العالم يستنجد بالتكنولوجيا لإصلاح ما خربه البشر

مدن مستدامة لمعالجة الزحف العمراني واختفاء المساحات الخضراء.
الاثنين 2021/07/05
تصميم لمدينة ذكية في نيفادا الأميركية

بينما يتحدث العلماء عن كارثة بيئية قريبة تتصرف الإدارة الأميركية وكأن الكارثة مؤجلة ولن تحدث. وينقسم العالم إلى فريقين، فريق يتحدث عن سيناريو ليوم قيامة يواجهه العالم خلال ثلاثين عاما لا أكثر، وفريق آخر يتنبأ بعصر جديد من الوفرة في الطاقة والثروة والموارد الجديدة، تكون فيه التكنولوجيا سيدة الموقف.

موجة حر غير مسبوقة تضرب غرب كندا وولاية فلوريدا الأميركية نجمت عنها سلسلة حرائق وصل عددها إلى 152 حريقا، وتواجه قبرص وفرنسا حرائق مماثلة، بينما تواجه اليابان كوارث ناجمة عن انزلاق في التربة. فهل هي بداية النهاية؟

يوم الأربعاء الـ23 من يونيو الماضي حذر تقرير أعده خبراء المناخ في الأمم المتحدة، ونشرته وكالة فرانس برس، من أن التغير المناخي سيدمر الحياة كما نعرفها حاليا على كوكب الأرض، ليس بعد 500 عام أو مئة عام، بل في غضون ثلاثين عاما وحتى أقل.

مراوغة أميركية

باولو سوليري: مدينة على صورة إنسان لمواجهة الزحف العمراني

هذا ليس أول تحذير ولا آخر تحذير يطلقه العلماء، مما يدفع للتساؤل هل أثرياء العالم واعون بالخطر الذي يهدد البشرية وكوكب الأرض؟

القول إن موجة الحر التي يشهدها العالم تسببت فيها ظاهرة الاحترار المناخي ليس بالشيء الجديد.

وكان خروج دونالد ترامب ووصول جو بايدن إلى البيت الأبيض أثار موجة من التفاؤل بعودة الولايات المتحدة إلى اتفاقية المناخ، وكان هذا أول قرار اتخذه بايدن إثر تسلمه المنصب. ولكن سرعان ما تبخرت الآمال. وجاء الموقف الأميركي في قمة السبع الأخيرة بشأن إنهاء استخدام الفحم سلبيا. وبدلا من أن يأتي الرفض من اليابان التي تعتمد على الفحم بعد توقف استخدام المحطات النووية عقب حادث مفاعل يوكوشيما، جاء الرفض من الولايات المتحدة.

هناك حديث عن أن بايدن مسح وعوده أمام ضغط لوبي الفحم، وسخائه بدعم الحملات الانتخابية، وهذا ما يفسر رفض البيت الأبيض التوقيع على الخطة.

المراوغة الأميركية  ظهرت أيضا في عرقلة الولايات المتحدة لمجموعة السبع لجعل غالبية مبيعات سيارات الركاب الجديدة “مركبات عديمة الانبعاث” بحلول عام 2030، وهو ما دعا إليه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

وجاء فشل قمة السبع في التوصل إلى اتفاق، ليدفع إلى المزيد من التشاؤم قبل ثلاثة أشهر من موعد قمة غلاسكو المرتقبة حول تغيرات المناخ، والتي ترعاها الأمم المتحدة.

تتصرف الإدارة الأميركية وكأن الكارثة مؤجلة ولن تحدث. زيادة درجات الحرارة، وارتفاع مستوى البحار، وزيادة الفيضانات، والجفاف، والأوبئة، وزحف الصحراء، واختفاء الأنواع الحيوانية، وتدمير بيئة المحيطات، وشح مياه الشرب، وما قد يترتب على ذلك من كوارث إنسانية، كل ذلك بالنسبة إليها مجرد فيلم من أفلام الخيال العلمي.

إذا كانت الثورة الصناعية قد ساهمت في تدمير البيئة فإن التكنولوجيا الحديثة ستساهم في إنقاذها.. وهذه ليست مجرد نبوءة

التغير المناخي ليس التهديد الوحيد الذي تواجهه البشرية، هناك تهديد آخر لا يقل عنه خطورة ألا وهو الزيادة السكانية. يتوقع الخبراء أن يشهد عدد سكان العالم زيادة كبيرة بحلول عام 2050. ووفقا لتقرير “التوقعات السكانية في العالم” الذي أصدرته إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة عام 2019؛ فإن التعداد العالمي للسكان سيكون 10 مليار نسمة بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين.

سيعيش ما يقرب من 68 في المئة منهم في المراكز الحضرية؛ ويمكن القول إن كل النمو السكاني تقريبا من الآن وحتى عام 2050 سيحدث في المدن.

ليس صعبا أن نستنتج أن هذا الانفجار السكاني ستترتب عليه زيادة في الطلب على السكن، وبالتالي على الكهرباء والمياه والغذاء والخدمات الأساسية والتعليم والنقل والخدمات الطبية. وهذا بدوره سيضع مزيدا من الضغط على البيئات المحيطة، التي تعاني بالفعل من ضغوط شديدة.

عمارة بيئية

مدينة ذكية مستدامة في دبي نموذج يحتذى للمدن الصديقة للبيئة
مدينة ذكية مستدامة في دبي نموذج يحتذى للمدن الصديقة للبيئة

هل فات الأوان، ولم يعد هناك من إمكانية لإنقاذ البشرية وكوكب الأرض؟

الخبراء يقولون لا.. ما دمره البشر تصلحه التكنولوجيا. ولكن، عن أيّ تكنولوجيا يتحدث الخبراء في رهانهم هذا؟ خلال عقدين من الزمن شهد العالم تطورا تكنولوجيا فاق كل ما أنجزه من ابتكارات على مدى أكثر من ألف عام. إذا كانت الثورة الصناعية قد ساهمت في تدمير البيئة، فإن التكنولوجيا الحديثة ستساهم  في إنقاذها، وهذه ليست مجرد نبوءة.

