الخدمات تطغى على هموم المهنة في انتخابات نقابة الصحافيين المصريين

مع صعوبة الوضع الاقتصادي في مصر باتت المنافسة الانتخابية في نقابة الصحافيين تتركز على الخدمات وتحسين الأجور فيما انزاحت قضايا المهنة إلى المرتبة الثانية في معركة انتخابية شهدت استقطابا سياسيا حادا.
القاهرة - يتوجه الصحافيون المصريون اليوم الجمعة لاختيار نقيب جديد و6 أعضاء في انتخابات التجديد النصفي التي تجرى كل عامين، والتي تشهد مشاركة 51 مرشحا يمثل العدد الأكبر في تاريخ النقابة، بينهم 43 مرشحا للعضوية، مقابل 8 مرشحين لمنصب النقيب، يبرز منهم النقيب الحالي خالد البلشي المحسوب على تيار اليسار، وعبدالمحسن سلامة النقيب الأسبق الذي يصفه مؤيدوه بأنه مرشح الحكومة.
وأبرز ما يلفت الانتباه في الانتخابات الحالية، تركيز معظم المرشحين على الجانب الخدمي مقابل الغياب شبه الكلي لكل ما يخص قضايا المهنة، وهو ما رآه البعض متناسقا مع أحوال الصحافة والصحافيين المصريين في السنوات الأخيرة، حيث يعاني أغلبهم من تدني الدخل مقابل الارتفاع الكبير في أسعار كل السلع والخدمات، وبات معظم الصحافيين مهمومين بالبحث عن “لقمة العيش” أكثر من انشغالهم بالهموم المهنية، إلى درجة جعلت بعضهم يرفع شعار أنه سيختار من يتبنى بند تحسين الأجور.
وتزامن ذلك مع التراجع الواضح في نسب طباعة وتوزيع الصحف وانصراف القراء عنها إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي منحتهم الفرصة ليس فقط لمتابعة الحدث الواحد من أكثر من زاوية، وإنما للمشاركة فيه بالرأي والتحليل، إلى جانب غياب الرقابة عما ينشر فيها بخلاف الصحف التقليدية التي غابت عنها في السنوات الأخيرة التغطيات الجادة والموضوعات التي تهم المواطنين.
التنافس على منصب نقيب الصحافيين يشهد معركة يمكن أن تكون الأشرس منذ فترة، دون استبعاد حدوث عنف
ويقدّر المراقبون أن يشهد التنافس على منصب النقيب معركة يمكن أن تكون الأشرس منذ فترة، دون استبعاد حدوث عنف، نظرا لعملية الاستقطاب الواسعة التي شهدتها الفترة السابقة على موعد الانتخابات، وتورط أفراد يعملون في الحملة الانتخابية للمرشحين في تجاوز الحدود الأخلاقية للهجوم على المرشح المنافس ومؤيديه، بما في ذلك التشهير والتشكيك في الذمة المالية بجانب اتهامات بالكذب والتدليس.
ويتخوف البعض من تكرار إخفاق المرشح المدعوم من الحكومة للمرة الثانية على التوالي، بعدما أخفق خالد ميري رئيس تحرير جريدة الأخبار السابق في الانتخابات التي جرت في مارس 2023 أمام البلشي نفسه، وهو إخفاق لم يحدث من قبل سوى مرة واحدة في بداية القرن الحالي، حين تكرر فوز جلال عارف الصحافي الناصري عامي 2003 أمام صلاح منتصر، و2005 أمام إبراهيم حجازي، وكلاهما كان مدعوما من نظام الرئيس الراحل حسني مبارك.
ووفقا لهذا المفهوم لن تكون المعركة الحقيقية بين سلامة والبلشي، وإنما بين الأفكار التي يمتلكها كل منهما، حيث يقدم البلشي نفسه باعتباره رمزا للتيار المدافع عن استقلال النقابة، واحتفاظها بمسافة أمان تحميها من أي تدخل حكومي، حتى لو كان المقابل خسارة بعض المنح والميزات التي توفرها لأعضائها، بينما يتصدر سلامة فريقا يريد جسر المسافة مع الحكومة، أملا في الحصول على المزيد من المنح والمزايا منها، ولا يرى معظم المنتمين إلى هذا الفريق مانعا من تعديل قانون النقابة بما يسمح بالمزيد من الهيمنة الحكومية عليها، وهي المهمة التي سعت حكومات سابقة لتنفيذها منذ تسعينات القرن الماضي دون أن تنجح في ذلك.
