الزواج الشفهي يؤدي إلى ضياع حقوق السيدات

المرأة المتزوجة دون توثيق لعقد قرانها تواجه مستقبلا مجهولا.
الجمعة 2021/11/12
توثيق عقد القران في السجلات الرسمية ضمان لحقوق الزوجة وأبنائها

تتعارض القوانين في مصر بصورة واضحة مع ما تصدره المؤسسات الدينية من فتاوى تتعلق بحقوق النساء، ورغم أن القانون المصري يحرم زواج القاصرات لتبعاته المعقدة، فإن ما أصدرته دار الإفتاء حول زواج المرأة دون توثيق يكرس لضياع حقوقها وحقوق أطفالها ويزيد من انتشار ما يعرف بزواج السنة.

القاهرة - أضفت دار الإفتاء المصرية شرعية دينية على زواج المرأة دون توثيق عقدها طالما توافرت الأركان والشروط من صيغة إيجاب وقبول وولي وشهود. واعتبرت أن ذلك الزواج صحيح وإن افتقد التوثيق في السجلات الرسمية، ولا يعد عرفيا، لأن المرأة تزوجت بعلم الأهل وبحضورهم.

أزمة الفتوى التي أثارت جدلا واسعا بين المنظمات النسوية أنها لم تحدد فئة عمرية بعينها تحظر عليها الاستفادة من هذا الرأي الديني، لأن الكثير من العائلات في المجتمع، والتي تدمن تزويج صغيرات السن، لا يعنيها سوى الحصول على شرعية دينية تبيح تزويج القاصرات.

وينص القانون المصري على تجريم زواج الصغيرات مهما كان المبرر بالنسبة إلى الأهل، لأنه يتسبب في مشكلات كثيرة للزوجات على رأسها صعوبة إثبات النسب، وإمكانية هروب الزوج بعد فترة قصيرة وعدم اعترافه بالعلاقة كليا، إضافة إلى أنه ينتهك أجساد الأطفال ولا يحترم البراءة التي ولدوا بها.

وتخشى حقوقيات أن تكون لموقف دار الإفتاء تبعات خطيرة على أيّ سيدة تُجبر من أسرتها على أن تتزوج دون توثيق أو إثبات العلاقة الزوجية في السجلات الرسمية، ويكرس لانتشار ما يعرف بزواج السنة الذي يقوم على الاتفاق الشفهي بين أسرتي الشاب والفتاة.

ولم تُدرك المؤسسة الدينية في مصر وهي تبيح الزواج غير الموثق أو تجيب على سؤال مثل هل أن المستفتي يرغب في الحصول على صك ديني يمرر من خلاله فعلا يجرمه القانون كزواج قاصرة، والمعضلة أنها قدمت الفتوى بشكل علني، ولم ترد على صاحبها بشكل مستتر كي لا تحولها إلى ثقافة عامة.

العديد من الفتيات خضن معارك قضائية لإثبات الحد الأدنى من حقوقهن، خاصة في ما يتعلق بإثبات نسب أطفالهن

وتعاني الكثير من الفتيات الصغيرات في مصر من أزمة إثبات النسب بعد زواجهن بطريقة السنة، حيث يتم الزواج في حضور شهود من الطرفين، وبعد موافقة ولي الفتاة ويأخذها زوجها إلى المنزل ويعيشان معا وينجبان أطفالا دون حضور مأذون، وربما لا يتم الاهتمام مطلقا بمسألة التوثيق.

وخاضت العديد من الفتيات معارك قضائية بسبب هذا النوع من الزواج لإثبات الحد الأدنى من حقوقهن، خاصة ما يرتبط باعتراف الشباب بأولاده، بعدما وقعن في فخ القبول بالزواج غير الموثق لمجرد التراضي بين العائلات، والمباركة الدينية التي تحصل عليها من شيوخ الجماعة السلفية أو المؤسسة الدينية.

ويتأسس زواج السُنة على أن يكون هناك اتفاق بين كبار عائلتي الشاب والفتاة لتتم بعدها قراءة الفاتحة، وتنتهي طقوس الزواج بأسرع وقت ممكن دون وضع ضمانات لحقوق السيدات، ومع أول مشكلة قد يختفي الزوج، وإن استمر في العلاقة الزوجية، فإنه لا يكف عن ترهيب شريكته وإذلالها وتهديدها بعد التوثيق.

وإذا كانت العلاقة الزوجية سوية، فإن المعضلة هي مسألة إثبات الأبناء في السجلات الرسمية، لأنه يستحيل استخراج شهادات الميلاد التي تضمن حقوق الصغار دون وثيقة زواج، ولا يحق للمأذون توثيقها بأثر رجعي كإجراء حكومي لمنع تزويج القاصرات أو الالتفاف على القانون.

وترى حقوقيات أن زواج السنة لا يخرج عن كونه تجارة باسم الدين في أجساد الفتيات، والكارثة عندما يحدث تحت غطاء فتوى رسمية تمثل تحريضا غير مباشر للأسر على أن تتماهى بشكل أكبر معه بلا اكتراث لتبعاته على حقوق السيدات في المستقبل القريب وعدم إدراك لإدمان الأسر البسيطة لهذه الزيجات.

