الانفتاح التونسي المؤجل مع أفريقيا

عدم الوعي بالفرص الاقتصادية المهملة يعكس الخلل في دائرة صنع القرار السياسي أو الاقتصادي أو حتى من هم في إدارة التنفيذ، ولذا هناك حاجة ماسة لمناقشة هذه المسائل وتفكيكها ثم تطبيقها.
الاثنين 2024/07/08
متى تطلق الدولة التونسية قطار الانفتاح

تحمّس تونس لتوسيع علاقتها مع بلدان أفريقيا مهم من الناحية السياسية والاقتصادية، وهي عملية لا يمكن ترجمتها إلا من خلال نشاط دبلوماسي دؤوب ظل أحد الشعارات ذات الأولوية للانخراط في سياسة تنويع الشركاء منذ زمن بعيد. هذا التحمس الفاتر الذي نلمسه من المسؤولين يمكن ملاحظته في الأرقام الضعيفة للتعاون الثنائي أو في إطار التكتلات التجارية الإقليمية، التي انضمت إليها الدولة تحت يافطة الانفتاح التجاري باعتباره جزءا رئيسيا من إستراتيجيتها الاقتصادية الخارجية.

أفريقيا تشكل ساحة واعدة للاقتصاد التونسي في حال تمكنت الحكومة ومنظمات الأعمال، مثل الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، من فك شفرات الدخول إلى أسواقها. وحتى تحقق هذا المبتغى رسمت السلطات لنفسها خطة طويلة الأمد تقوم على اعتماد خيار الدبلوماسية الاقتصادية لدعم التبادل التجاري وتعزيز قطاعي الصادرات والاستثمار الأجنبي مع التعويل على مجتمع المستثمرين لكسب الرهان.

شهدت قيمة مبادلات الطرفين تطورا حسب ما أكدته وزيرة التجارة كلثوم بن رجب أثناء منتدى لقاءات الأعمال الأفريقية – التونسية ضمن فعاليات ملتقى كوميسا للاستثمار 2024 المنعقد مؤخرا في تونس، والتي تجاوزت 650 مليون دولار العام الماضي، وهو ما يعكس توجها لتعزيز التعاون المشترك ورفع قيمة تبادل السلع بعدما كشفت الدولة في 2017 أنها تريد أن يبلغ سنويا المليار دولار.

◄ مخاض إصلاح الوضع الداخلي، بما يتضمنه من تحديات مثل البطالة والفقر، والذي يعيق القدرة على التركيز بشكل كامل للتطوير الخارجي، له أهمية بالغة بقدر أهمية القضايا الأمنية والسياسية

هذا التطور، الذي قفز من 320 مليون دولار في 2010 إلى نصف مليار دولار في الأعوام بين 2014 و2016، يواجه صعوبات كثيرة ويظل بطيئا ومن الواضح أن عوامل كثيرة تعيقه. وهذا يحيلنا إلى التساؤل بشأن هذا التعثر ومن المسؤول عنه إذا كانت النية الأساسية هي اعتماد المرونة وتنويع الشركاء التجاريين خاصة بعدما شهدت أفريقيا اهتماما وتنافسا من القوى العظمى خلال عشرين سنة خلت.

بعد عقد من فوضى الربيع العربي عانت تونس من ارتفاع معدل البطالة وانخفاض الديناميكية الاقتصادية، ولتحقيق النمو اعتمدت البلاد على مبادرات القطاع الخاص لتحسين قدرتها التنافسية على المستوى الدولي. وفي الواقع، مع وجود سوق محلية صغيرة نسبيا، يعتمد الاقتصاد المحلي بشكل كبير على صادراته من السلع والخدمات إلى جانب تحويلات المغتربين والسياحة.

