"دموع إيزيس".. موضوع شائك في لوحات نهال وهبي

افتتحت الفنانة المصرية متعددة الوسائط نهال وهبي خلال هذه السنة معرضا فنيا جديدا تحت عنوان “طيف الأمل”، وهو يشتمل على مجموعة من الأعمال التي انقسمت إلى مجموعتين. الأولى حملت عنوان “طيف الأمل”، أما الثانية فجاءت تحت عنوان “دموع إيزيس”.
قدّمت الفنانة المصرية المتعدّدة الوسائط نهال وهبي معرضا جديدا لها في قاعة “فرنسيس” بالعاصمة المصرية القاهرة، جاء مجمله كنوع من محاولة استيعاب ما جرى في السنتين السابقتين على المستوى الاجتماعي والنفسي جراء انتشار وباء كورونا، وما ترتّب عنه ولا يزال إلى الآن من تغيّرات عميقة أصابت الإنسانية، وبدأت في تعديل الكثير من ملامحها.
وفي محاولة لافتة انطلقت الفنانة من تاريخ بلدها الثريّ بالأساطير لتعبّر عن مسار حزين لم يتخلّ عن فكرة الأمل التي شرّعتها وهبي أطياف ملوّنة من خلال مُجسّمات علقتها على الجدران في وسع معرضها الفني، وتدلى بعضها في سقف الصالة وبعضها الآخر استقرّ على منصات نُصبت خصيصا لأجلها.
وانقسم المعرض إلى مجموعتين، المجموعة الأولى بعنوان “طيف الأمل” والثانية “دموع إيزيس”. وهذه ليست المرة الأولى التي تنهل فيها الفنانة من عراقة حضارة بلدها لأجل تحقيق أعمالها، وقد قالت في إحدى المناسبات الفنية “تأثري الواضح بالحضارة الفرعونية في أعمالي يرجع إلى إيماني بأن حضارتنا هي جذورنا الحقيقية، ومنبع ثقافتنا، ومن لا يعرف ماضيه، لا يعرف حاضره، ونحن سعداء بأمجادنا وكون تاريخنا على هذه الدرجة من الرقي”.
شعوران مختلفان

تعال خذ نصيبك من الاختناق العام
في سياق آخر ليست هي المرة الأولى التي تقدّم فيها وهبي معرضا يضمّ مجموعات منفصلة ومتكاملة من الأعمال. وأبرز ما قدّمته كمثال عن ذلك كان معرضها المعنون بـ”إشراقة” الذي انقسم إلى أربع مجموعات، وهي: الانحناءات، والأشجار، وحطام الأمل ولا أملك سوى جناحي.
أما في معرضها الأخير فيتمكّن الزائر من أن ينتقل من المرحلة/ المجموعة الأولى إلى الثانية والعكس بالعكس، دون أن يتسبّب ذلك في أي خلل لمضمون ما تقدّمه الفنانة. فالحالتان المختلفتان، أي حالة الدموع وحالة الأمل، استطاعتا أن تترافقا وألاّ تنتصر إحداهما على الأخرى، وذلك ببساطة لأن ما حدث في عالم ما بعد الوباء غير مفهوم حتى الآن، ولم يتم بعد تأطيره ولا تقييم المتغيّرات الجذرية الناتجة عنه.
وفي تحقيق السيرة البصرية المستوحاة من التجارب القاسية التي مرّ بها العالم اختارت الفنانة أن تحصر اهتمامها بالعالم العربي، لأنها أولا ابنة هذا العالم، وثانيا لأن آلامه مضاعفة بسبب الأزمات والحروب والهزّات الاقتصادية التي ساهمت في أن تكون شبيهة بحالة “إيزيس” وهطول دموعها.
ويشير البيان الصحافي الخاص بالمعرض إلى أن الفنانة استلهمت “إبداعها في هـذا المعـرض مـن وحي أسطورة دموع إيزيـس. وتسرد الأسطورة تلك حزن إيزيس بسبب وفاة زوجها وحبيبها أوزوريس الذي قُتل غـدرا على يد أخيه سـت، ممّا سبّب تدفّق دموعها كسـيول تشـقّ الأرض حزنا وألما”.
غير أن الأسطورة لم تنته هنا، وأغلب الظن أنها لن تنتهي، وإلاّ ما كانت الفنانة اختارتها، أو على الأقل لكانت بدلت نهايتها لتزرع الأمل في وسط المآسي.
دموع إيزيس لم تنهمر هدرا، توضّح الأسطورة، بل فجّرت الأرض المقدسة ليلد منها شريان الحياة في الوادي. إنها دمـوع الحياة التي سالت مـن شرور الأرض.
وانتشرت في فضاء صالة المعرض مجموعة من الأعمال النحتية التركيبية الشبه شفافة. أعمال سمحت لها طبيعة المادة الشفافة والملوّنة المصنوعة منها بأن تتفاعل مع مصادر الضوء المختلفة إن كانت ضوءا طبيعيا أو مصدره مصابيح الضوء الاصطناعي.
أجواء مسرحية