وركزت حملة عبدالمحسن على المزايا الاقتصادية التي يستطيع توفيرها للصحافيين بحكم علاقته القوية بالحكومة، مثل العمل على زيادة بدل التكنولوجيا، الذي تدفعه الدولة شهريا لأعضاء النقابة، وتوفير عدد من الشقق السكنية والأراضي لتوزيعها على أعضاء الجمعية العمومية، فضلا عن وعده بإحياء مشروع قديم لإنشاء مستشفى خاص بالصحافيين، ومد مظلة البدل النقدي لتشمل أعضاء النقابة ممن يعملون كمراسلين لصحف أجنبية.
ويعتمد سلامة على تأييد صحافيي الصحف القومية خصوصا بعدما نجح في حشد رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير تلك الصحف القومية معه، لكن هناك من يرى أن ذلك الدعم يعكس قراءة غير دقيقة للمشهد الانتخابي، لأن نسبة الصحافيين العاملين في تلك الصحف حاليا أقل بكثير من نسبة زملائهم ممن يعملون في الصحف الخاصة والحزبية، ما يعني أن الرهان عليهم وخسارة تأييد الآخرين رهان غير موفق قد يكلفه مقعد النقيب.
ولجأت حملة خالد البلشي إلى إبراز نجاحه في إعادة الروح للنقابة بعدما أخليت من المقاعد وأماكن الجلوس طوال السنوات الستة التي سبقت نجاحه لأسباب مختلفة، بجانب مساعيه لدى الجهات المعنية في الدولة لمحاولة الإفراج عن الصحافيين المحبوسين من أعضاء النقابة، كما تحدثت عن أنه لم يسع لتحقيق أي استفادة شخصية من منصبه النقابي بعكس آخرين استغلوا المنصب لتولي رئاسة مجلس إدارة أو رئاسة تحرير في الصحف التي يعملون بها.
في مقاعد العضوية تجاهلت برامج المرشحين الحديث عن المشكلات والتحديات الحقيقية التي تواجهها المهنة، وغابت قضايا مثل الحريات وإلغاء الحبس في قضايا النشر
وأبرز الاتهامات الموجهة له أنه يمثل تيار اليسار الذي يريد اختطاف النقابة من دورها الخدمي إلى القيام بدور سياسي يخدم التيار الذي ينتمي إليه، وهو اتهام رد عليه مؤيدو البلشي بأن العديد من الصحافيين اليساريين والناصريين سبقوه لتولي منصب النقيب ولم يختطف أحد منهم النقابة لخدمة تياره، وأن البعض لا يعي الفرق بين الحرص على استقلال النقابة وبين اختطافها الذي يمكن أن يكون لصالح الحكومة مثلما يريد مرشحها وليس بالضرورة أن يكون في الاتجاه المعاكس لها.
وفي مقاعد العضوية تجاهلت برامج المرشحين الحديث عن المشكلات والتحديات الحقيقية التي تواجهها المهنة، وغابت قضايا مثل الحريات وإلغاء الحبس في قضايا النشر، وافتقاد الشفافية وتمكين الصحافيين من الحصول على المعلومات، وتحول الصحافة الرسمية إلى صحافة بيانات، تكتفي بنشر ما يصدر عن الوزارات والجهات المختلفة من بيانات صحفية دون التحقق منها أو التدقيق أو حتى متابعتها بحسب ما تقتضيه القواعد المهنية.
وبدلا من ذلك استغل المرشحون المعاناة المادية للصحافيين لتقديم خدمات ومزايا مغرية مع وعود بالمزيد في حالة نجاحهم، وتنوعت تلك الخدمات ما بين تخفيضات في المواصلات العامة وقطارات السكك الحديدية، مرورا بتوفير عروض لشراء سلع معمرة وأجهزة كمبيوتر محمول بالتقسيط المريح، والاتفاق مع بعض البنوك لمنح الناخبين قروضا بشروط ميسرة، ووصل الأمر ببعض المرشحين إلى تقديم وعود بجلب فرص عمل للصحافيين أعضاء النقابة.