الطلاق الغيابي يكرس إذلال الزوجات بالقانون

انتفاضة نسوية في البرلمان المصري لإلغاء الطلاق دون علم الزوجة.
الأربعاء 2022/10/19
الحمل يزيد من تبعات الطلاق الغيابي

يؤكد استشاريو العلاقات الأسرية في مصر على ضرورة وجود تشريع يقر وقوع الطلاق أمام المحكمة، ولا يعتد به قبل توثيقه، وهي خطوة لإلغاء الطلاق الغيابي الذي يكرس إذلال الزوجة وإهانتها والحط من قيمتها. ويدرس البرلمان المصري حاليا وقف التعامل بالطلاق الغيابي كليا، وعدم الاعتراف به بصورة قانونية بعد أن تقدمت نائبات بمشروع قانون يلغي هذا النوع من الطلاق.

القاهرة - دفعت العديد من حالات الطلاق الغيابي في مصرعددا من النائبات في البرلمان إلى تقديم مقترح بتشريع قانوني يمنع هذا النوع من الطلاق، بعدما تبين أن البعض من الرجال يستخدمونه كذريعة لقهر النساء وإذلالهن، بل وحرمانهن من الحقوق القانونية والشرعية لسنوات طويلة.

يستهدف التعديل الذي يدرسه مجلس النواب حاليا وقف التعامل بالطلاق الغيابي كليا، وعدم الاعتراف به بصورة قانونية، ويتم توثيق الطلاق في المحكمة وبحضور الزوجين معا كي لا تفاجأ الزوجة بعد شهور وربما سنوات بأن شريكها قام بتطليقها.

قالت النائبة أمل سلامة عضوة مجلس النواب في تصريحات صحافية إن التشريع الجديد الخاص بالأحوال الشخصية سوف يساهم في تعديل مشكلة الطلاق الغيابي، لأن الزوجة قد تفاجأ بأن زوجها طلقها غيابيا، وتظل معلقة، لا هي متزوجة ولا هي مطلقة فترة طويلة من الوقت.

وأكدت أن التعديل المقترح في التشريع الجديد لا تترتب عليه تداعيات الطلاق إلا إذا جرى توثيقه في المحكمة، ويبلغ القاضي المرأة بأنها أصبحت مطلقة، وفي هذه الحالة تسري عليها الحقوق المنصوص عليها في القانون، مثل النفقة وغيرها من أمور الطلاق التي تستدعي حصول المطلقة على حقوقها كاملة.

وجرى فتح ملف الطلاق الغيابي بعد انتشار قصص مأساوية لسيدات فوجئن بأنهن مطلقات بعد فترة طويلة من قيام الزوج بالتطليق غيابيا، بغرض قهر الزوجة وإذلالها بحيث تكون معلقة ولا تعرف مصيرها أو لكي يتهرب الزوج من المسؤولية وحرمان زوجته السابقة من حقوقها بعد الطلاق.

رحاب العوضي: الطلاق الغيابي يسلب حق المرأة في أن تعيش حياة طبيعية
رحاب العوضي: الطلاق الغيابي يسلب حق المرأة في أن تعيش حياة طبيعية

بلغت درجة استغلال بعض الرجال للطلاق الغيابي أن المرأة قد يتم تطليقها دون علمها، ويعيش معها طليقها داخل المنزل ويحصل على حقوقه الزوجية، وهو ما صنفته منظمات نسوية وجمعيات حقوقية معنية بحقوق المرأة بأنه “اغتصاب مع سبق الإصرار”، لأن المرأة مطلقة.

كانت المشكلة الأكبر التي أثيرت مؤخرا كاشفة حيث لجأت سيدة مصرية إلى القضاء لتطالب بمحاكمة زوجها السابق بعدما تبين أنه عاشرها معاشرة الأزواج وحملت منه، ثم فوجئت بالصدفة بأنه طلقها غيابيا منذ عدة أشهر ولم يبلغها أو يتم إخطارها بالطلاق.

وتبين لذات المرأة أن حملها من زوجها السابق حدث في تاريخ لاحق للطلاق الغيابي، أي أنه اغتصبها، مع أنها كانت تتعامل معه كزوج، ثم وقعت أزمة إثبات نسب، وقررت المحكمة أن الطفل الذي سيولد يُكتب باسم الزوج المطلق لأن الزوجة لم تكن تعلم بالطلاق.

وهناك حالات أخرى شبيهة يقوم فيها رجال بتطليق زوجاتهم دون إبلاغهن رسميا، مع ذلك يتعمدون الإقامة معهن في نفس منزل الزوجية للتهرب من دفع النفقة أو كنوع من القهر والإذلال للمرأة إلى حين اكتشافها بالصدفة أنها أصبحت مطلقة.

