الدبلوماسية الاقتصادية لتونس تنتفض وتنفض غبار العشرية الماضية

سياسة الرئيس التونسي قيس سعيد لا تسعى إلى نسف صداقات تقليدية تمليها الجغرافيا والتاريخ بل الانفتاح نحو تكتلات ناشئة وقوى اقتصادية صاعدة من شأنها أن تضمن لتونس أمنا واستقرارا اقتصاديا.
الخميس 2024/02/08
دبلوماسية قائمة على مواكبة المتغيرات الدولية

هل بات من الأجدر التذكير بالبديهيات المتمثلة في الارتباط العضوي والدائم بين السياسة والاقتصاد كي تتعظ بعض الأصوات المنتقدة للدبلوماسية التونسية في حلتها الجديدة بعد أن نفضت عنها غبار العشرية الماضية، وما علق بها من لي لعنق المنطق في تغليب الأهواء الفئوية والحساسيات الأيديولوجية على المصالح الوطنية للبلاد؟

يكفي الإلمام بأبسط دروس التاريخ والجغرافيا في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كي نمسك بالبوصلة التي ينبغي أن تهتدي إليها الدبلوماسية التونسية.. مع بعض التحسب لكل ما يمكن أن يطرأ من تغيرات إقليمية ودولية.

وفي هذا الإطار، كان على رئيس الدبلوماسية التونسية نبيل عمار، أن يخرج السياسة الخارجية لبلاده من صمتها الإعلامي وتصريحاتها الشحيحة، رغم نشاطها الملحوظ في الآونة الأخيرة.. ومن يعمل كثيرا لا يتحدث كثيرا كما يقال.

وفي سابقة وصفت بأنها الأولى من نوعها، نظمت وزارة الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج ملتقى إعلاميا حول الدبلوماسية الاقتصادية للوقوف عند مفهومها الحقيقي وأهميتها في دفع اقتصاد البلاد وهامش تدخل كل هياكل الدولة في هذا المجال.

◙ سياسة الرئيس قيس سعيد، لا تسعى إلى إيجاد بدائل للتعاون الاقتصادي أو نسف الصداقات التقليدية التي تمليها الجغرافيا والتاريخ بل الانفتاح نحو تكتلات ناشئة وقوى اقتصادية صاعدة

وأوضح نبيل عمار، الدبلوماسي المحنك الذي أعاد ضخ دماء جديدة في التدخلات الخارجية لبلاده، مسائل كانت محل ريبة وغموض بالنسبة للمراقبين في الداخل والخارج آخذين عليها بعض البطء والجمود، وعدم المواكبة كما ينبغي للمتغيرات الدولية على غرار حكومات مجاورة.

وأرجع الوزير ذلك إلى أسباب كثيرة، منها محدودية الأموال المرصودة لميزانية وزارته، إلى جانب ضعف الزاد البشري في العمل الدبلوماسي صلب الإدارة العامة للدبلوماسية الاقتصادية.

وعلى الرغم من هذه المآخذ، فإنه يحسب للدبلوماسية التونسية في الأشهر الأخيرة الماضية، نشاط مكثف ومدروس وقد تخلى عن تلك النظرة التقليدية للعمل الدبلوماسي الذي كان يكتفي باللقاءات البروتوكولية وجمع المعلومات واتفاقيات التعاون في حدها الأدنى بطرق غير مدروسة وغير ديناميكية.

وفي هذا الإطار، تعمل بعثات تونس في الخارج على تطوير مقاربة اندماجية شاملة ـ كما جاء على لسان عمار ـ مع الجالية التونسية بهدف إشراكها في الأنشطة الاقتصادية والثقافية، ولمساندة ودعم المجهود التنموي الوطني الذي ينبغي أن يشمل جميع الأطراف بعيدا عن العقليات الاحتكارية التي كانت سائدة في العشرية الماضية، والتي كانت تغلّب مصالح فئة منتفعة تقود السياسة الخارجية نحو أهدافها المبنية على حسابات أيديولوجية خاصة، كما هو الشأن لدى الإسلاميين الذين كادوا يشوهون صورة تونس في المحافل الدولية.

ويذكر أن السياسة الخارجية التونسية، ومنذ ما يزيد عن نصف قرن من الاستقلال، مرّت بمراحل ومحطّات عديدة اتّسمت في أغلب الأحيان بالهدوء والاتّزان مرتكزة على عدد من الثوابت المتمثلة في خدمة المصالح التونسية، والشجاعة في إبداء الرأي في القضايا العادلة والتمسّك بالشرعية الدولية، وتجنب الاصطفاف وراء محاور إقليمية ودولية.

الآن، ومنذ السنوات القليلة الماضية، عملت الحكومة التونسية على جبهتين، تتمثل الأولى في استرجاع وتلميع الدور التونسي الذي تعثر وحاد عن طريقه المتزنة بفعل سياسات هوجاء ورعناء ارتكبت في العشرية المنفرطة، كما تتولى الجبهة الثانية التأقلم مع المستجدات الدولية والبحث عن بوابات جديدة للاستثمار والتعاون بعد الترهل الذي أصاب الأسواق التقليدية نتيجة تخبطات سياسية ونزعات شعبوية في أوروبا على وجه التحديد.

◙ يكفي الإلمام بأبسط دروس التاريخ والجغرافيا في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كي نمسك بالبوصلة التي ينبغي أن تهتدي إليها الدبلوماسية التونسية

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن سياسة الرئيس قيس سعيد، لا تسعى إلى إيجاد بدائل للتعاون الاقتصادي أو نسف الصداقات التقليدية التي تمليها الجغرافيا والتاريخ بل الانفتاح نحو تكتلات ناشئة وقوى اقتصادية صاعدة من شأنها أن تضمن لتونس أمنا واستقرارا اقتصاديا بات اليوم مهددا في بلدان كثيرة بفعل الحروب والهزات والمتغيرات الطبيعية والاجتماعية.

ولا يخفى على أحد من المراقبين، ظهور توترات في علاقة تونس مع شركاء تقليديين ظلت تربطها معهم علاقات اقتصادية مميزة ومستقرة على غرار الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وذلك على خلفية ما أسمته تونس بـ“تدخلات في شأنها الداخلي”.

وفي هذا الإطار، تم استدعاء القائمة بأعمال السفارة الأميركية للاحتجاج على تصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن واعتباره “تدخّلا سافرا” في الشأن الداخلي التونسي، كما رفضت تونس مواصلة التفاوض مع صندوق النقد الدولي وإملاءاته، فضلا عن توتّر العلاقات مع الاتحاد الأوروبي في خصوص ملف الهجرة غير النظامية، ورفض لما يعتبره الرئيس التونسي “ابتزازا” مقابل مساعدات مالية.

كل هذا يقرب تونس من المحور الصيني – الروسي في دبلوماسيتها الاقتصادية، لكنه لا ينسف صداقاتها التقليدية، وإنما وفق مبدأ احترام السيادة الوطنية التي توليها سياسة تونس الخارجية الآن الاهتمام الأكبر ضمن ما تسمح به طبيعة تبادل المصالح بين الدول.. ولا شيء يدعّم هذه الروابط غير الشأن الاقتصادي الذي على أساسه تبنى كل العلاقات وتتأسس الثقافات بين الشعوب.

 

اقرأ أيضا:

       • تونس توسع فرص الانفتاح التجاري على أسواق أفريقيا

9