نواب يعيدون الجدل بشأن المهاجرين غير الشرعيين في تونس

أعاد نواب برلمانيون في تونس الجدل بشأن ملف الهجرة غير الشرعية الذي ما زال يؤرق السلطة والمواطنين، عبر تقديم حزمة من المقترحات لمعالجة الظاهرة، أبرزها، منع إسناد الجنسية التونسية للمهاجرين المقيمين بصفة غير شرعية.
تونس - يعتزم عدد من نواب مدينة صفاقس، جنوب شرق تونس، التقدم بمقترحات برلمانية، في مسعى لإيجاد حلّ لانعكاسات ظاهرة الهجرة غير الشرعية بالجهة، وخصوصا بمنطقتي العامرة وجبنيانة.
ودعّم مراقبون سياسيون مبادرة النواب، لكنهم حثوا على أن تراعي المبادرة التزام تونس بالمواثيق الدولية، وألا تتحول إلى غطاء لمعاداة الأجانب والتحريض عليهم في وقت يفترض فيه معالجة تداعيات هذه الأزمة بهدوء وقطع الطريق أمام خطاب العنصرية الذي يسيء إلى تونس.
وأعلن النائب بمجلس نواب الشعب عن جهة صفاقس، طارق مهدي، أن نواب صفاقس يعتزمون التقدم بجملة من المقترحات لرئاسة المجلس، تتعلق بالمهاجرين المقيمين بصفة غير شرعية على التراب التونسي، خاصة الأفارقة من دول جنوب الصحراء المتواجدين في منطقتي جبناينة والعامرة.
وأكد النائب، في تصريح لوكالة الأنباء التونسية، الاثنين، أن من بين المقترحات المقدمة: منع إسناد الجنسية التونسية للمهاجرين المقيمين بصفة غير شرعية، حتى لو كانت ولادتهم في تونس، وكذلك منعهم من تملك الأراضي غير المسجلة أو إجراء أيّ عمليات عقارية على التراب التونسي، إلى جانب سن قانون لحماية القوات الأمنية والعسكرية الحاملة للسلاح أثناء أدائهم لمهامهم في مكافحة الهجرة غير النظامية.
وأضاف مهدي أن هناك العديد من المقترحات الأخرى التي سيتم تدارسها من قبل جميع النواب، قبل عرضها على رئاسة المجلس وإحالتها إلى اللجان المختصة للنظر فيها.
وزار عدد من نواب مجلس نواب الشعب، يتقدمهم نواب صفاقس، منطقتي جبنيانة والعامرة، حيث تحدثوا مع عائلات تضررت من تواجد عدد من المهاجرين غير الشرعيين.
وقد أكد النائب طارق مهدي أن هذه الزيارات الميدانية ساهمت في فهم حجم المشكلة ووضع مقترحات عملية لمعالجتها.
وتونس ملزمة باتفاقيات موقعة مع الاتحاد الأوروبي بكبح موجات الهجرة المنطلقة من سواحلها مقابل حوافز اقتصادية ومالية.
وأفاد المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني “ظاهرة الهجرة غير الشرعية في تونس أصبحت محل جدال حول حقول الإنسان،” معتبر أن “الحلّ يكمن في تسوية وضعيات المهاجرين، بالترحيل وتطبيق القانون.”
واستطرد خليفة الشيباني في تصريح لـ”العرب” أن “هؤلاء دخلوا إلى البلاد وهم ضحايا الاتجار بالبشر.”
وتشهد مدينتا العامرة وجبنيانة المتجاورتين في ولاية صفاقس حضورا لافتا للمهاجرين جنوبي الصحراء في المزارع والضيعات.
ويفد هؤلاء على المنطقة في الغالب من أجل عبور المتوسط نحو الجزر الإيطالية القريبة، لكن يؤدي بقاؤهم لفترات طويلة دون عمل وأفق واضح، إلى توترات مع السكان المحليين.
