احتفاظ الأم بحضانة أولادها بعد الزواج الثاني يوقف رهبنة المطلقات

يعتبر برلمانيون مصريون أن قانون الأحوال الشخصية الجديد الذي ستتم مناقشته قريبا سيقطع مع هيمنة الرجل على حضانة الأبناء في حال طلاقه من زوجته، وسينتصر للمرأة المطلقة ليكون من حقها الاحتفاظ بأولادها إذا تزوجت ثانية. وسيسمح القانون الجديد للمطلقات بالزواج مع الاحتفاظ بالحضانة، طالما أن الزوج الثاني سيكون أمينا على أولادهن، وسوف يعيشون مع الأم حياة آدمية ولو مع رجل غريب.
القاهرة - تخشى أسماء مجدي منذ انفصلت عن زوجها بعد ثلاث سنوات من الزواج تكرار التجربة لتحافظ على حضانتها لابنها، لأن قانون الأحوال الشخصية المطبق منذ أكثر من مئة عام يحرم المطلقة من حضانة أولادها إذا تزوجت بعد طلاقها، وما زالت تنتظر ما سوف تؤول إليه مناقشات مجلس النواب لإصدار تشريع جديد يسمح للمطلقات بالزواج مع الاحتفاظ بحضانة الأطفال.
وما زالت أسماء في سن صغيرة حيث لم تتجاوز الخامسة والعشرين عاما، وتأمل أن تستقر مع رجل يحترمها ويحافظ على ابنها ويرعاه بعيدا عن والده الذي اكتشفت أنه كان يتعاطى المخدرات ولديه علاقات نسائية كثيرة، وحتى عندما فكّرت في الزواج العرفي استجابة لنصيحة أسرتها راودتها المخاوف من إمكانية أن يعرف زوجها السابق وينتقم منها بإسقاط حضانتها عن ابنها.
وتتابع الفتاة ما يثار في الوقت الراهن عن مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد بشغف، فهي لا تمانع الزواج مرة ثانية، لكن إذا جاء على حساب ابنها فلن تضحي به من أجل راحتها الشخصية، وبدت متفائلة أمام وجود نص يسمح للمطلقات بالزواج مع الاحتفاظ بالحضانة، طالما أن الزوج الثاني سيكون أمينا عليه، وسوف يعيش مع الأم حياة آدمية ولو مع رجل غريب.
وبدأ العد التنازلي في مجلس النواب لمناقشة قانون الأحوال الشخصية الجديد، وقال برلمانيون إنه سوف ينتصر للمرأة المطلقة ليكون من حقها الاحتفاظ بأولادها إذا تزوجت، وحال تمت المصادقة على هذه المادة سوف تكون مقدمة لوقف رهبنة المطلقات اللاتي يخترن عدم الزواج لاستمرار أولادهن في حضانتهن.
واعتادت بعض محاكم الأسرة في مصر أن تصدر أحكاما تتعارض مع قانون الأحوال الشخصية الذي يحرم الزواج على المرأة الحاضنة كنوع من تطبيق روح القانون بشكل إنساني طالما أن الزوج الثاني حسن السمعة وأمين على الأبناء، إلا أن الأمر بحاجة إلى مظلة تشريعية وليس سلطة تقديرية من القاضي، لأن غالبية القضاة يلتزمون بالنصوص القانونية.
وتتوقع العديد من الأصوات النسائية أن يمرر مجلس النواب هذا النص التشريعي، لأنه كان من أهم المطالب التي نادت بها المنظمات الحقوقية المعنية بشؤون وقضايا المرأة. وسبق أن تقدم المجلس القومي للمرأة (جهة حكومية) بمطالب عديدة إلى وزارة العدل ومجلس الوزراء والبرلمان بضرورة وضع حد لترهيب النساء المطلقات إذا فكرن في خطوة الزواج وابتزازهن بأولادهن.
وترى حقوقيات أن الدعم الذي صارت تقدمه الحكومة المصرية للمرأة لرفع الظلم الواقع عليها بسبب تشريعات قديمة وظالمة هو مؤشر على منح المطلقات الحق الكامل في الزواج ثانية دون أن تسقط عنهن الحضانة، وبالتالي لن يكون من حق الرجل أن يطاردها أو يبتزها لتتنازل عن النفقة الزوجية أو السكن، فلن تحتاج إليه ثانية.
ولن يكون من حق الرجل المطالبة بإسقاط حضانة أولاده عن مطلقته طالما يعيشون حياة سوية وتتم تربيتهم بشكل سليم ولا يتعرضون لأذى ولم يتأثروا بزواجها، في حين أن قانون الأحوال الشخصية الحالي يعتبر وجود الأبناء مع أب غريب خطر عليهم حتى لو كان أمينا عليهم أكثر من والدهم.