لقد اقتصرت هذه التجارة على عدد قليل من المناطق الجغرافية، ففي العام الذي سبق تفشي الوباء استوعبت منطقة حوض المتوسط ​​ثلاثة أرباع الصادرات التونسية، في حين كانت 3 في المئة فقط متجهة إلى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى التي شهدت نموا ملحوظا في السنوات الأخيرة مع أن هناك شركات تونسية تتمتع بميزة واضحة من حيث القدرة التنافسية في بعض القطاعات مثل تكنولوجيات المعلومات والاتصال والصحة والأغذية الزراعية وتقدم منتجات وخدمات ذات جودة عالية.

أسباب كثيرة تسهم في عدم تسجيل تقدم في النمو التجاري بين تونس وقارتها على الأقل خلال السنوات الخمس الأخيرة، ولعل من أهمها ارتدادات أزمتي كورونا وحرب أوكرانيا، فتونس من الدول الكثيرة في أفريقيا المحدودة المداخيل، التي من السهل أن تتعرض لصدمات خارجية وتتأثر بها. وهذا أمر مفهوم بيد أنه يؤكد هشاشة دعائم الاقتصاد التونسي بالأساس.

أيضا، قلة السفارات والبالغة بحسب البيانات الرسمية 12 فقط في قارة تضم 54 دولة، ما انجر عنه ضعف في الدبلوماسية الاقتصادية، حتى لو وضعنا في عين الاعتبار أن الدولة اتبعت هذا الأسلوب للتقشف في ميزانيتها المخصصة لوزارة الخارجية نتيجة الأزمة الحالية، أو ربما لاقتناع المسؤولين بعدم جدوى الوصول إلى بعض الأسواق لمبررات مختلفة.

◄ أفريقيا تشكل ساحة واعدة للاقتصاد التونسي في حال تمكنت الحكومة ومنظمات الأعمال، مثل الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، من فك شفرات الدخول إلى أسواقها

تشكو علاقات تونس مع دول القارة من غياب اتفاقيات جمركية ثنائية إذا استثنينا السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (كوميسا) التي انضمت إليها في 2018، وبدء تفعيل انضمامها إلى منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (زيليكاف) في 2023، كما تعاني من نقص في الربط الجوي والبحري، وكذلك لا توجد فروع لبنوكها في أسواق أفريقيا جنوب الصحراء، والتي بإمكانها تسهيل المعاملات المالية والتجارية. وقد تكون البنية التحتية اللوجستية غير كافية لتسهيل حركة البضائع ما يزيد من تكاليف النقل ويقلل من جاذبية التجارة.   

القيود والقوانين قد تشكلان عقبتين أخريين أمام تنمية التجارة، كالبيروقراطية المحاطة برسوم الاستيراد التي قد تفرضها أي دولة لسبب طارئ، مما يترتب عليه التبادل غير المتكافئ فيما يتعلق بمجموعة من المنتجات، الأمر الذي يقلص فرص نمو التعاملات، ناهيك عن أن قلة التنوع لها دور، فالاقتصاد التونسي ربما يعتمد على قطاعات معينة من الصادرات والواردات، وبالتالي يزيد من الضعف التنافسي في أسواق القارة، التي ربما تفضل منتجات أخرى من دول أفريقية أو حتى من أوروبا أو الصين أو الولايات المتحدة.

لا يمكن إغفال أن عدم الوعي بالفرص الاقتصادية المهملة أو غير المستغلة يعكس الخلل في دائرة صنع القرار السياسي أو الاقتصادي أو حتى من هم في إدارة التنفيذ، ولذا هناك حاجة ماسة لمناقشة هذه المسائل وتفكيكها ثم تطبيقها، وعلاوة على ذلك فإن مخاض إصلاح الوضع الداخلي، بما يتضمنه من تحديات مثل البطالة والفقر، والذي يعيق القدرة على التركيز بشكل كامل للتطوير الخارجي، له أهمية بالغة بقدر أهمية القضايا الأمنية والسياسية.

فمتى تطلق الدولة التونسية قطار الانفتاح المؤجل مع أفريقيا، والذي قد يكون نقطة ربط مهمة في عالم اقتصادي لا أحد يمكن أن يتوقع انتهاء تقلباته؟

8