الاضطرابات السياسية وغياب الاستقرار في تونس يفاقمان نسبة البطالة

تونس - تفاقمت نسبة البطالة في مختلف القطاعات الاقتصادية في تونس، وفقدت المؤسسات الكبرى قدرتها التشغيلية المعهودة بسبب الاضطرابات السياسية المتواصلة، وعمقتها الأزمة الصحية والمطالب الاجتماعية وفي مقدمتها التشغيل الذي يمثل مطلبا شعبيا منذ سنة 2011.
وكشفت دراسة محلية أصدرها المرصد التونسي للاقتصاد (منظمة بحثية غير حكومية) في سبتمبر الماضي أن القطاعات الاقتصادية الكبرى خسرت قدرتها التشغيلية بسبب الاضطرابات السياسية في البلاد خلال السنوات الماضية، وفقدت قدرتها على خلق فرص العمل لفائدة قطاعات أخرى أقل قدرة على استيعاب العاطلين عن العمل.
وأوضحت الدراسة أن أكبر قطاعات التوظيف في تونس تجد صعوبة في خلق المزيد من فرص العمل، بل إنها تعتبر الأكثر تضررا من عدم الاستقرار المحلي والدولي.
ودخلت تونس منذ الخامس والعشرين من يوليو الماضي مرحلة سياسية جديدة بإعلان الرئيس قيس سعيد تدابير استثنائية تم بمقتضاها تعليق أشغال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة، ولا تزال تنتظر خطة إنعاش اقتصادي لإنقاذ أكثر من 750 ألف عاطل عن العمل وما يزيد عن مليون أسرة فقيرة.
ويرى خبراء الاقتصاد أن الاضطرابات السياسية التي شهدتها البلاد على امتداد العشرية الأخيرة فاقمت نسب البطالة في مختلف القطاعات، علاوة عن الأزمة الصحية تبعا لانتشار جائحة كورونا في السنتين الأخيرتين مدفوعة بأزمات اقتصادية واجتماعية ظهرت تداعياتها تدريجيا.
وأفاد أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي أن “الاضطرابات السياسية وعدم استقرار المشهد يعطيان عدم وضوح للمستثمر الذي لا يمكن أن يستثمر في الغموض”، قائلا “الاستثمار يكون من عشر إلى عشرين سنة في علاقة بالمردودية مع رؤية واضحة للمستقبل السياسي والاجتماعي والجبائي”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “النمو الاقتصادي سجلت تراجعا السنة الماضية بنسبة 9 في المئة، وفضلا عن تداعيات الأزمة الصحية بسبب جائحة كورونا التي عمقتها الأزمة السياسية وغياب الاسستقرار”.
وأردف الشكندالي “تضررت الآلاف من المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وستؤدي إلى تداعيات اقتصادية واجتماعية كبيرة، والمستثمرون أصبحوا يبحثون عن مناطق أخرى أكثر استقرارا على غرار المغرب”.
وتابع “المؤسسات الدولية المانحة تعطي الحكومة الثقة حتى تقدم سياسات جديدة، ولا بد من التدقيق في المالية العامة لأنه يوجد سوء تصرف في المال العام، وتفاقم في نسبة البطالة في حدود 18 في المئة”.

وأكد الشكندالي أن “نسبة النمو الاقتصادي ستتراجع وأن البطالة ستتفاقم أكثر، إلا إذا أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد تجميع التونسيين وخلق نوع من الهدوء والاستقرار والسلم الذي يساعد المستثمرين على الاستثمار في البلاد”.
وبلغت نسبة البطالة في تونس خلال الربع الثاني من العام الحالي 17.9 في المئة.
وأفادت وكالة التصنيف “ستاندرد أند بورز” بأنّ مستوى النمو الاقتصادي في تونس لن يكون كافياً لمواجهة معدل البطالة المرتفع وتدهور مستوى المعيشة.
وقالت الوكالة في تقرير نشرته مؤخرا إنّ الاضطرابات السياسية الأخيرة خلقت في تونس بيئة متعثرة، مرجّحة أن تشهد البلاد أبطأ انتعاش بين بلدان شمال أفريقيا الثلاثة وفي منطقة الشرق الأوسط، بمعدل نمو لن يتجاوز 3.8 في المئة هذا العام و2.1 في المئة في المتوسط على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
وفي كل موعد انتخابي تشريعي ورئاسي تفرز صناديق الاقتراع مشهدا سياسيا مشحونا بسبب التجاذبات والخلافات بين الأحزاب والكتل النيابية، فضلا عن إهمال الطبقة السياسية لمشاغل المواطنين والتنكر لوعودها تجاههم أثناء الحملات الانتخابية.
وأشار التقرير إلى أنّ التوترات السياسية تصاعدت في تونس منذ الخامس والعشرين من يوليو الماضي، عندما علّق الرئيس قيس سعيّد عمل البرلمان لمدة ثلاثين يوماً وأقال الحكومة وأعلن أنه سيحكم بمراسيم رئاسية، ليتم لاحقاً تمديد التعليق إلى أجل غير مسمى، ما يجعل الخطوات التالية غير واضحة.
ومن المنتظر أن يلتحق العاملون في القطاع السياحي بصفوف العاطلين عن العمل، بعد أن سمح لهم موسم الصيف بالاستفادة من الانتعاش النسبي للقطاع مع عودة فتح النزل أمام النزلاء المحليين، في وقت يتواصل فيه الغموض بشأن الموعد الجديد لعودة الأسواق الخارجية وقدوم السياح الأجانب.
واستعادت فنادق تونسية حيويتها التي نتجت عنها حركية في سوق العمل بالقطاع الذي نزف أكثر من 200 ألف فرصة عمل خلال موسمين بسبب الجائحة الصحية العالمية، إلا أن القطاع يستعد للعودة إلى الركود مجدّدا.
ورجحت السلطات التونسية أن تخسر السياحة أربعة مليارات دينار (1.4 مليار دولار) ونحو 400 ألف وظيفة، حسب رسالة وجهها البنك المركزي إلى صندوق النقد الدولي.
وتداول على إدارة الشأن العام بالبلاد منذ 2011 تسعة رؤساء حكومات، دون احتساب الحبيب الجملي الذي أخفق في إقناع البرلمان بفريقه الحكومي في 2020.
ولم تفلح الحكومات المتعاقبة في معالجة أزمة البطالة المتفاقمة بسبب ضعف تصوراتها السياسية والاجتماعية وغياب برامج واضحة، ما تسبب في خلق هوّة كبيرة بينها وبين المواطنين.