قلة الأمطار لا تؤثر على خطط تونس للحبوب

تونس اختارت خوض تحدي تعزيز أمنها الغذائي بخطة تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي مهما كانت الظروف، وخاصة من مادة القمح بنوعيه اللين والصلب اعتبارًا من الموسم الحالي.
الاثنين 2024/09/16
قيمة الحبوب في تونس متعددة الأوجه

تبدو تونس عاقدة العزم على ضمان تعبئة مخازن حبوبها بداية العام المقبل، وهي مساع تؤكد أن الدولة تملك في جعبتها ما يكفي من الخيارات من أجل تأمين غذاء السكان، رغم أن واقع سياساتها الزراعية لا يثبت لنا دومًا أنها فعالة، في خضم تحديات الجفاف، وتوفير التمويل اللازم لتوريد كميات من الخارج لتغطية استهلاك سنوي يبلغ 3.4 مليون طن من القمح والشعير.

نظرًا لأن زراعة الحبوب تعتمد في الغالب على الأمطار، فقد يختلف إنتاج المحاصيل بشكل كبير من عام لآخر. وتسلط جهود الدولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من هذه المحاصيل، على الرغم من التساقطات المحدودة، الضوء على التزام إستراتيجي بتعزيز الأمن الغذائي. ويمكن تقييم ذلك من زوايا متعددة، لعل من أبرزها القيمة الاقتصادية المضافة، وشكل التنمية الزراعية ومسارها المليء بالتعقيدات، وأيضًا الأهمية الإستراتيجية لمجال يفترض أن يكون أقوى مما هو عليه الآن.

وإذا كانت الدولة قد نجحت في الماضي في إدخال واعتماد سياسات قوية مكنت من بناء مجالات فلاحية مختلفة تسهم في تحقيق قدر معين من الاكتفاء الذاتي الغذائي، فإن هذه التوجهات اليوم قد وصلت إلى حدودها. فتغير المناخ، الذي يتزايد، ما يؤدي إلى تكرار نوبات الجفاف، يضعف أنظمة الإنتاج الزراعي، ولم يعد تكثيف الإنتاج خيارًا فقط، بل ضرورة حتمية لمواجهة الاحتباس الحراري، وامتصاص صدمات أخرى خارجية بفعل ما يحصل من توترات في مناطق الإنتاج الرئيسية عالميًا.

◄ الانتقال من الزراعة المكثفة إلى الزراعة المستدامة، القادرة على الصمود، ليس مهمًا فقط من أجل مواجهة تغير المناخ، ولكن أيضًا في مواجهة عدم استقرار الأسعار الدولية

لذا حددت وزارة الفلاحة مسار سياسات مختلفة تركز على ترشيد استهلاك المياه والبحث العلمي، مع التركيز على الزراعة المستدامة والمرنة. فقيمة الحبوب في تونس متعددة الأوجه، وتشمل المدخرات الاقتصادية والأمن الغذائي والتقدم الزراعي والفوائد الاجتماعية أيضًا. ويعكس التزام الحكومة بزيادة إنتاج الحبوب على الرغم من هطول الأمطار المحدود، أهميتها الإستراتيجية في التنمية والاستقرار.

من أجل تحقيق أهداف هذه الإستراتيجية الجديدة لا بد من توفر شرطين أساسيين، الأول الوسيلة، والثاني الإرادة. ففي الماضي كانت الوسائل متوفرة، لكن إرادة الإصلاح لم تكن موجودة. فقد ضيعت الدولة العديد من الفرص لإنعاش زراعتها، التي كان من الممكن أن تكون أكثر كفاءة وأقل هشاشة. واليوم، الرغبة في العمل وإصلاح وإنقاذ القطاع، بما يتضمنه من مجال رئيس، ألا وهو إنتاج الحبوب، هي السمة الطاغية لصناع القرار السياسي.

بالتالي يمكن أن نستشف أن قلة تساقط الأمطار لن تؤثر على خطط البلاد لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب هذا الموسم، فبعدما تجاوز المحصول التوقعات خلال الموسم الماضي، والتي تخطت 6.7 مليون قنطار (670 ألف طن)، تشجع السلطات على توسيع المساحات المخصصة للإنتاج، حيث يتم التخطيط لزراعة أكثر من مليون ومئة ألف هكتار مقابل 972 ألف هكتار من 1.19 مليون هكتار كان من المخطط أن تتم زراعتها في 2023 – 2024.

صحيح أن البلد المثقل بالديون والذي يواجه أزمة اقتصادية يسعى إلى توفير المال من خلال تقليل الواردات، وقد نجحت الحكومة في ذلك بحسب ما تظهر الإحصائيات الرسمية على مدار 18 شهرًا الماضية، لكن تونس اختارت خوض تحدي تعزيز أمنها الغذائي بخطة تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي مهما كانت الظروف، وخاصة من مادة القمح بنوعيه اللين والصلب اعتبارًا من الموسم الحالي.

انطلاقًا من الحملة القادمة، سيكون الهدف هو زيادة المساحات المزروعة بالقمح والشعير بنسبة 17 في المئة، وسيؤدي ذلك إلى تخصيص أكثر من 200 ألف هكتار إضافية للمحصول، ليصل مجموع الهكتارات المزروعة من القمح إلى 646 ألف هكتار، والشعير بنحو 517 ألف هكتار. ويندرج هذا القرار في إطار خطة إجراءات أطلقتها الحكومة مؤخرًا لتشجيع الفلاحين على إنتاج المزيد.

◄ إذا كانت الدولة قد نجحت في الماضي في إدخال واعتماد سياسات قوية مكنت من بناء مجالات فلاحية مختلفة تسهم في تحقيق قدر معين من الاكتفاء الذاتي الغذائي، فإن هذه التوجهات اليوم قد وصلت إلى حدودها

تنص الخطة كذلك على توفير 300 ألف قنطار (30 طنا) من البذور المختارة، مقابل 21 طنًا في الموسم الماضي، مع ضمان توفير الأسمدة العضوية بتوفير 415 ألف طن للمزارعين. كما تم تضمين الأنشطة الاستشارية والمعلوماتية للمنتجين وتطوير سعة التخزين في خارطة الطريق الحكومية. ولكن لنجاح المخطط تحتاج الجهات المعنية الاستجابة سريعًا لمطالب المزارعين، وخاصة الصغار منهم، بمساعدتهم في استبدال معداتهم التي أصبحت قديمة.

من المهم أن يتم دعم هذه الخطط بإجراءات لتحسين إدارة المياه، وتعزيز تقنيات الزراعة المستدامة، والتكيف مع التغيرات المناخية لضمان استمرارية النجاح في المستقبل، لأن أي تقدم يتم إحرازه في تنمية هذا المجال يمكن أن يؤدي إلى تحسينات في تقنيات الإنتاج، وإدارة أفضل للأراضي، والتقدم في توفير أصناف محاصيل مقاومة للجفاف.

إن الانتقال من الزراعة المكثفة إلى الزراعة المستدامة، القادرة على الصمود، ليس مهمًا فقط من أجل مواجهة تغير المناخ، ولكن أيضًا في مواجهة عدم استقرار الأسعار الدولية والأزمات الدولية المتعاقبة. إذ من الضروري أن تكون هذه الزراعة شاملة كذلك، فلا يمكن ترك صغار المزارعين الذين يمثلون أكثر من 90 في المئة من إجمالي المنتجين، يواجهون مشاكلهم دون دعم مستمر، بما يتيح لكافة الفاعلين التخطيط للمستقبل بشكل جيد، في إطار ترسيخ زراعة حبوب أكثر استقرارًا.

8