مصر تواجه العنف الأسري بقانون يحارب ضرب الأزواج

مواجهة العنف الزوجي بالعرف عوض القانون يؤدي إلى استمرار الظاهرة.
الأربعاء 2021/10/20
وضع قانون لمحاربة العنف بين الأزواج يحد من انتشاره

سنّت مصر قانونا مستقلا يتصدى للعنف بين الزوجين، وذلك في أول تحرك رسمي ضد الظاهرة التي ارتفعت وتيرتها إلى مستويات قياسية. وتتعرض نسبة كبيرة من الزوجات إلى العنف الجسدي ويضطررن للدفاع عن أنفسهن بتبادل العنف مع الشريك ما جعل لجنة المقترحات في البرلمان تتطرق إلى الاعتداءات التي تقع على الرجال أيضا عند مناقشتها للتشريع الجديد.

القاهرة – عكست حادثة انتحار زوجة مصرية، مؤخرا، لهروبها من الاعتداء الجسدي الذي تتعرض له على يد زوجها بشكل متكرر ارتفاع العنف بين الأزواج في مصر، ما دفع نواب داخل البرلمان للتقدم بتشريع يعاقب الزوج أوالزوجة إذا ضرب أحدهما الآخر، في أول تحرك رسمي بقانون مستقل يتصدى للعنف الذي يقع بين الشريكين.

ويرى أعضاء بمجلس النواب أنه لا بديل عن وجود عقوبات مستقلة في تشريع خاص لمواجهة ظاهرة ضرب الأزواج بعدما وصلت إلى مرحلة خطيرة كشفت عنها دعاوى الطلاق في محاكم الأسرة، والبحوث الميدانية التي تجريها كل من وزارة التضامن الاجتماعي والمجلس القومي للمرأة، وأظهرت ارتفاع وتيرة العنف إلى مستويات قياسية.

وقالت نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي إن قرابة 43 في المئة من الزوجات يتعرضن للعنف الجسدي، لكن التشريع الجديد الذي تناقشه لجنة المقترحات في البرلمان تطرق إلى الاعتداءات التي تقع على الرجال أيضا، وأقر عقوبات تبدأ من الحبس ثلاث سنوات وتصل إلى خمس إذا نتج عن الضرب عاهة جسدية.

يؤكد مؤيدون لمقترح القانون أنه يصعب مواجهة ظاهرة العنف بين الأزواج في المجتمع المصري دون وجود مظلة تشريعية صارمة تحمي كلاهما من اعتداء الآخر، بعدما أصبحت العلاقة بين الزوجين داخل بعض الأسر أشبه بحلبة مصارعة، يسعى كل طرف فيها لحسمها لصالحه بعيدا عن التفاهم وحل المشكلات بلا صدام أو عنف.

ويصطدم تطبيق القانون، حال المصادقة عليه، بطبيعة المجتمع المصري الذي يقدس العادات والتقاليد والأعراف، إذ يصعب على الزوجة أن تشكو شريكها للقضاء في حالة الاعتداء عليها جسديا، لأنها بذلك تكون كتبت نهاية العلاقة بيديها، ويصعب أن تعود إلى بيت الزوجية مرة ثانية، لأنها سلكت المسار الذي ترفضه أغلب الأسر.

وقد يكون من المستحيل أن يضحي أيّ رجل بكرامته ويذهب إلى مركز الشرطة لتحرير محضر ضد زوجته بدعوى أنها تضربه، لأن ذلك يضعه في مرمى السخرية والتعليقات التي تنال من رجولته وكيانه وتجعله عرضة للتنمر، لذلك يفضل الكثير من الرجال التزام الصمت على ما يتعرضون له من اعتداءات على أيدي الزوجات.

كثيرا ما تعرضت مروة محروس إلى الاعتداء الجسدي على يد زوجها ونصحها بعض الأقارب والأصدقاء بتحرير محضر في قسم الشرطة ضده، لكنها عندما عرضت الأمر على أشقائها رفضوا بشدة، لأنها إذا فعلت ذلك ستلحق بهم العار والفضيحة، وأمام تمسكها بموقفها وإبلاغ عائلتها باعتزامها شكواه قضائيا تم تهديدها بالقطيعة الأبدية.

مواجهة ظاهرة العنف بين الأزواج في المجتمع المصري تصعب دون وجود مظلة تشريعية صارمة تحمي كلاهما من اعتداء الآخر

وأوضحت الزوجة لـ”العرب” أن أشقاءها في كل مرة يتم الاعتداء عليها يقبلون بالصلح مع زوجها، وأمام تعرضها الدائم للضرب لأقل شيء صارت تبادر شريكها نفس التصرف، قائلة “نعم أصبحت أضربه بقدر المستطاع، على الأقل لأجلب حقي وأحفظ كرامتي أمام نفسي وأولادي، فليس أمامي سوى هذا الطريق طالما استسهل الإهانة”.

يعتقد متخصصون في العلاقات الأسرية أنه أمام تفضيل أغلب الأسر مواجهة العنف الزوجي بالعرف وليس القانون، فإن الاعتداءات الجسدية بين الشريكين لا يمكن أن تنتهي بمجرد إقرار تشريع يتصدى لها طالما أن الطرفين لا يتجاوبان مع فكرة اللجوء إلى القضاء من الأساس ويختاران الصمت عن التشهير والفضيحة وكسر العادات.

