شكرا يا جلالة الملكة

قصة حاكتها أنامل الأقدار الذهبية منذ عقود مضت ثم طُويت بعناية مثل ثوب من البروكار الدمشقي الفاخر، داخل صندوق من خشب.
الثلاثاء 2021/08/24
“ثريا” أيقونة سورية نحت إسمها بين ملوك أفغانستان

هي قصة حاكتها ـ بل طرّزتها ـ أنامل الأقدار الذهبية منذ عقود مضت ثم طُويت بعناية مثل ثوب من البروكار الدمشقي الفاخر، داخل صندوق من خشب الورد المعشّق بأحجار الصدف البحري.

“ثريا” هكذا كان اسمها، مجرّدا من كل الألقاب حين أبصرت الشمس قبلي، سنة 1899. كان والدها ذو الأصول الأفغانية مؤذنا في الجامع الأموي، أما والدتها فحلبية من آل الفتال. تعلمت القراءة والكتابة على يد المحدث الشيخ بدرالدين الحسني، والد تاج الدين الحسني، ذي الأصول التونسية وثاني رئيس لسوريا التي وحّدها.

زارت مدينة كابول لأول مرة في حياتها لتتعرف على وليّ العهد الأمير أمان الله خان، الذي أحبها وتزوجها لتصبح ملكة أفغانستان بعد توليه العرش سنة 1926.

تعشق “مليكتي” ركوب الخيل وترافق زوجها في رحلات الصيد، وقد منحتها جامعة أوكسفورد شهادة فخرية سنة 1928 لدورها في جعل تعليم البنات إلزاميا في أفغانستان، كما كانت من أشد مناصري تحرر المرأة.

عاشت أبهة الملك وتزينت بأفخم الجواهر كخاتم الشيشخان الشهير، الذي يحتوي السم الاحتياطي في حالات الأسر والحصار أو ضيق الحاجة حين تتبدل صروف الدهر.

وبالفعل، دارت الدوائر، وتنازل الملك أمان الله خان عن العرش بضغط من بريطانيا التي أعلن استقلاله عنها في مثل هذه الأيام منذ مئة عام، وعاش في منفاه في سويسرا ثم إيطاليا، إلى حد وفاته عام 1960.

ومن المفارقات الدرامية أن الذي انقلب على حكم الملك هو أحد قطاع الطرق ويدعى باجي السقا (ابن السقا) بعد أن عمت الفوضى. وفي هذا الصدد يكتب أحد كتاب السير التقليدية “ساءت سيرةُ المَلِكِ أمان الله خان كثيرا، وسار سيرةَ الأوروبيين في زِيِّه وغَيِّه، وترفَّع على شعبِه، بل بدأ يُلزِمُه بما هوَتْه نفسه من الملابس الأوروبية وسفورِ النساء واختلاطهم”.

عاشت الملكة ثريا مع عائلتها في روما إلى أن توفيت في 1968. رافقت جثمانها فرقة من الجيش الإيطالي إلى مطار روما قبل نقله إلى أفغانستان حيث أقيمت لها مراسم جنائزية رسمية.

دفنت ثريا في ضريح العائلة في جلال أباد إلى جانب زوجها الملك الذي كان قد توفي قبلها بثماني سنوات، لكنها تركت خلفها ولدين انشغلا في سوريا بالعمل الدبلوماسي منذ ستينات القرن الماضي، وهما ضياءالله وأمان الله فتال الذي تزوج بسيدة دمشقية من عائلة الميداني، أنجبت ثلاث بنات، أوسطهن اسمها رولا فتال، وهي التي أسست معها فرقة “الرصيف المسرحي” سنة 1996.

ولأن تجربتنا كانت خارج المؤسسة الرسمية وقد تبدلت صروف الدهر، اضطرت رولا لبيع خاتم الشيشخان الذي ورّثته إياها جدتها لننتج مسرحا.. شكرا يا جلالة الملكة.

 
24