حسن عبدالله مصرفي مصري يتصدى لمهمة إنقاذ الإعلام والدراما

الغموض الذي يحيط بالمصرفي حسن بعبدالله قلل من حجم الانتقادات المتوقعة بعد اختياره رئيسا للشركة المتحدة ومنحه عزوفه عن الكلام فرصة لترتيب أوراقه داخلها.
الثلاثاء 2021/06/15
رجل اقتصاد في مهمة إنقاذ كيان استثماري كبير

أثار اختيار المصرفي المصري حسن عبدالله رئيسا للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية مؤخرا الكثير من الجدل في أوساط مختلفة، بين مؤيد للخطوة كمحاولة لإنقاذ الشركة من التدهور وبين رافض لها، لأن الرجل جاء من خارج سوق الإعلام، ما يجعله يواجه تحديات كبيرة، فالشركة التي يرأس مجلس إدارتها تسيطر على نصيب الأسد في سوق الدراما والقنوات الخاصة والصحف والمواقع الإخبارية.

 شخصية غامضة

دفع فضول المعرفة تصدر عبدالله محركات البحث أملا في التقاط معلومات حول شخصية من يقود أكبر شركة للإعلام في مصر، فلم يجدوا الكثير من التفاصيل عنه، وبدا شخصية غامضة للبعض إلى حد بعيد، لأنه كمصرفي كبير كان لا يميل إلى الظهور في وسائل الإعلام، وحتى الأزمات التي كان طرفا فيها التزم في غالبيتها الصمت، ما جعل عملية توقع تصرفاته صعبة لمن سمعوا عنه فقط.

مصر

يصفه المقربون منه بأنه قليل الكلام، يؤمن بمبدأ الكلمة مسؤولية، الأمر الذي منحه هيبة الصامتين، مع أنه إذا تحدث ينصت له الجميع لما يملكه من رؤية ومعرفة وخبرة وقدرة فائقة على التوقعات في مجاله المصرفي.

قلل الغموض الذي يحيط بالرجل من حجم الانتقادات المتوقعة في مثل هذه الحالات، ومنحه عزوفه عن الكلام فرصة لترتيب أوراقه داخل الشركة عقب ارتفاع الرهانات عليه، فهو رجل اقتصاد وجاء في مهمة إنقاذ كيان استثماري كبير.

وتتعزز مقومات نجاح عبدالله المولود عام 1960 بمساهمته في خطة الإصلاح عام 2003 لإنقاذ الجهاز المصرفي المصري من الصعوبات المالية، وأبرزها القضاء على أزمة الديون المتعثرة وتدهور البنية التحتية وضعف رؤوس الأموال.

حصل على بكالوريوس إدارة الأعمال من الجامعة الأميركية بالقاهرة عام 1982، وبدأ حياته في القطاع المصرفي بمجال المعاملات الدولية وأسواق العملات والمال والعقود الآجلة، ثم عاد إلى الجامعة الأميركية بعد عشر سنوات ليحصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال، وعمل عضوا بهيئة تدريس بدوام جزئي بها وأصبح عضوا في المجلس الاستشاري الاستراتيجي لكلية إدارة الأعمال بالجامعة نفسها.

ما لا يعرفه كثيرون أن عبدالله أحد الماليين العرب المعدودين الذين عملوا في مجلس إدارة معهد التمويل الدولي، وتم انتخابه لست مرات متتالية في الفترة من عام 2006 وحتى 2012، ما يعد استثناء لقاعدة الانتخاب لفترة لا تزيد عن مُدتين.

كما شغل عضوية مجالس إدارات في عدد من المؤسسات، منها معهد التمويل الدولي، والمجلس الاستشاري للأسواق الناشئة، والبنك المركزي، والبورصة المصرية وعدة شركات كبيرة، منها غبور أوتو وكوكاكولا وإنديفور مصر والمصرية للاتصالات وأوراسكوم للإنشاءات والمجلس الوطني للتنافسية.

