ثلاثة أجيال عربية تبشّر بالفرح اللبناني رغم الوجع

لبنان الغارق في العتمة ينير باريس بمعرض "أضواء بيروت".
السبت 2021/11/13
النوم في العراء (لوحة للسوري أنس البريحي)

ليست هذه المرة الأولى التي تنظّم في العاصمة الفرنسية باريس معارض جماعية وفردية لفنانين لبنانيين، ولكن معرض “أضواء بيروت” المُقام حاليا في معهد العالم العربي هو من أضخمها وأشملها، إذ يضمّ نخبة كبيرة من الفنانين العرب ومن ضمنهم الكثير من الفنانين اللبنانيين في توجّه لدعم بيروت بعد حادث الرابع من أغسطس 2020 الذي حضر ولا يزال يحضر بشكل أو بآخر في الأكثرية الساحقة من المعارض الفنية والنشاطات الثقافية المُقامة في لبنان، ولاسيما بيروت.

يتواصل حتى الثاني من يناير 2022 بالعاصمة الفرنسية باريس، تحديدا في معهد العالم العربي، المعرض العربي – اللبناني الجماعي المشترك المعنون بـ”أضواء بيروت”، الذي مثل من خلال أعماله المعروضة محاولة ناجحة لضمّ أعمال منتقاة بحذر تنتمي إلى سنة 1945 وصولا إلى السنة الحالية.

وفي ذلك تنويه إلى الحالة الفنية اللبنانية والريادية في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا من خلال نشاط فناني الداخل اللبناني والاغتراب على السواء.

وإن كانت الأزمات المتلاحقة، أو لنقل تلك التي انهالت على البلد في بوطقة واحدة ومتصلة مع بعضها البعض، ساهمت بشكل كبير في نقل المعارض الكبرى والاحتفالات الفنية إلى خارج البلد، وبالأخص نحو مدينتي دبي والدوحة ومؤخرا في السعودية ومن ثمة إلى بلدان أوروبية، فإن بيروت حافظت على “وجهها” الفني ليس بسكب مساحيق التجميل عليها، إن صحّ التعبير، لكن بفضل غسلها مرة تلو المرة بماء صافية وعذبة لم تخف الندوب ولا الجروح غير المندملة بل جعلتها جزءا لا يتجزأ من حقيقتها، وبالتالي من حلاوتها.

تنويعات فنية

ظل يتبع ظله (تجهيز فني للفلسطيني عبدالرحمن قطناني)

حول هذا المعرض الباريسي يجب التوضيح أنه ليس كما قيل في العديد من المصادر أنه جاء ليملأ فراغا حل بعد انفجار بيروت المشؤوم. فكل من يتابع الحراك الفني على الأرض يدرك أن المعارض تتوالى في العديد من صالات العرض اللبنانية، وبخاصة منها البيرويتة، منها الجماعية والفردية ومنها أيضا ما يضمّ مختلف أنواع النشاطات من موسيقى وعرض لأفلام مميزة ضمن مهرجانات كـ”مسكون” و”مهرجان الرسوم المتحركة” و”مهرجان الأفلام الفنية الوثائقية”، هذا إذا لم نذكر النشاطات والمعارض الفنية التي اتخذت المنصات الافتراضية وسيلة لتُتابع من خلالها الحياة الفنية. حياة لطالما وجدت طريقها دائما بمحاذاة وضع لبناني عام لا يكفّ عن اختبار ضروب متنوّعة من نوبات التأزّم.

الفنانون المشاركون في هذا المعرض هم من ثلاثة أجيال متعاقبة. وتنوّعت أعمالهم الفنية بين لوحات ورسومات وصور فوتوغرافية ومنحوتات وكتب ومقاطع فيديو ومطبوعات ومنسوجات وسيراميك وتجهيز فني وفن الحفر والطباعة وفن الزخرف.

أما الفنانون فهم: بول غيراغوسيان، إيتيل عدنان، أدونيس، وميشال بصبوص وابنه أناشار بصبوص، مارك غيراغوسيان (حفيد بول غيراغوسيان)، أنس البريحي، ليال نخلة، صليبا الدويهي، حسين ماضي، أيمن بعلبكي، هبة كلش، تغريد دارغوث، زينة عاصي، طارق القاصوف، أسادور، شوقي شوكيني، زاد ملتقى، خالد تكريتي، هالا عزالدين، سروان باران، هالة متى، هادي سي، عبدالرحمن قطناني، فاطمة الحاج وشفيق عبود.