ويعتبر السكان في صفاقس ونشطاء حقوق الإنسان أن الاتفاقيات تسببت في انتهاكات ضد المهاجرين وفي صدامات مع المجتمعات المحلية.
وقال المحلل السياسي المنذر ثابت “في الوضع الراهن هنالك دور أساسي للدبلوماسية التونسية، من خلال تحريك العواصم الأوروبية والتحرك في اتجاه البلدان المصدرة للهجرة غير الشرعية نحو تونس ثم نحو أوروبا، تقود مرة أخرى نحو ضرورة تنظيم مؤتمر دولي في تونس حول ظاهر ة الهجرة، وينتهي باتفاقيات ملزمة للدول في التعاطي مع الظاهرة.”
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “هناك حقّا سياديا لتونس في الترحيل، ولا بد من حلّ حتى لا يبقى الملف موضوع ضغط، كما أن هنالك جانبا أمنيا، والأمن مطالب ببسط نفوذه في كل شبر من التراب التونسي.”
ودعا المنذر ثابت إلى “ضرورة إنفاذ القانون في الفضاء العام وهو أمر موكول إلى السلطة،” لافتا إلى أنه “منطقيا وقانونيا، من لا يملك صفة قانونية، لا يحقّ له الملكية ولا الشغل في تونس” مشيرا إلى أن “مقترح النواب وجيه، حتى لا تتحول تونس إلى أرض توطين.”
وسبق للرئيس التونسي قيس سعيد أن قال إن “تونس تحترم القيم والقواعد، مبينا أن الذين يدخلون إلى تونس بطريقة غير شرعية يتم إنقاذهم ويُعاملون معاملة إنسانية أفضل عشرات المرات من معاملة دول أخرى.”
وتطرق سعيد وفق مقطع نشرته الرئاسة إلى مسألة الاتجار بالأشخاص ومحاولات الإساءة إلى تونس، مضيفا بالقول “يريدون تلقيننا دروسا من عواصمهم.” مشددا على أن “تونس نجحت بالمقاييس الأخلاقية في التعامل مع المهاجرين غير النظاميين.”
ووفق إحصائيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، هناك أكثر من 9 آلاف لاجئ وطالب لجوء من المسجلين حاليا لدى مكتب المفوضية في تونس ينحدرون من جنوب الصحراء والقرن الأفريقي وبعض دول الشرق الأوسط. ويصل أغلبهم إلى تونس برّا أو جوا من البلدان المجاورة.
وكثفت إيطاليا والاتحاد الأوروبي تنسيقهما مع تونس لكبح التدفقات من سواحلها، مقابل حوافز مالية واقتصادية، لكن أعدادا كبيرة من المهاجرين انتشرت وسط الحقول والغابات وفي عدة أحياء سكنية بمعتمدية العامرة التابعة لولاية صفاقس ما تسبّب في توترات مع السكان المحليين.
وتم في 16 يوليو 2023، توقيع “مذكرة تفاهم” بين تونس والاتحاد الأوروبي حول “شراكة إستراتيجية وشاملة”، وتهم بالأساس ملف الهجرة غير النظامية. وقد قام بتوقيعها الرئيس التونسي قيس سعيّد ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.
وطالت مذكرة التفاهم العديد من الانتقادات على الصعيد الحقوقي في تونس، واعتبر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أنّ هذه المذكرة “خطيرة وتكرس دور الحارس والسجان،” وفق توصيفه، كما انتقد المنتدى مرارًا ما أسماها توجهات “إيطاليا لجعل تونس نقطة ساخنة لتجميع المهاجرين” وهو ما رفضه العديد من النشطاء الحقوقيين أيضًا.
وتراهن تونس على العودة الطوعية للمهاجرين غير النظاميين نحو بلدان الانطلاق، وذلك بعد تشديد الرقابة على الحدود البحرية مع أوروبا، في مسعى لاحتواء الأزمة.