فراشات أمل في عالم يحتضر
أرادت الفنانة من خلال تلك المجسّمات الرقيقة أن تعبّر عن أطياف الأمل الملوّنة، ولكنها وقعت في التكرار، ففقدت العديد من تلك الأشكال شاعريتها وأصبح العديد منها معكّر الملامح ويحيل إلى عكس ما رغبت الفنانة في التعبير عنه.
وعلى الرغم من أن الفنانة وهبي استخدمت من ناحية عددا كبيرا جدا من الألوان وتدرّجاتها، ومن ناحية أخرى قسّمت معرضها لمجموعتين تعبّران عن شعورين مختلفين، إلاّ أن الرتابة اللونية كانت حاضرة وصهرت المجموعتين في نواح كثيرة، وبذلك لم تخدم الأفكار التي أرادت طرحها والتي لا يمكن الإغفال عن اعتبارها أفكارا شائكة وتحتاج الكثير من طاقة الفنانة كي تتحقّق بصريا، كما طغى على المعرض طقس خاص استقى أجواءه من عالم المسرح حيث تطغى رائحة الستائر المخملية.
كذلك بدت العديد من المجسّمات واللوحات التشكيلية التي تجسّد أماكن ومساحات من الطبيعة وكأنها انسدال لطيات من أقمشة مختلفة الألوان. بعضها يرقّ وبعضها الآخر يتكثّف ليزيد من اختناق الجو العام.
ونهال وهبي فنانة نوّعت في سيرتها الفنية ما بين الرسم والتصوير الفيديو والتركيبات التشكيلية، وهي عضو بنقابة الفنون التشكيلية. تتلمذت على يد الفنان المصري الشهير حسن سليمان، والتحقت بالعديد من الدراسات المتخصّصة في كلية سانت مارتن بجامعة لندن للفنون. كما هي مؤسّسة لشركة سكوير للأعمال البصرية وحفظ التراث.
شغلت منصب مدير ومستشار فني منذ العام 2007 لمجموعة فاروس للأعمال الفنية. وهي مجموعة مصرية خاصة ذات أهمية في الشرق الأوسط وتضمّ العديد من الأعمال الفنية المصرية المعاصرة والحديثة لرواد وكبار الفنانين المصريين.
وإلى جانب معارضها الفردية شاركت الفنانة في عدد كبير من المعارض الجماعية في غاليري إبداع والمعرض العام المقام في متحف الفن المصري الحديث، وآخر في أتلييه القاهرة، وأيضا في غاليري المشربية، وبينالي كتاب الفنان ضمن الدورة الأولى بالمتحف الوطني للفنون في العاصمة الرومانية بوخارست، ومركز فاماغوستا للفنون بقبرص في العام 2018، وهليوبوليس للفن أبزور ببلغاريا، ومعرض بقصر المنيل آرت مصر، كما شاركت بمعرض آرت فير في أبوظبي.