حذر مصري من نتائج السماح بعبور قافلة "الصمود" أو منعها

بين حرصها على عدم الظهور في موقع المدافع عن إسرائيل، ورفضها القاطع لأي محاولة لفرض واقع أمني جديد على حدودها الشرقية، تواجه مصر موقفًا بالغ الحساسية تجاه قافلة "الصمود" المتجهة إلى معبر رفح. فمع تصاعد الزخم الشعبي والدولي للقافلة، تبدي القاهرة مخاوف أمنية مشروعة، خاصة في ظل احتمال تسلل عناصر متطرفة بين المشاركين، وما قد يترتب عن ذلك من تهديدات مباشرة لأمنها القومي، وسط بيئة إقليمية معقدة وغير مستقرة.
القاهرة - تنتظر قافلة “الصمود” البرية لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة من قبل إسرائيل، الحصول على موافقة مصرية، للوصول إلى معبر رفح الحدودي (شمال شرق القاهرة)، وسط محاذير عديدة، حيث تخشى القاهرة أن يتحول مشهد وجود آلاف الأشخاص، من جنسيات مختلفة، قرب الحدود مع غزة، إلى فوضى، بما يشكل ضغطا على مصر، بدلاً من تحقيق هدف القافلة المتمثل في الضغط على إسرائيل.
وناشد التحالف العالمي لمناهضة الاحتلال في فلسطين، الذي يرعى القافلة، السلطات المصرية تسهيل دخول أكثر من أربعة آلاف متضامن من 54 دولة، بينهم وفد برلماني أوروبي، يعتزم التوجه إلى مدينة العريش، ثم إلى معبر رفح، للمشاركة في اعتصام سلمي يوم الأحد المقبل، ضمن فعاليات المسيرة العالمية من أجل غزة.
ووفقا لتصريحات أدلى بها الممثل السويسرى للمسيرة صموئيل كريتيناند، فإن المشاركين لا يخططون لدخول غزة بالقوة، وحال منعهم، فالحضور السلمي القانوني بحد ذاته، المكون من الآلاف وعشرات الجنسيات، سيولد حضورا عالميا إعلاميا.
وقدم مسؤولون عن القافلة تطمينات إلى جهات رسمية في القاهرة، والتقوا السفير المصري بتونس، غير أن مصر لا تريد أن تظهر في موقف المدافع عن إسرائيل، ولن تقبل أن يتم فرض واقع أمني عليها في مدينة رفح المصرية المجاورة لرفح الفلسطينية، ما يوجد مفاضلة بين اتخاذ موقف سياسي يضغط على إسرائيل، وبين الارتكاز على بعد حيوي يضع تأمين الأمن القومي لمصر كأولوية على أي ضغوطات.
ولدى المشاركين في قافلة الصمود مطالب، بينها وقف إطلاق النار وفتح حدود قطاع غزة للمساعدات، وانسحاب القوات الإسرائيلية، وبدء تطبيق برنامج إعادة الإعمار وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية.
وقال المتحدث باسم قافلة الصمود غسان الهنشيري، الأربعاء، إن المشاركين في ينتظرون التصاريح اللازمة لدخول الأراضي المصرية، وأنه لم يتلق أي رد رسمي من الجانب المصري، حتى ظهر الأربعاء، لا بالقبول أو الرفض، مشددا على أن اللقاء مع سفير القاهرة في تونس كان “إيجابيا.”
وأكد الخبير في شؤون الأمن القومي اللواء محمد عبدالواحد أن القاهرة أمام موقف لا تحسد عليه، فالقافلة تسبب حرجا للسلطات، لأن أعداد المشاركين سيتضاعف بعد دخول الأراضي المصرية، وهي مبادرة رمزية وإنسانية قوية تهدف لفك الحصار عن غزة ودعم الفلسطينيين، وتلفت أنظار المجتمع الدولي للقضية.
وأوضح لـ”العرب” أنه من المقرر أن ينضم إلى قافلة الصمود مئات النشطاء من دول أوروبية مختلفة، سيصلون إلى القاهرة جوا، محملين بموقف يدعم رؤية مصر بشأن الضغط على إسرائيل.
وقال عبدالواحد إن الموقف الأمني سيكون غاية في الخطورة بسبب كيفية السيطرة على حشود ستصل إلى معبر رفح، وآليات تأمين قافلة لمسافة تبلغ نحو ألف كيلومتر من الحدود الغربية المصرية إلى شرقها.
