ذوو "الهمم" في المناصب الإعلامية.. الترويج يظلم الموهبة

قدمت الهيئة الوطنية للإعلام في مصر مبادرة إيجابية بإدماج “ذوي الهمم” في مجال الإعلام، وهو ما لم يكن مألوفا سابقا، لكن الترويج المبالغ فيه لهذه الشخصيات الإعلامية من هذه الفئة بات ينظر إليه على أنه اختيار بعيد عن المهنية، لذلك تحتاج وسائل الإعلام إلى معايير واضحة للتعامل مع المتقدمين إليها من أصحاب الاحتياجات الخاصة.
القاهرة – قررت الهيئة الوطنية للإعلام في مصر تعيين الإذاعي رضا عبدالسلام رئيسا لإذاعة القرآن الكريم، في إطار خطة حكومية لتسليم ذوي الاحتياجات الخاصة (ذوي الهمم) مناصب إعلامية مختلفة، لكن برزت التساؤلات حول معايير اختيار الشخصيات الإعلامية من ضمن هذه الفئة.
وأشارت هيئة الإعلام التي تتولى مهمة الإشراف على اتحاد الإذاعة والتلفزيون الحكومي إلى أن قرارها الذي صدر قبل أيام جاء في إطار اهتمام الدولة بأصحاب الاحتياجات الخاصة ودعم حقوقهم، فضلا عن أن اختيار عبدالسلام يتوافق مع معايير الكفاءة والقدرة على إدارة مؤسسة إذاعية عمل بها لأكثر من ثلاثين عامًا وقدم خلالها العديد من البرامج.
ويعد الإذاعي المخضرم الذي يعاني منذ مولده من مرض ضمور الذراعين أول مذيع من أصحاب الهمم يتولى رئاسة إذاعة مصرية رسمية.

نرمين خضر: اختيار ذوي الهمم في الإعلام يخضع لعوامل إنسانية ثم مهنية
توصيل الرسالة الإعلامية
بدورها تقدم الإعلامية رحمة ضياء، وهي من مصابي متلازمة داون، برنامج “8 الصبح” على فضائية “دي.أم.سي”. وشاركت سما رامي، وهي أيضًا مصابة بمتلازمة داون، في تقديم عدد من البرامج الاجتماعية على فضائية “دي.أم.سي” و”أون.إي”.
ولم يكن وصول ذوي الهمم إلى مواقع إعلامية أمرا مألوفا في الإعلام المصري، وهناك نظرة سائدة بأن هؤلاء يفتقرون إلى القدرة على توصيل الرسالة الإعلامية بالصورة السليمة، ما يؤدي إلى مشكلات مهنية يصعب التعامل معها على الهواء، لذلك فإن أغلب الكوادر التي انضمت إلى قنوات وإذاعات مختلفة تتولى مهام بعيدة عن التواصل المباشر مع الجمهور.
وتعرّض الإذاعي رضا عبدالسلام إلى مشكلات عديدة، ولم يتمكن من تحقيق حلمه بعد أن جرى رفضه في الاختبارات أكثر من مرة حتى تمكن من دخول الإذاعة، واستطاع أن يتجاوز إعاقة يديه التي سببت له الكثير من الصعوبات في التعامل مع أجهزة الصوت، لكن ذلك لم يؤثر على جودة صوته العذب الذي يمكن التعرف عليه بسهولة، ما أوجد ألفة كبيرة بينه وبين شريحة عريضة من المستمعين.
وتتمثل المشكلة الرئيسية في أن وسائل الإعلام المصرية لا تمتلك معايير واضحة للتعامل مع المتقدمين إليها من أصحاب الاحتياجات الخاصة ولم تعُد اختبارات الكفاءة التي كانت تجرى في السابق معياراً لاختيار المذيعين، وهو ما يؤدي إلى التيقّن من أن اختيار ذوي الاحتياجات الخاصة خاضع لتوجهات سياسية أكثر من كونه مرتبطا بكفاءة مهنية، ومطلوب تواجدهم في جميع المجالات -ومن بينها الإعلام- طالما توافرت فيهم الكفاءة.
ويملك الإذاعي رضا عبدالسلام تاريخا مهنيا ناجحا وطويلا ويتمتع بصوت هادئ ومتميز وفر له ولبرنامجه “قطوف من السيرة” الذي يقدمه منذ سنوات شهرة واسعة، وهو أمر يتماشى مع البرامج الإذاعية المسموعة وقد لا يكون مقبولاً بالنسبة إلى التلفزيون الذي بحاجة إلى قدرات شكلية وصوتية في الوقت ذاته.
ويقول خبراء إن معايير الشكل تؤخذ كثيرا بعين الاعتبار في مجال العمل التلفزيوني، غير أنه ليس بالضرورة توافرها في الإذاعة التي لا تتطلب ظهور المذيع، وإن كانت بعض المحطات الإذاعية الآن تبث إرسالها تلفزيونيا.
وأوضح أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة حسن عماد مكاوي لـ”العرب” أن قرار الهيئة الوطنية للإعلام نقلة إيجابية حيث يمنح كل شخص لديه مهارات إعلامية متطورة الحق في التدرج الوظيفي ليكون على رأس شبكة إذاعية تحظى باهتمام واسع، كما يشكل نموذجًا يمكن الاقتداء به من قبل لجان الاختبارات التي غالبًا ما ترفض قبول ذوي الاحتياجات الخاصة دون تقييمهم بصورة مناسبة.