وبينما يتوقع فريق من العلماء سيناريو ليوم قيامة يواجهه العالم خلال ثلاثين عاما لا أكثر، يتوقع فريق آخر من العلماء أن نشهد عصرا جديدا من الوفرة في الطاقة والثروة والموارد الجديدة.

المتشائمون يرون فقط التبدلات الحاصلة في المناخ، بينما يركز المتفائلون أنظارهم على التكنولوجيا الحديثة وما يمكن أن تقدمه للبشرية من خدمات. وهم في ذلك يتحدثون عن الطاقة المتجددة وتطور علوم المواد، والتكنولوجيا الذكية والطباعة ثلاثية الأبعاد واستكشاف الفضاء التجاري، والتكنولوجيا الحيوية.

التكنولوجيا وحدها لا تكفي ونحن نعيش الأمتار الأخيرة من السباق، فلا بد من إرادة تحرر أصحاب القرار من سلطة أصحاب المال

تجليات التكنولوجيا الحديثة ظهرت في نمو التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي، والبيوت الذكية التي تضمها، وإنترنت الأشياء، والأهم من ذلك كله كما يؤكد الخبراء “مبدأ اللامركزية في كل شيء” وتطوير المدن الذكية المستدامة.

نحن اليوم في غمرة الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي وإنترنت الأشياء، وقد انعكس ذلك على فكرة إنشاء البيوت الذكية بوصفها اللبنة الأساس لإقامة المدن الذكية المستدامة، حيث يمكن القيام بالمزيد وبأقل التكاليف، وهو ما سينعكس بشكل آلي وإيجابي على البيئة.

وبحلول عام 2050، وسواء وقّعت الإدارة الأميركية على اتفاقية للمناخ تنهي استخدام الوقود الأحفوري أم رفضت التوقيع، ستكون المدن المستدامة معتمدة بشكل كامل على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومغناطيسية والطاقة الحرارية الأرضية وغيرها من مصادر الطاقة الصديقة للبيئة.

وجدير بالذكر أن مفهوم المدن المستدامة سبق أن ظهر للوجود قبل هذا التاريخ بخمسين عاما، عندما تحدث المهندس المعماري باولو سوليري عن “العمارة البيئية” باعتبارها فلسفة المجتمع الديمقراطي لمعالجة الزحف العمراني واختفاء المساحات الخضراء.

ترك سوليري مجموعة من المؤلفات أهمها “مدينة على صورة إنسان”. والمدينة التي تحدث عنها سوليرى تتعايش فيها المساحات الزراعية مع المراكز التجارية والسكنية، وهو ما تتبناه المدن المستدامة منذ مطلع القرن الحادي والعشرين. واليوم، هناك عدد كبير من الشركات المعمارية المتخصصة في إنشاء المساحات الحضرية التي تذكرنا بمبادئ العمارة البيئية.

تلافي الكارثة

جو بايدن: يتصرف وكأنما الكارثة البيئية مؤجلة ولن تحدث

الإضافة الجديدة خلال السنوات العشر الماضية هي تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. العديد من مدن العالم اليوم في طريقها إلى أن تصبح مدناً مستدامة وذكية، تعتمد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، لتعزيز كفاءة استهلاك الطاقة وإدارة النفايات، وتحسين الإسكان والرعاية الصحية، وتحسين تدفق حركة المرور والسلامة، والكشف عن جودة الهواء، وتنبيه الشرطة إلى الجرائم التي تحدث في الشوارع وتحسين شبكات المياه والصرف الصحي.

تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المستخدمة اليوم بكثافة ستسرّع من تحقيق أهداف الأمم المتحدة السبعة عشر للتنمية المستدامة، بما فيها الهدف الحادي عشر الذي يهدف إلى تحقيق المدن المستدامة الذكية.

أهم ما تحتاجه المدن الذكية هو بنية تحتية للاتصالات مستقرة وآمنة وموثوق بها وقابلة للتشغيل لدعم حجم هائل من التطبيقات والخدمات القائمة على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

التطورات الأخيرة في إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي والشبكات الذكية كلها تقود تطوير المدن الذكية المستدامة في جميع أنحاء العالم وتدعمها.

وفي حين أن شبكات الجيل الثالث والجيل الرابع التي تستخدمها الهواتف المتنقلة اليوم تطرح عدداً من المشاكل في دعم مجموعة من الخدمات المطلوبة لتطبيقات المدن الذكية المستدامة، فإن تطوير تكنولوجيا الجيل الخامس يوفر إمكانية توصيل الأجهزة بشكل موثوق به بالإنترنت والأجهزة الأخرى، ونقل البيانات بسرعة أكبر، ومعالجة كمّ هائل من البيانات بأقل قدر من التأخير.​

ولكن، التكنولوجيا وحدها لا تكفي، خاصة ونحن نعيش الأمتار الأخيرة من السباق لتلافي الكارثة. لا بد من إرادة تحرر أصحاب القرار من سلطة أصحاب المال. موقف بايدن الأخير لا يدفع إلى التفاؤل. تجربة العالم مع جائحة كورونا، أثبتت حتى هذه اللحظة أن الاقتصاد بالنسبة إلى الحكومات أهم من حياة البشر.

12