ثمة معضلة أخرى ترتبط بأن غالبية النساء في المجتمعات الريفية والشعبية والمناطق النائية، وهن أكثر عرضة للعنف الجسدي على أيدي أزواجهن، يجهلن الحد الأدنى من المعرفة بحقوقهن ضد من يتعرض لهن بالعنف ولا يمكن لهؤلاء الزوجات أن تتحرك إحداهن خطوة واحدة للثأر لكرامتهن بعيدا عن موافقة من العائلة.

وتميل النسبة الأكبر من الأسر في هذه المناطق لحل الخلافات الزوجية بالجلسات الودية، مهما بلغت درجة الاعتداء الجسدي على المرأة، ولا تملك النساء في المجتمعات الريفية والشعبية إلا أن ترضخ لرغبات عائلاتهن بالاستمرار بمنزل الزوجية، أيّ أنهن منزوعات القرار وينعدم عندهن الاستقلال في تحديد مصائر حياتهن وطريقة الدفاع عن حقهن.

وأكدت رحاب العوضي استشارية العلاقات الأسرية وتقويم السلوك بالقاهرة، أن وجود تشريع خاص بمواجهة العنف الجسدي بين الأزواج مطلوب، على الأقل لترهيب كل طرف، والشعور بأن هناك قانونا يُعاقب المعتدي، لكنه من المستبعد أن يلجأ أيّ طرف للقضاء إلا إذا كانت لديه النية في إنهاء العلاقة والوصول بها إلى دوامة الانفصال.

رحاب العوضي: لغة العرف تبقي العنف قائما دون محاسبة المعتدي
رحاب العوضي: لغة العرف تبقي العنف قائما دون محاسبة المعتدي

وأضافت لـ”العرب” أنه عندما تكون لغة العرف هي السائدة بين العائلات وأقوى من القانون، فإن العنف سيظل قائما دون محاسبة المعتدي، لكن يصعب فصل حل الخلافات بالضرب عن التنشئة التي خضع لها كل شريك، فالأسرة هي الأساس، وطريقة التربية عليها العامل الأكبر، ويصعب القضاء على العنف إلا إذا عرف كل طرف أن العلاقة الزوجية لها قدسيتها.

وأشارت إلى أن تقويم سلوك الزوجين يحتاج إلى تأهيلهما للعلاقة السوية منذ الصغر، وللأسف هناك شرائح مجتمعية تبرر العنف ضد المرأة تحديدا، لذلك صار حتميا أن يعاد تقديم الأنثى للذكر بشكل متحضر إعلاميا وفنيا وتعليميا ودينيا بأن الاعتداء عليها يتعارض مع قيم الرجولة، والمهم أن يتم توعية الشريكين بشأن كيفية تجاوز المشكلات قبل الوصول إلى مرحلة الصدام.

ويشير باحثون في العلاقات الاجتماعية إلى أن وعي الكثير من النساء بحقوقهن، لاسيما في المناطق الحضرية، ورفضهن فكرة الاستسلام للهيمنة الذكورية على سلوكياتهن وتصرفاتهن، دفعهن لكسر المحرمات المجتمعية والتعامل مع الشريك الدكتاتور بالضرب، صار واقعا ملموسا بين الفئات النسوية التي تميل للتعامل مع الرجل بندية بطريقة “الرأس بالرأس”.

تستثمر هذه الشريحة من النساء في التزام الرجل بالصمت مهما تعرض للاعتداء حفاظا على رجولته وكرامته، وغالبا ما تكون المرأة من هذه النوعية مستقلة القرار بعيدا عن أسرتها، وعلاقتها بشريكها وصلت إلى طريق مسدود، لكنها لا ترغب في الانفصال حفاظا على أولادها أو ترفض حمل لقب مطلقة في مجتمع لا يحترم المطلقات.

وضاعفت فتاوى بعض رجال الدين من تكريس العنف بين الزوجين، فبينهم من أباح رد عنف الزوج أو الزوجة، والكثير منهم لا يكل عن تحريض الرجل على تأديب زوجته إذا شعر بأنها بدأت تتمرد عليه أو تخرج عن طوعه، ما جعل ثقافة الضرب متجذرة داخل الأسرة طالما توافرت الأسباب والدوافع والمبررات للطرف المعتدي.

ويمثل وجود تشريع خاص بمواجهة العنف بين الأزواج، كأداة ترهيب للطرفين، مسألة مهمة، غير أن الخوف من عدم تفعيله في مصر، مثل قوانين مواجهة الختان وزواج القاصرات، ولذلك لا بديل عن الاستثمار في الأجيال الصاعدة، وهم أرباب الأسر في المستقبل، لتوعيتهم بقدسية العلاقة الزوجية وكيفية حل المشكلات بعقلانية، وتأهيلهم سلوكيا وتربويا بأن الزواج القائم على الندية نهايته الانهيار، على عكس ذلك القائم على قيم التفاهم والتشارك التي تحصن العلاقة من أي إهانة ولو كانت لفظية.

17