الإذاعي رضا عبدالسلام استطاع أن يتجاوز إعاقة يديه التي سببت له الكثير من الصعوبات في التعامل مع أجهزة الصوت
وأضاف مكاوي، الذي شارك في لجان اختبارات القبول بالتلفزيون المصري، أنه أصر على قبول إحدى المتقدمات للإذاعة قبل سنوات وكانت فاقدة لحاسة البصر لكنها تمتلك صوتا مميزا وقدرة عالية على التعامل أمام الميكروفون، ووجدت أن إعاقتها لن تقف حائلاً أمام قيامها بأداء رسالتها، ولقي قراره اعتراضًا واسعًا في حينه من جانب المسؤولين في التلفزيون، ومع ذلك جرى تعيينها.
وأشار إلى أن المعايير الأساسية لقبول الإعلاميين ذوي الإعاقة أو ذوي الهمم تتعلق بقدرتهم على جذب الجمهور إلى المنبر الذي يطلون من خلاله، والمصداقية في نقل الحدث؛ بمعنى القدرة على نقل معلومات صحيحة بطريقة تجذب انتباه الجمهور المستقبل والتفاعل مع ردود الأفعال عبر الهاتف أو الرسائل النصية، وأن يشعر المتلقي بأن هذا المذيع قريب منه ولا توجد عوائق في عملية التواصل معه.
وبحسب العديد من خبراء الإعلام فإن احتفاء وسائل الإعلام المصرية بالنماذج التي ظهرت على التلفزيون عبر برامج صباحية واجتماعية يخصم من رصيد تلك النماذج التي قد تكون لديها الكفاءة والمهارة التي تجعلها تستحق التواجد في هذا المكان.
لكن التعامل مع الأمر باعتباره إنجازاً يقوض قدرة الوسيلة الإعلامية على حماية هذه النماذج ذات الكفاءة حال تعرضت للسقوط في أخطاء مهنية أمام الجمهور.
ودائما تكون عملية الترويج للنماذج الإعلامية من ذوي الاحتياجات الخاصة دافعًا إلى طرح العديد من الأسئلة حول الأهداف الحقيقية التي تقف وراء ظهورها، لأنها تأتي في وقت مازالت الحكومة تواجه فيه اتهامات بإهمال حقوق ذوي الهمم وعدم توفير السبل التي تؤمّن لهم ممارسة حياتهم بشكل طبيعي.
قدرات مهنية
في المقابل يرى آخرون أن فسح المجال أمام أصحاب الاحتياجات الخاصة للظهور في الإعلام يمثل هدفًا تبحث عنه الحكومة لتغيير ما ترسّخ في أذهان المواطنين من أن هؤلاء يفتقرون إلى القدرة على تأدية مهامهم باتقان، وأنها تبعث برسائل إيجابية تشجّع نماذج أخرى لديها قدرات مهنية وتستطيع أن تعبر عنها في وسائل الإعلام بمختلف أشكالها.
وأوضحت عميدة كلية الإعلام بالجامعة العربية المفتوحة نرمين خضر أن اختيار ذوي الهمم في مناصب إعلامية يخضع أولاً لعوامل إنسانية ثم للمعايير المهنية، بما يعبر عن تقدير الدولة لهذه الفئات ومنحها فرصة تولي مناصب قيادية، وهي فكرة نبيلة يجب أن يجري تعميمها في كافة المهن الأخرى.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن “دعم ذوي الاحتياجات الخاصة لا يقتصر على دعم النماذج الإعلامية، فوسائل الإعلام أيضا تلعب دورا هاما في تقديم النماذج المتميزة إلى المجتمع وتسليط الضوء على إنجازاتها وتوضيح أدوارها في المجتمع، مع ضرورة الاهتمام بالبرامج الهادفة والتشجيع على تقديم خدمة ترجمة الكلام بلغة الإشارة للصم والبكم، ما يخلق حالة من التواصل بين الإعلام وهذه الفئات”.