◙ تشكيلة مجلس إدارة الشركة تكشف عمق الرغبة في تنويع مصادر تمويل المتحدة بطرق غير تقليدية، ويتسق هذا التوجه مع الإعلان عن طرح نحو ثلث أسهمها في البورصة، ما يحتاج إلى طبيعة خاصة لهيكلها ومركزها المالي والشركات التابعة لها

الخطة الإصلاحية التي برز فيها اسمه كانت مرحلة فاصلة في تاريخ النظام المصرفي المصري، بعد أزمات ما يعرف بـ”نواب القروض” الذين حصلوا على قروض ولم يتمكنوا من سدادها للبنوك، والتي أثرت على المراكز المالية لعدد منها خلال عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، ومنها اكتسب عبدالله خبرات إدارة الكيانات التي تعانى من تشوهات مالية والعمل على إخراجها من عثرتها.

اكتسبت شخصيته زخما بعد الخلافات التي نشبت منذ عامين بينه وبين محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر، وأفضت في النهاية إلى رحيله من رئاسة البنك العربي الأفريقي الدولي في صمت، بعد فترة من الشد والجذب

مع عامر. وآثر خلالها عبدالله الانسحاب وعدم الدخول في مواجهة ممتدة، وتعامل كرجل دولة رفيع المستوى، وهو ما زاد من رصيده في المؤسسات الرسمية التي بدا اختيارها له على رأس الشركة المتحدة كأنه مكايدة لعامر الذي تعمل زوجته وزيرة الاستثمار السابقة في الشركة المتحدة نفسها، وكانت تحتل منصبا رفيعا بها.

تفجرت الخلافات التي ظلت مكتومة لسنوات بين الطرفين بعد أن وجّه قطاع التفتيش والرقابة بالبنك المركزي عددا من الانتقادات لإدارة حسن عبدالله للبنك، وهو نفس السيناريو الذي حدث مع هشام عزالعرب الرئيس السابق للبنك التجاري الدولي.

لكن النتيجة جاءت مختلفة مع عبدالله، حيث تم ترشيحه للعمل في منصب مساعد أول لمحافظ البنك المركزي، في خطوة لم تكتمل فصولها، على الرغم من أن المنصب تم استحداثه لأول مرة في هيكل البنك المركزي المصري.

انتهت خلافات طارق عامر مع عزالعرب إلى إقالة الأخير، بحكم السلطات التي يمنحها قانون البنوك الجديد لرئيس البنك المركزي بوصفه الرقيب على أداء الجهاز المصرفي. جاهد البنك المركزي سنوات ليحصل على هذه السلطة بموجب نص قانوني يمنح محافظ البنك المركزي حق عزل رؤساء البنوك، وفق تعديلات قانون البنوك الجديد الذي صدر في مارس 2016، ونصت على ألا تزيد مدة عمل الرؤساء التنفيذيين للبنوك العامة والخاصة عن تسع سنوات، متصلة أو منفصلة.

القرار الذي وصفه مصرفيون بأنه كان يستهدف عبدالله وعزالعرب أثار ضجة كبري على الساحة المصرفية لأنه سمح للبنك المركزي بالتحكم في الإدارة التنفيذية للبنوك الخاصة بغض النظر عن موافقة الجمعية العامة والمساهمين في رأسمالها.

 علاقات عبدالله كانت مزيجا بين الاقتصاد والسياسة، حيث شغل رئاسة اللجنة الاقتصادية في الحزب الوطني الحاكم خلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك التي كان رئيسها مقربا من نجله جمال، وعقب ثورة الـ25 من يناير 2011 أكد أن عمله في الحزب الوطني كان مقتصرا على النشاط الاقتصادي ولم ينخرط في أمور السياسة.

بين الاقتصاد والسياسة

◙ بعض الخبراء يرى أن اختيار عبدالله لتنفيذ مهمته الجديدة خطوة جيدة، حيث عكف خلال السنوات الماضية على إعادة هيكلة البنك العربي الأفريقي الدولي وفق خطة أعدتها الحكومة.

