ثلج غذائي

الصياغات والمفردات والابتكارات اللغوية ابنة الحاجة لتفسير شيء. قد تكون حاجة لحظية.
الأربعاء 2021/11/17
مسميات لن تحس بها ما أن تتعود عليها

أعدت النظر في كيس الثلج بثلاجة الكشك على ناصية الشارع في تونس. يسمون الدكان هناك “حماص”، ربما من تحميص المكسرات. لكنه يعلن عن نفسه بـ”فاكهة مجففة”. أعتقد المقصود بالفاكهة المجففة هو اللوز والفستق والحمص، لأني لم أر تينا أو إجاصا مجففا. الحمص "سيفرح" لإعادة تأهيله من فئة البقول إلى الفواكه. مكانته مع الفستق أكيد أهم من تكويمه مع العدس.

مكتوب على الكيس "ثلج غذائي". احترت في التفسير. هل المقصود القيمة الغذائية له؟ هذه صفر كما هو معروف عن الماء. سألت "الحماص" فرد أن هذا الثلج للاستهلاك العادي، وليس ثلجا مثل ذلك الذي يخلط مع السمك في قوارب الصيد. يبدو أن ثلج الأسماك هو ثلج فقط.

لا أعرف هل "ثلج غذائي" مترجمة عن الفرنسية أم مسكوكة بلهجة محلية. لا شك أن الذي تعود عليها لن يفهم استغرابي. وهو استغراب يتكرر دائما لمشرقي يتجول في الدول المغاربية. لا شك أن هناك الكثير من المفردات المصرية التي كانت ستبدو غريبة على أذن عراقي، لكني من جيل تشبع بالدراما والسينما المصرية، فصارت معتادة ولا غرابة فيها. الدراما المغاربية لم تصل بعد إلى المشرق.

الصياغات والمفردات والابتكارات اللغوية ابنة الحاجة لتفسير شيء. قد تكون حاجة لحظية. سافرت مع صديق مؤخرا واحتاج إلى علاج طبيعي. ذهب إلى المعالج، وأرسل لي صورة من لوحة الباب. تقول اللوحة "ترويض طبي". بعثها لي واتصل وهو يضحك: سأعود إلى الفندق مروّضا. قلت: لا تنس السرج. رد: ليس السرج فقط، الآن سأعود لا أعض ولا أخربش.

لا يوجد أي خطأ في التوصيف. هو مجرد اجتهاد. "ثلج غذائي" أو "ترويض طبي" من ضمن الكثير من المسميات التي لن تحس بها ما أن تتعود عليها. كنت أستغرب من "الشركة التونسية للبنك". تبدو ثقيلة. الآن أراها ولا أتوقف عندها. أول مرة رأيت لافتة في الشارع تصف الكادر بالإطار، ابتسمت. الإطار للصورة والكادر للبشر. لكن الآن أراها بلا حساسية. لا أزال أتدرب على قبول "الاستعجالي" في المستشفيات بدلا من "الطوارئ".

حتى الكتابة المرافقة للفظ تستثيرني. أرى اسم شركة "توتال" النفطية في شمال أفريقيا وهو يكتب "طوطال". أسأل المغاربيين، فيردون: ما هو السؤال؟ أعتقد الرد الأفضل هو: إذا توتال أو طوطال لا تمانع، ما دخلك أنت؟ تحتاج إلى مرونة يا هذا. مرونة تجعلك تنادي "طاكسي" في المغرب و"تاكسي" في تونس. فقط لا تتهور وتقلب كل حرف تاء إلى طاء لتجاري طريقة اللفظ السائدة. قد تنتهي بكوارث.

20