وتؤكد مصر على ضرورة الحصول على موافقات مسبقة لإتمام الزيارات. وأن السبيل الوحيد لمواصلة السلطات المصرية النظر في تلك الطلبات هو من خلال اتباع الضوابط التنظيمية والآلية المتبعة منذ بدء الحرب علي غزة، وهي التقدم بطلب رسمي للسفارات المصرية في الخارج أو من خلال الطلبات المقدمة من السفارات الأجنبية بالقاهرة، أو ممثلي المنظمات الى وزارة الخارجية.
وسبق أن رتبت القاهرة العديد من الزيارات لوفود أجنبية، سواءً حكومية أو من منظمات حقوقية غير حكومية.
ويحمل منح تأشيرات لأشخاص غير معروفين بهذا العدد خطورة بالغة، لأن الدولة المصرية ما زالت تواجه تحديات أمنية منذ ثورة 30 يونيو 2013، بسبب تربص جماعة الإخوان ومتحالفين معها، وهناك قلق أمني عام من أي تجمعات نتيجة عدم توافر الاستقرار بشكل كامل في البلاد، والخوف من دخول عناصر متطرفة من ليبيا التي تعج بمتشددين من جنسيات مختلفة.
ومن المتوقع أن تنضم للقافلة حشود مصرية تحمل ارتباطا عاطفيا وسياسيا بالقضية الفلسطينية، ومع تزايد الأعداد سينجم موقف حرج للقاهرة، في حين أن الوقفات التي جرى تنظيمها سابقا أمام معبر رفح كانت تحت سيطرة أمنية محكمة، ما يضع مصر أمام تحديات كبيرة، بعضها يرتبط بالسماح بوصول القافلة إلى رفح للضغط على إسرائيل أم تجنب أي توترات متوقعة، وعدم الموافقة على التجمع عند تلك النقطة.
وستجد السلطات المصرية نفسها في موقف حرج إذا سمحت بدخول القافلة، أو منعتها، لأن التماشي مع الموقف الرسمي الرافض لإجراءات الإبادة الجماعية للفلسطينيين قد تترتب عليه مشكلات أمنية سياسية، يمكن أن تبعثر طريقة التعامل مع خطط التهجير.
كما أن الرفض القاطع يضع القاهرة في موقف يحمل أوجه عدة، يصفها البعض بأنها داعمة لما تقوم به القوات الإسرائيلية، لأن هناك مناشدات سابقة لمصر نحو الدفع باتجاه إدخال المساعدات عبر معبر رفح والضغط على إسرائيل.
وذكر اللواء محمد عبدالواحد في حديثه لـ”العرب” أن تحقيق أهداف الضغط على إسرائيل بالقوافل الإنسانية وتجمعها عند معبر رفح صعب للغاية، مع توالي الضغوط الدبلوماسية الدولية التي لم تأت بنتائج كبيرة بعد، والمواقف الإقليمية والدولية الملتبسة من الحرب على غزة تثير هواجس من وجود نوايا خفية وراء إطلاق هذه القافلة.
وتضع السلطات المصرية في اعتبارها أن نتيجة الزحام والتكدس أمام معبر رفح قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة تتعلق باختراق السور الفاصل بين مصر وغزة، وربما إحداث فوضى تمنح إسرائيل مبررات للتعامل مع النشطاء بقوة، ويفضي ذلك إلى دفع الآلاف من سكان غزة باتجاه سيناء وتنفيذ التهجير، ووضع مصر في موقف صعب.
ويقول سياسيون في مصر إن جرائم إسرائيل في غزة، ساهمت في إحراج القاهرة، مع رفض دخول المساعدات وإحباط خطط إعادة الإعمار، وتعد القافلة فرصة للرد على إسرائيل دون الوضع في الحسبان المزيد من الحساسيات الأمنية التي يجب أن تتراجع أمام اتخاذ مواقف سياسية ضاغطة وقوية.
وقامت إسرائيل بحشد الآلاف من الفلسطينيين قرب الحدود المصرية في مدينة رفح، استعدادا لتطبيق سيناريو التهجير، وهو ما قد تتعامل معه القاهرة بضغوط مقابلة تضع إسرائيل في موقف الدفاع عن نفسها، مع توالي المطالبات الدولية بوقف الحرب.
وغادرت، صباح الأربعاء، قافلة الصمود مدينة الزاوية شمال غربي ليبيا، متجهة نحو مدينة مصراتة، مرورا بطرابلس، ضمن جهود تضامنية لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة، وستواصل مسيرتها شرقا عبر الأراضي الليبية، وصولا إلى الحدود مع مصر، ومنها إلى معبر رفح على حدود قطاع غزة.