بدت المزاوجة بين الاقتصاد والسياسة في ذلك الوقت كبيرة، ولا يعني إنكار عبدالله صلته بالحكم في ذلك الوقت أنه كان بعيدا عنه، فبحكم منصبه الحزبي الكبير على الأقل، فرضت عليه طقوس سياسية لم يكن يجرؤ أحد في حينه داخل الدائرة الضيقة في الحزب الحاكم على رفضها.

ولعل الخبرة التي راكمها الرجل كانت دافعا لاختياره لقيادة دفة الشركة المتحدة خلفا للمنتج تامر مرسي الذي يفتقر للمؤهلات الاقتصادية العميقة، ويقوم عبدالله بالوصول إلى الهدف المحوري الخاص بإصلاح المؤشرات المالية للشركة التي عجزت الإدارة السابقة عن إنجازها، خاصة أن الشركة تحتاج إلى تحقيق أرباح خلال السنوات الثلاث المقبلة لتتمكن من الإدراج بنجاح في البورصة المصرية.

تكشف تشكيلة مجلس إدارة الشركة عمق الرغبة في تنويع مصادر تمويل المتحدة بطرق غير تقليدية، ويتسق هذا التوجه مع الإعلان عن طرح نحو ثلث أسهمها في البورصة، ما يحتاج إلى طبيعة خاصة لهيكلها ومركزها المالي والشركات التابعة لها.

ويقول خبراء إن اختيار عبدالله لهذه المهمة خطوة جيدة، حيث عكف خلال السنوات الماضية على إعادة هيكلة البنك العربي الأفريقي الدولي الذي كان يرأس مجلس إدارته، لبدء طرح أسهمه في البورصة، وفق خطة أعدتها الحكومة تهدف إلى طرح عدد من الأصول التي تمتلكها في سوق المال لزيادة مواردها.

يمتلك البنك المركزي المصري والهيئة العامة للاستثمار بالكويت حصة تصل لنحو 49.37 في المئة لكل منهما، ما جعله يملك خبرات عملية تؤهله للقيام بمهمة الطرح. وامتلك البنك أيضاً شركة لإدارة صناديق الاستثمار العاملة في البورصة وإعادة هيكلة الشركات وتقييمها، بالتالي فإن الاختيار جاء مدروسا بعناية. إمعانا في هذه التوجه تم ضم أشرف سالمان وزير الاستثمار الأسبق إلى مجلس إدارة المتحدة للخدمات الاعلامية، والذي بدأ حياته في البنك العربي الأفريقي وعمل مع عبدالله لسنوات قبل أن يؤسس شركة خاصة تعمل في نشاط التداول وإعادة هيكلة الشركات في البورصة، وبعدها قفز على حقيبة وزارة الاستثمار.

 كيان ممول من الشعب

◙ علاقات عبدالله تبرز كمزيح بين الاقتصاد والسياسة، حيث شغل رئاسة اللجنة الاقتصادية في الحزب الوطني الحاكم خلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك التي كان رئيسها عادة مقربا من نجله جمال. (الصور من السوشيال ميديا).
◙ علاقات عبدالله تبرز كمزيح بين الاقتصاد والسياسة، حيث شغل رئاسة اللجنة الاقتصادية في الحزب الوطني الحاكم خلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك التي كان رئيسها عادة مقربا من نجله جمال. (الصور من السوشيال ميديا).

من الواضح أن الدولة المصرية لديها رغبة في تمويل عمليات التطوير المرتقبة للمتحدة بعيدا عن البنوك وفوائد القروض التي تثقل كاهل الشركة، وتفضل الاكتتاب في البورصة، وطرح الأسهم على الأفراد، لتصبح فضائيات المتحدة وصحفها الورقية ومواقعها الإلكترونية أول كيان إعلامي بتمويل من الشعب.

يبدو هيكل الشركة المتحدة معقدا للغاية، حيث تمتلك 48 شركة وعلامة تجارية من بينها مؤسسات صحافية ومواقع إخبارية، ومنصات “واتش ات” وزاجل، وشركات تسويق حقوق رياضية وتطوير، و14 قناة تلفزيونية وست محطات راديو.