وقالت أسماء مجدي لـ”العرب” إن طليقها تزوج ويعيش حياته بشكل طبيعي، وما زالت تصرفاته مشينة ومعيبة، وأهمها تعاطي المخدرات، ولا يمكن أن يكون أمينا على ابنها وإسقاط حضانة الطفل بسبب أب مثل هذا ظلم بيّن للابن والمرأة، وأن أملها في تشريع يرفع السيف المسلط على المطلقات ويوقف الانحياز للرجل.
وأكد الرئيس عبدالفتاح السيسي أخيرا أن قانون الأحوال الشخصية الجديد سوف يرفع الظلم الواقع على المرأة في كل ما يتعلق بالزواج والطلاق والحضانة والولاية التعليمية، لأن التشريع المعمول به لم ينصفها بالقدر المعقول وسوف يخرج التشريع الجديد بصورة ترضي جميع النساء.
إقرار قانون يسمح للمطلقات بالزواج مع استمرار الحضانة يخفض من معدلات الزواج العرفي الذي يهين المرأة
وتدرك الحكومة جيدا أن المطلقة أمامها مساران لا ثالث لهما للاحتفاظ بحضانة الأبناء، الأول أن تختار عدم الزواج مرة ثانية لتجنب انتقام طليقها منها بشكواها قضائيا، أو اللجوء إلى الزواج العرفي غير الموثق حتى لا يجد زوجها السابق أي مستند رسمي يستغله ضدها ويُسقط عنها الحضانة، والأمران يقودان إلى ظلم المرأة.
فإذا اختارت المطلقة المسار الأول وقررت أن تستمر دون زواج فستعاني من وصمة المجتمع لها والنظر إليها بطريقة دونية ودائما ما تثار الشكوك حول حياتها وسلوكاتها وتصرفاتها ولا تعيش حياة طبيعية، بل إنها غالبا ما تكون مستهدفة من بعض الرجال غير الأسوياء لاستمالتها عاطفيا، باعتبار أنها تعيش وحيدة وبحاجة إلى من يملأ حياتها ولو بشكل غير مشروع.
أما لو قررت المضي في المسار الثاني وتزوجت عرفيا، فلن تسلم من ألسنة الناس، ودائما ما تكون موضع شبهات، لأنها اختارت أن يكون زواجها سريا، ويبدأ المحيطون في التفتيش حول تصرفاتها وسلوكاتها، لأنها لو كانت سوية ولا تشوبها شائبة لما اختارت أن تتزوج في الخفاء دون أن يدرك هؤلاء الظلم الذي سيقع عليها لو أعلنت زواجها على الملأ.
في المقابل يعيش الرجل حياته بكل أريحية، بل إن القانون يبيح له الزواج مرة ثانية وثالثة ورابعة، ويمنحه الشرع أن يحتفظ بالزوجات الأربع، مع أن مطلقته محرومة من الحد الأدنى في حرية اختيار الشريك المناسب الذي يعوضها عن سوء اختيارها في الماضي، وقد لا يكل من استهدافها بحثا عن إسقاط الحضانة عنها إذا علم أنها تزوجت.
وقالت عنان حجازي استشارية العلاقات الأسرية بالقاهرة إن إنصاف المرأة بالسماح لها بالزواج بعد الطلاق مع احتفاظها بالأبناء ضمانة لحقوق الأمهات وأولادهن في أن يعيشوا حياة كريمة طالما أن الأب غير سوي والزوج الثاني سيكون أمينا عليهم، لأنه لا يمكن التعامل مع المرأة التي تتزوج بعد طلاقها على أن غريزة الأمومة لديها انعدمت لمجرد أنها تُريد “السُترة”.
وأضافت لـ”العرب” أن إقرار قانون يسمح للمطلقات بالزواج مع استمرار الحضانة يخفض من معدلات الزواج العرفي الذي يرمي المرأة في الطريق المجهول ولا يحفظ حقوقها، ويتعارض حرمان امرأة من الزواج لمجرد أنها حاضنة مع حقوق الإنسان ويكرس إذلال وترهيب المطلقات، فأي عقل يقول إن المطلقة ليس من حقها أن تؤسس حياة أسرية جديدة مع رجل وجدت معه الراحة والأمان والطمأنينة؟
وكشفت دراسة حديثة صادرة عن جمعية تنمية المرأة المصرية أن 90 في المئة من المطلقات يخترن الرهبنة خشية خسارة الحضانة، في حين تلجأ نسبة قليلة منهن إلى الزواج العرفي لأن الرجل لن يستطيع إثباته من خلال السجلات الرسمية، ما يعني أن إقرار تشريع يقر حق المطلقة في الزواج الثاني ضرورة مع ارتفاع معدلات الطلاق.