السلطات التونسية تقيل مسؤولين أمنيين بعد فرار إرهابيين من السجن

عدم وضوح تفاصيل عملية الهروب في انتظار نتائج التحقيقات يفتح الباب للتأويلات من بينها وجود تواطؤ داخلي سهل عملية الفرار.
الخميس 2023/11/02
الأمن التونسي في مواجهة مخاطر الإرهاب من جديد

تونس - أقالت السلطات التونسية، مساء الثلاثاء، ثلاثة من كبار المسؤولين الأمنيين، على خلفية فرار خمسة عناصر إرهابية مصنّفة خطيرة من سجن المرناقية غرب العاصمة تونس.

وأثارت عملية فرار الإرهابيين تساؤلات عدة حول وجود اختراقات في أجهزة الأمن ساهمت وسهلّت عملية هروبهم، وسط دعوات تطالب بفتح تحقيق.

ولم تتضح بعد تفاصيل عملية الهروب في انتظار نتائج التحقيقات، ما يفتح الباب للتأويلات من بينها وجود تواطؤ داخلي سهل عملية الفرار.

وقالت وزارة الداخلية التونسية في بيان إنه “تقرر إنهاء مهام كل من المدير العام للمصالح المختصة والمدير المركزي للاستعلامات العامة التابعين للإدارة العامة للأمن الوطني”.

وأفادت الداخلية في منشور على صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك بأنه “تم إشعارها من قبل إدارة السجن المدني بالمرناقية بفرار خمسة عناصر خطيرة محل أحكام سجنية تتعلق بقضايا إرهابية من السجن المذكور فجر الثلاثاء الحادي والثلاثين من أكتوبر”.

وتابعت أنه “تم تحسيس جميع الوحدات الأمنية بضرورة تكثيف البحث والتقصي والتفتيش السريع والأكيد قصد القبض عليهم في أقرب الآجال”، داعية كافة المواطنين عند مشاهدتهم أو الحصول على أي معلومات تخصهم التوجه إلى أقرب وحدة أمنية للإبلاغ عنهم أو الاتصال بالأرقام الهاتفية الموضوعة للغرض.

كما أعلن رمزي الكوكي، الناطق الرسمي باسم الهيئة العامة للسجون والإصلاح، أن وزيرة العدل ليلى جفال “قررت إعفاء مدير السجن المدني بالمرناقية من مهامه”.

ومساء الثلاثاء، أعلنت وزارة الداخلية فرار 5 إرهابيين من سجن المرناقية، أكبر سجون تونس وأكثرها حراسة، في حادثة نادرة الوقوع، أثارت جدلا واسعا وتساؤلات بشأن طريقة هروبهم.

والفارّون الذين يواجهون عقوبات سجنية تتراوح بين الإعدام والسجن المؤبّد والأشغال الشاقة، هم من أخطر العناصر الإرهابية الموقوفة، بعد ثبوت تورطهم في عدّة أعمال من بينها جريمة اغتيال المعارضين السياسيين شكري بلعيد ومحمد براهمي عام 2013، ومواجهة قوات الأمن بالسلاح وتهديد أمن البلاد.

وأعلنت الوزارة أنّه تم استنفار جميع وحداتها الأمنية من أجل تكثيف البحث والتقصي والتفتيش السريع عن الفارّين، بهدف القبض عليهم في أقرب وقت ممكن، كما نشرت صورهم ودعت المواطنين إلى الإبلاغ عن أي معلومات يمكن أن تساعد في عملية اعتقالهم.

المنذر ثابت: العملية وظفت الكثير من الأموال ولها علاقة بملف الإرهاب
المنذر ثابت: العملية وظفت الكثير من الأموال ولها علاقة بملف الإرهاب

وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت بأن “الإقالة إجراء روتيني نمطي في مثل هذه الحالات، كما تتم التضحية بصفة مباشرة بمن لهم علاقة بالملف، وما حصل هو إخلال في جهاز المخابرات ما جعل كل هذه العملية بخطورتها تحصل دون دراية أو علم”.