تحتاج هذه التركيبة إلى قدرات تمويلية ضخمة وفق خطط التطوير المرتقبة والتي تضم تأسيس قناة إخبارية إقليمية، ولا يمكن أن يتم الاعتماد فقط على الاقتراض من البنوك التي تحتاج في هذه الكيانات لمعدلات ربحية تطمئن لملاءتها المالية. فتحت تلك النقطة الباب لإثارة علامات استفهام كثيرة أمام الشركة المتحدة، لأن قنوات “دي إم سي” التابعة لها أعلنت تأسيس قناة إخبارية السنوات الماضية، لكنها لم تر النور دون إبداء أسباب، ولا أحد يقطع هل التأخر كان لأسباب تمويلية أم لا.

◙ ما لا يعرفه كثيرون أن عبدالله أحد الماليين العرب المعدودين الذين عملوا في مجلس إدارة معهد التمويل الدولي، وتم انتخابه لست مرات متتالية في الفترة من عام 2006 وحتى 2012، ما يعد استثناء لقاعدة الانتخاب لفترة لا تزيد عن مُدتين

من مقومات نجاح الاكتتابات أن تحقق الشركات أرباحا لنحو ثلاث ميزانيات متتالية، في وقت جاء الحديث عن الأرقام والمؤشرات مقتضبا خلال المؤتمر الصحافي الأول الذي نظمته المتحدة لتدشين حسن عبدالله ورفاقه.

وكشف أول اجتماع لمجلس إدارة المتحدة بتشكيلته الجديدة عن شخصية عبدالله المثيرة، حيث جاء بيان الاجتماع مقتضبا وفضفاضا وعبر كلمات تؤكد استمرار الشركة في خطة التطوير والتحديث في كافة قطاعاتها وشركاتها التابعة، خاصة تطوير المحتوى المقدم وتعزيز التعاون مع شركات الإنتاج المختلفة، ما يعكس اتجاه الشركة المتحدة الساعية بهيكلها الجديد إلى محاولة كسر حاجز احتكار الإنتاج الفردي وإتاحة الفرصة أمام الجميع للمنافسة، بعد أن ظلت ساحة الإنتاج قاصرة على مطبخ واحد طوال السنوات الماضية يديره المنتح تامر مرسي.

وبعث الاجتماع برسائل طمأنة للعاملين بالمتحدة وشركاتها عبر تدشين صندوق للعاملين بالإعلام يتم إطلاقه قريبا بالتعاون مع الهيئات والنقابات الفنية والإعلامية، ما يعني أن عبدالله يريد كسب ود العاملين لإحداث التطوير ووأد مخاوف التسريح.

كل ذلك يؤكد حنكة عبدالله الذي بدأ عمله بمخاطبة العاملين أولا قبل أن يتطرق إلى تفاصيل خطط إعادة الهيكلة والحديث عن استراتيجيات طويلة المدى يصعب تحققها دون جهود العاملين الذين يمثلون العنصر الرئيسي في نجاح المنظومة الإعلامية.

كسرت الرسائل الأولى لعبدالله رهبة خطة طرح أسهم الشركة في البورصة، وما يترتب عليها من محاسبة مستمرة من حملة الأسهم خلال الجمعيات العامة التي تعقد سنويا، وما سوف يستتبعها من قرارات تفضي إلى تغييرات دائمة، ليس فقط في هياكل إدارة الشركات لكن الأمر قد يطال تخفيف أعداد العاملين.

مصرولأن عبدالله يرغب في تسريع وتيرة مهمته أعلن عن البدء الفوري في تطبيق آليات الحوكمة في جميع إجراءات الشركة وقراراتها لتعزيز الرقابة المالية والإدارية للوصول إلى غاية طرح أسهم الشركة في البورصة المصرية، وهى المهمة الأولى التي جاء من أجلها.

تسمح هذه السيرة الوازنة وتركيبة الخبرات المتنوعة لعبدالله بالانفتاح بشكل قوي على جميع منظمات المال والأعمال بوصفه قريب الصلة منها، ما يزيد من فرص التعاون في مجالات من شأنها زيادة موارد الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بشكل يمكن أن يعوضها عن الفرص التي فاتتها خلال السنوات الماضية.

13