وقالت رحاب العوضي استشارية العلاقات الأسرية بالقاهرة إن قناعة الأسر بالفتوى أهم من القانون في مسألة الزواج، بما يكرس لأزمات عائلية تكون ضحيتها المرأة وأولادها، لأنها تعيش أسيرة لقرار أسرتها، ومجرد طلب فتوى للزواج الشفهي فهذا يعني أن بعض العائلات تفتقر الحد الأدنى من الوعي بمخاطر الزواج غير الموثق.

زواج شروطه مكتملة.. لا يحتاج لأوراق ثبوتية
زواج شروطه مكتملة.. لا يحتاج لأوراق ثبوتية  

وأضافت لـ”العرب” أن المتزوجة شفهيا ستكون ضحية عاجلا أم آجلا، وفي ظل المتغيرات المجتمعية الحاصلة وكثرة الأزمات والتصدعات الأسرية، فلا يمكن أن تعيش السيدات آمنات على حياتهن، وصار سهلا حدوث الطلاق. لكن ماذا تفعل الأم التي أنجبت ولم توثق عقدها، وتم تطليقها شفهيا. للأسف، الزواج الشفهي يقود لتكريس الطلاق الشفهي مستقبلا.

ومشكلة المرأة في البيئات السكانية التي تؤمن بالزواج غير الموثق، أنها لا تمتلك حق الرفض أو عدم إتمام العلاقة بلا أوراق ثبوتية، وكل ما عليها أن تستجيب لرغبة أسرتها وإلا تُتهم بأنها عاصية ومتمردة، لأن العائلات في هذه المناطق تتعامل مع “كلمة الشرف” على أنها أقوى من القانون.

وتتماهى فتوى المؤسسة الدينية مع توجهات التيار السلفي الذي ينخر في أوساط مجتمعية كثيرة، ويسعى جاهدا لإقناع البسطاء بأن زواج السنة هو الأصل، أما مسألة التوثيق فهي استثناء، بل إنه يسعى لإقناع الناس بأن الزواج الحقيقي في الإشهار، وطالما توافر فلا قيمة لوجود المأذون لمجرد كتابة ورقة ليسجلها عند الحكومة.

ويحدث في بعض المناطق المصرية أن يقوم أحد الشيوخ بدور المأذون أو الإمام الذي يبارك الزيجة ويضفي عليها شرعية دينية، ويتولى بنفسه مسألة تحقيق الاتفاق بين العائلتين على طريقة السنة النبوية، ويستغلون أن الكثير من الأسر البسيطة تعيش على الفطرة في كل ما يخص تعاملاتها الاجتماعية، ويسوقون لكون التوثيق رفاهية.

زواج السُنة يتأسس على أن يكون هناك اتفاق بين كبار عائلتي الشاب والفتاة لتتم بعدها قراءة الفاتحة وتنتهي طقوس الزواج

وغالبا ما تكون أغلب الزيجات في هذه المناطق، خاصة بالفتيات الصغيرات، بدعوى أن تزويجهن في سن مبكرة يحصنهن من الوقوع في فخ المحرمات ويمنعهن من ارتكاب خطيئة، وأن الدين دعا إلى تقديم مواعيد زواج الأنثى دون ارتباط بمرحلة عمرية، وتقتنع هذه الأسر بأن الفتاة مكانها المنزل وليس التعليم والذهاب للعمل.

ورغم حملات التوعية التي قادتها مؤسسات رسمية معنية بشؤون المرأة، مثل مجالس الأمومة والطفولة، للتحذير من تبعات الزواج غير الموثق وتزويج القاصرات، إلا أن الأزمة مازالت في الغطاء الشرعي الذي توفره المؤسسة الدينية، حتى صارت حقوق السيدات رهينة اتفاق شفهي أو وعد شرف بين العائلات.

وأكدت العوضي أن أكثر ما تتعرض له السيدة التي تتزوج دون توثيق، أنها تواجه مستقبلا مجهولا لها وأولادها عندما يتوفى الأب قبل أن يعترف بالزواج رسميا، وهنا يعيش الأبناء حياة بائسة، فالدولة لا تعترف بهم، ولا يحق لهم الالتحاق بالمؤسسات التعليمية أو الحصول على حقوقهم الصحية والخدمية، وهو نفس الأمر إذا توفيت الأم قبل التوثيق لأي سبب.

ويترتب على هذا الزواج أن تُحرم المرأة من الميراث، أو الحصول على المعاش إذا توفي زوجها، كما أنها تعيش محرومة من مشاركته في السفر أو النزول معه في أماكن خاصة مثل الفنادق أو ركوب عربات النوم بالقطارات، أو تلقي المساعدات الحكومية على أنها امرأة معيلة، لأن الدولة لا تعترف بزواجها من الأساس.

ومازالت المؤسسة الدينية في مصر غير قادرة على حسم موقفها بين التماهي مع الماضي والتعامل بشكل عصري مع القضايا الأسرية، فهي ترغب أن يكون الزواج شفهيا، كما الطلاق، كلاهما غير موثق، والأزمة الأكبر أنها نجحت إلى حد بعيد في إقناع المجتمع بأن الفتوى أهم من القانون، ما يؤسس لأزمات أسرية عصية عن الحل.

17