وقال لـ“العرب” إن “الموضوع يتعلق بإصلاح المنظومة الأمنية، لأنه اتضح أنه يوجد إشكال منذ سنة 2011 ولم تطرح بعد آليات عمل المخابرات”، لافتا “هي عملية تهريب ومن غير الممكن فرار خمسة عناصر مصنفة إرهابية من سجن عالي الحراسة دون تواطؤ، وفي كل الحالات هناك إخلال بآلية الحراسة”.

وأضاف ثابت “من الواضح أنها عملية وظفت الكثير من الأموال وهي مركبة ولها علاقة بملف الإرهاب ونشاط الجماعات الإرهابية.. هي إعلان حرب ضدّ السلطة ورسالة قويّة موجّهة لمن يمسكون الحكم بأننا يمكن أن نطال الدولة في المواقع الأكثر حراسة”.

واستطرد “ليس بالضرورة عملية محلية وقد يكون خطّط لها منذ فترة طويلة”.

ومن بين العناصر الإرهابية التي هربت من سجن المرناقية أحمد المالكي المكنى بـ”الصومالي” الذي يقضي عقوبة بالسجن لـ24 عاما بعد إدانته في أحداث روّاد التي وقعت في فيفري 2014 عندما اشتبكت مجموعة إرهابية متحصّنة داخل منزل مع قوات الأمن وأسفرت العملية عن مقتل 7 إرهابيين.

كما خضع الصومالي للتحقيق بشبهة تورطه في اغتيال السياسي المعارض محمد براهمي في العام 2013 وتم خلالها القبض على أربعة عناصر إرهابية وحجز كمية من الأسلحة من بينها سلاح رشّاش، بالإضافة إلى عدد من الوثائق والهواتف الجوّالة والشرائح.

حاتم المليكي: العملية تطرح تساؤلات بشأن طبيعة التهديد الحقيقي لتونس
حاتم المليكي: العملية تطرح تساؤلات بشأن طبيعة التهديد الحقيقي لتونس

أما رائد التواتي، أحد الفارين الآخرين، فهو متهم بذبح شرطي عام 2014 في جبال الشعانبي قرب الحدود الجزائرية، وأصدرت محكمة تونسية هذا العام حكما يقضي بإعدامه بعد إلقاء القبض عليه في 2019، فيما تقول مصادر أمنية إنه متورط أيضا في أعنف الهجمات الإرهابية التي هزت البلاد في العقد الماضي.

وقال الناشط السياسي حاتم المليكي “ما حدث سابقة خطيرة للمنظومة السجنية والأمنية، في وقت كان يفترض أن تكون هناك رقابة مشددة على الفارين، وسجن المرناقية يعرف بكونه أكثر سجن فيه رقابة متطورة”.

وأوضح لـ“العرب”، “لا يجب أن ينظر إلى إقالة الأمنيين كحل للمشكلة، بل هي إجراءات إدارية، والعملية تطرح تساؤلات بشأن طبيعة التهديد الحقيقي لتونس الذي يستوجب صراحة من السلطة ووضوح في الخطاب”.

ولم يستبعد المليكي “وجود علاقة سياسية بما يحدث، لأنه سبق الحديث عن تهديدات إرهابية قبل العملية”.

ويعد السجن المدني بالمرناقية من أهم وأكبر السجون في البلاد ويضم أخطر المجرمين الضالعين في قضايا حق عام وإرهابيين. وتحيطه السلطات بحراسة أمنية مشددة، ما يثير الاستغراب حول كيف تمكن السجناء الخمسة من الهرب.

وفي السنوات الماضية، أصدر القضاء التونسي أحكاما بالإعدام والسجن بحق العشرات من الإرهابيين، بعد أن وجهت إليهم تهم تتعلق بحمل السلاح ضد الدولة والانتماء إلى جماعات إرهابية، وتهديد أمن البلاد واستقرارها.

4