وجود شخصيات إيرانية يضفي مصداقية ضمنية على السردية الإسرائيلية في العمل.

بطلة المسلسل هي نيف سلطان وهي إسرائيلية، والداها من إحدى الدول العربية وهاجرا إلى إسرائيل قبل ولادتها، والتحقت بالعمل في التمثيل بعد فراغها من أداء الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي، وشاركت في عدة أعمال درامية محلية محدودة التأثير قبل مسلسل “طهران” الذي كان نقطة تحول مهمة في مشوارها الفني، وساعدتها جديتها في التعامل مع الدور إلى درجة أنها تعلمت اللغة الفارسية خصيصا ما أكسبها ثناء نقديا.

ومن التفاصيل الظاهرة في المسلسل أيضا أن مؤلفيه موشي زوندر وعمري شيندار، لم يسعيا بقصد أو بدونه إلى تقديم الموساد في صورة ملائكية، وإنما على العكس تسرب إلى المشاهدين شعور بالتعاطف مع العميلة المتمردة، لا مع الجهاز الذي يستخدمها ويظهر أنه بلا رادع أخلاقي، كما أن سيناريو المواسم الثلاثة فتح الباب لأسئلة عميقة مثل هل يمكن قتل أشخاص أبرياء لأجل هدف سياسي؟ وهل يحق للمخابرات التضحية بعلاقات حقيقية لأجل نجاح العملية؟ وهل المجرم هو النظام الذي يضطهد شعبه، أم الجهاز الذي يستهلك عملائه دون شفقة أو رحمة ولا يتعامل معهم باعتبارهم بشرا؟

لكن في المقابل ركز العمل على ترويج السردية الإسرائيلية في ما يخص الصراع المفتوح والمستمر مع إيران، وهي أن تل أبيب والموساد لديهما أذرع قوية وطويلة داخل كل مدينة وربما كل بيت في إيران، فضلا عن ربطها في أذهان المشاهدين في الغرب تحديدا بالخطر النووي والاستبداد، ووفقا لهذا المنظور يمكن اعتبار المسلسل نجح نسبيا في تعبيد العقول الغربية لتفهم الهجوم الإسرائيلي الأخير الذي استهدف عددا من القادة العسكريين وعلماء البرنامج النووي.

13