وأضيفت إلى التصميم المُحدث لمعهد العالم العربي مساحة حاضنة بتقنية مبتكرة عزّزت القيمة الفنية للمعرض تحت مُسمى “صالة المانحين”. وقد ساهم وبجزء كبير “غاليري كلود لومان” و”مؤسّسة برجيل” في تحقيق هذا الإنجاز الفني.

وتضمّ المساحة الجديدة اللوحات والتحف، وغلّفتُ جدرانها بتراب لبنان في اتّساق للمساحة مع المضمون، وهذا التصميم السينوغرافي للصالة ابتكره المعماري والفنان اللبناني كارل جرجس.

صوت وصورة

صفحات من سيرة وطن (عمل فني للبنانية إيتيل عدنان)
صفحات من سيرة وطن (عمل فني للبنانية إيتيل عدنان)

ذكر منظمو معرض معهد العالم العربي في باريس في بيانهم الصحافي أنه تم اختيار هذه الأعمال من بين ما يقارب ست مئة عمل لبناني يحتفظ بها معهد العالم العربي ضمن “مجموعة الفن العربي الحديث والمعاصر” التي تُعتبر المجموعة الفنية العربية الأكبر والأكثر تنوّعا في أوروبا. وذلك بالإضافة إلى أعمال أخرى تُعرض للمرة الأولى.

كما تعكس الأعمال المشاركة في المعرض أبرز ملامح المشهد الفني اللبناني وتحوّلاته المختلفة. وتقف أيضا، في الوقت نفسه، على التعقيد والثراء الفني والإنساني والجغرافي والثقافي الذي يتميّز به لبنان وتاريخه الذي يتسم غالبا بالفوضى والأزمات السياسية والنزاعات الأهلية.

وأضاف البيان أن المعرض كله ينقسم إلى “قسمين؛ يستعيد الأول أعمال رواد المحترف التشكيلي اللبناني، فيما يضيء الثاني على إنتاجات الفنانين المعاصرين. وعبر أعمال القسمين معا، يقدّم المعرض لمحات مختلفة من أحداث بارزة في تاريخ لبنان، بدءًا باستقلاله منتصف أربعينات القرن الماضي، مرورا بالحرب الأهلية (1975 – 1990)، وصولا إلى انفجار مرفأ بيروت”.

وأوضح جامع الأعمال الفنية وصاحب الصالات الفنية المرموقة كلود لومان أن المقصود بالفنانين اللبنانيين ليس فقط من يملكون جنسية لبنانية، ولكن أيضا من عاشوا أو تأثّروا بلبنان وعاصمته وأبدعوا أعمالا فنية من وحي تجاربهم الفريدة تلك.

وذكر لومان من هؤلاء الفنان الفلسطيني عبدالرحمن قطناني والفنان العراقي سيروان بران والفنان السوري أنس البريحي. وليس هم فحسب، بل أيضا الفنانين الذين ساهموا في بزوغ فجر بيروت منذ الخمسينات من القرن الماضي ومنهم بول غيراغوسيان وميشال بصبوص وإيتيل عدنان وغيرهما.

وذكر لومان أن الجيل الشاب الذي عُرضت أعماله يتألّف من فنانين مولودين ما بين 1960 و1970، ومنهم زاد ملتقى وهبة كلش وزينة عاصي وتغريد دارغوث. وأضاف بأنه أراد أن يُرافق المعرض بمراحله الزمنية بداية بالخمسينات وصولا إلى يومنا هذا صوت فيروز وأغانيها.

غير أنه عدّل رأيه تأثّرا بما نصحه به موسيقيون وصحافيون وأكاديميون مختصّون في الموسيقى العربية والأوروبية ومنهم زينة صالح كيالي وجيل خوري وليانا صالح، حيث ارتأى الجميع أن يتماشى المعرض مع إبداعات موسيقية لبنانية مختلفة تنتمي إلى مراحل متتابعة تاريخيا، ومن تلك الأعمال الموسيقية نذكر ما قدّمه توفيق سكر ووديعة صبرا وتوفيق الباشا وزاد ملتقى ونسيم معلوف.

أما قبيل نهاية العرض مع انقضاء كل يوم جديد، فيعود صوت فيروز مجدّدا مع أغنية “سنرجع يوما”. ويبقى هذا السؤال مُعلقا: متى ستكون هذه العودة، عودة أهل لبنان إلى لبنان، ولكن أيضا عودة لبنان الواحد إلى قلب اللبنانيين جميعا؟

تناغم لوني يشي بالأمل رغم الألم (لوحة للبناني شفيق عبود)
تناغم لوني يشي بالأمل رغم الألم (لوحة للبناني شفيق عبود)

 

14