عانت شيماء محمد، ابنة الثلاثين عاما، من الطلاق الغيابي بعد أن فوجئت ذات مرة وهي تقوم بتجديد أوراق بطاقة الهوية الشخصية بأنها مطلقة منذ عام تقريبا، ولم يتم إبلاغها، حيث كان زوجها قد سافر خارج البلاد بعد فترة طويلة من الخلافات بينهما.

قالت شيماء لـ”العرب” إنها تعرضت لصدمة لم تستطع بعد الخروج منها، فهي التي كانت تنتظر عودة زوجها لعقد الصلح بينهما ورسمت لحياتها مسارا بعيدا عن الخلافات من أجل طفليها لكنها فوجئت بأنها انضمت إلى طابور المطلقات ولا تعرف السبب.

وعندما استفسرت من زوجها عن الحقيقة رد عليها بابتسامة المنتصر في معركته، وقال لها “أردت أن أترك لك مفاجأة تعرفينها في الوقت المناسب”، فما كان منها إلا اللجوء إلى المحكمة لتوثيق الطلاق والمطالبة بكامل حقوقها، من نفقة ومؤخر وسكن الزوجية لتربية طفليها.

ثث

وبعيدا عن ضياع حقوق المرأة المطلقة غيابيا فإنها تشعر بقهر وذل وضغط نفسي يصعب تحمله، خاصة إذا لم تكن تفكر في الطلاق نهائيا ولا تسعى إليه، لكنه حدث من طرف واحد لمجرد أن القانون يبيح للزوج ذلك، على اعتبار أنه من حق الرجل تطليق زوجته متى وكيفما شاء.

وفي بعض الأحيان يكون المأذون الشرعي شريكا في خديعة المرأة عندما يتفق مع الزوج على كتابة اسم عنوان خاطئ لسكن الزوجية أو عنوان وهمي لمقر إقامة الزوجة، بحيث لا يصل إليها إخطار الطلاق الغيابي، في حين أن القانون يقر بوقوع هذا الطلاق من تاريخ توقيع المرأة على استلامه والعلم به.

ولا يلزم القانون المصري الرجل بإعلام زوجته بالطلاق الغيابي، باعتبار أن هذه ليست مسؤوليته، ويقوم بإبلاغ المأذون بعنوان الزوجة، وفي حالة القيام بكتابة عنوان خاطئ أو مزور لا تتم محاسبته، لأن قانون الأحوال الشخصية المعمول به منذ عشرات السنين لا يتضمن عقوبات ضد هذه الحيلة.

على الحكومة ومجلس النواب التصدي لذكورية قوانين الأحوال الشخصية، وإقرار تشريعات مدنية بعيدة عن رؤى الفقهاء

وأكدت رحاب العوضي استشارية العلاقات الزوجية بالقاهرة أن الطلاق الغيابي أحد أسوأ مظاهر قهر وإذلال المرأة، لأنه يسلب حقها في أن تعيش حياة طبيعية وتعرف ما إذا كانت متزوجة أم مطلقة، ولا يمكن استمرار أي وسيلة تدمر حياة الأسرة ولا يتم تداركها لأن الخديعة تشمل الأبناء أيضا.

وأوضحت لـ”العرب” أنه لا بديل عن وجود تشريع يقر بوقوع الطلاق أمام المحكمة، ولا يعتد به قبل توثيقه، على أن يكون ذلك بحضور الطرفين معا، لا أن ينفرد الرجل بهذه الميزة وحده، لاسيما أن هناك الكثير من السيدات لا يرغبن في الطلاق ومستعدات للتضحية والتنازل عن الكثير من حقوقهن لكن قد يتفاجأن بالطلاق الغيابي.

وأشارت إلى أن البعض من الرجال الذين يرغبون في السفر إلى دول أوروبية لا تسمح بتعدد الزوجات يقدمون على تطليق زوجاتهم غيابيا، بحيث يستطيعون الزواج في الغربة بأريحية، وربما لا تكتشف الزوجة في مصر هذه الحيلة إلا بالمصادفة، مع أنها تعيش على أمل عودة شريكها، وهذه صدمة كبرى.

تظل المعضلة الأكبر في تعنت الكثير من رجال المؤسسة الدينية ضد مطالبات وقف العمل بالطلاق الغيابي، باعتبار أن ذلك حق شرعي للزوج من دون إدراك لتبعات ذلك على المرأة والأبناء الذين يكتشفون فجأة أنهم بلا أب ولا عائل بعدما قرر والدهم هدم كيان الأسرة دون سابق علم أو إنذار.

يفرض ذلك على الحكومة ومجلس النواب التصدي لذكورية قوانين الأحوال الشخصية، وإقرار تشريعات مدنية بعيدة عن رؤى الفقهاء، لأن الشرع إذا أباح للرجل الطلاق الغيابي، فإنه أحيانا يقود إلى جريمة الاغتصاب بأن يعاشر الرجل مطلقته وهي لا تعلم بطلاقها بشكل يتعارض مع كل الأديان السماوية، لا الإسلام فقط.

17