عبدالله الحراصي.. حارس الاتزان في الخطاب الإعلامي العُماني

تهتم سلطنة عُمان بالإعلام كواجهة هادئة لمشروعها الحضاري في شمولية أبعاده وأهدافه، ويفسّر وزير الإعلام العُماني الدكتور عبدالله الحراصي اتزان الخطاب الإعلامي في بلاده، بأنه يرتبط بالتجربة الحضارية للبلاد، حيث وكلما وُجد منعطف تاريخي تكون عُمان حاضرة، وهذا العمق التاريخي ساعد في بناء الرؤية الإعلامية المتعقلة والعقلانية، وبذلك فإن الإعلام هو انعكاس للتجربة الحضارية.
وعُمان كانت دائما ولا تزال موئلا للخطاب العقلاني الوسطي المعتدل، وللحياد الإيجابي في كل القضايا والملفات الشائكة، ولسياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وبالتالي فإن إعلامها كان دائما قوة اقتراح إيجابية وليس منصة تحريض ضد هذا الطرف أو ذاك.
تم إنشاء أول وزارة للإعلام في ديسمبر 1970 بعد أن تولى السلطان قابوس بن سعيد الحكم واتجه لقيادة مرحلة التحديث السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي في البلاد، وكانت تسمى وزارة الإعلام والشؤون الاجتماعية والعمل وأوكلت مهمة الإشراف عليها للأديب والـشاعر الراحل عبدالله بن محمد الطائي، وفي عام 1972 تم فصل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بينما أوكلت شؤون ومهام الإعلام إلى مديرية الإعلام ثم إلى مديرية الإعلام والسياحة.
◄ لخصوصيات المجتمع العُماني جملة من المعطيات المهمة التي تفرض تحديد مسارات الخطاب الإعلامي كعنصر مساهم في البناء والتنمية
وفي 17 نوفمبر 1973 تم إنشاء وزارة الإعلام والسياحة وتعيين فهد بن محمود آل سعيد وزيراً لها، وفي 8 ديسمبر 1974 تم تغيير اسم الوزارة إلى وزارة الإعلام والثقافة، ثم إلى وزارة الإعلام وشــؤون الشـباب قبل أن يتقرر في 23 مايو 1982 تعــديل اسمها إلى وزارة الإعلام مع إلحاق قطاع الشباب بوزارة التربية والتعليم وشؤون الشباب.
وخلال تلك المرحلة، تبلورت جملة اختصاصات الوزارة، ومن أبرزها اقتراح السياسة العامة للإعلام بما يتفق والسياسة العامة للدولة وعرضها على مجلس الوزراء لدراستها ورفع توصيته بشأنها إلى المقام السامي للاعتماد ووضع الخطط الإعلامية والبرامج الكفيلة بتنفيذها ومتابعتها، واقتراح مشروعات القوانين وإصدار اللوائح المتعلقة بمجالات عمل الوزارة والعمل على حسن تنفيذها.
وقامت الوزارة إصدار المطبوعات وإعداد الدراسات والبحوث ذات الصلة بالمجالات الإعلامية بما يخدم أهداف السياسة العامة للإعلام والخطط الإعلامية، والعمل على تزويد المواطنين بالمعلومات الكافية عن التطورات والأحداث الداخلية والخارجية والتنمية التي تشهدها السلطنة وذلك من خلال وسائل ووسائط الإعلام في إطار من الصدق والموضوعية.
وقد تولى منذ ذلك التاريخ عدد من الشخصيات المهمة مقاليد الوزارة من بينها عبدالعزيز بن محمد الرواس وحمد بن محمد الراشدي وعبدالمنعم بن منصور الحسني، وصولا إلى الإعلان في 18 أغسطس 2020 عن تعيين الدكتور عبدالله بن ناصر الحراصي وزيرا للإعلام.
والحراصي من مواليد 5 أبريل 1971 بمنطقة الجمّاء من ولاية الرستاق. حصل على بكالوريوس في الآداب تخصص لغة إنجليزية عام 1992 ثم على ماجستير في الآداب تخصص دراسات اللغة والترجمة عام 1995 من جامعة السلطان قابوس، وفي العام 2001 نال شهادة الدكتوراه في حقل دراسات الترجمة من جامعة آستون ببرمنغهام بالمملكة المتحدة، ونشرت له في تلك الأثناء العديد من الدراسات والترجمات في مجالي الترجمة والفكر الاستعاري ومنها “دراسات في الاستعارة المفهومية.”

عمل الحراصي كأستاذ مساعد في جامعة السلطان قابوس، ثم شغل منصب رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير في “مشروع الموسوعة العُمانية” بين 2004 و2013، وهي إنجاز معرفي مرجعي شامل عن عُمان، وما يتعلق بها إنسانا وطبيعة، يتميز بأنه شمولي المحتوى، إذ تضم الموسوعة كل الجوانب الإنسانية العُمانية، كالمجتمع وخصائصه، والتاريخ والدين والاقتصاد والسياسة والفنون والآداب، وكذلك المداخل ذات الصلة بالطبيعة ومكوناتها، والبحر وسماته، والطقس والمناخ والبيئات وغيرها من معالم الطبيعة.
كما تضم أربعة آلاف مدخل مرتبة ترتيباً ألفبائياً لتشمل تسعة مجالات متنوعة تضمنت الأرض العُمانية والأعلام العُمانيين وغيرهم، والاقتصاد والتاريخ والكتابة وتاريخ عُمان القديم والثقافة والمجتمع والمؤسسات وأصناف النباتات والحيوانات، وزودت بخرائط وصور ورسوم طبيعية وتاريخية.
وشغل الحراصي كذلك منصب رئيس للجنة التوجيهية للبرنامج الاستراتيجي لبحوث التراث الثقافي العُماني، بالإضافة إلى عضوية جمعية الصحفيين العُمانية وإلى وظيفته كأستاذ مشارك بجامعة أوكسفورد، وتم تعيينه رئيسًا للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بمرتبة وزير، بناءً على المرسوم السلطاني الصادر عن السلطان قابوس بن سعيد في أكتوبر عام 2011.
وإلى جانب خبرته الأكاديمية، فإن الوزير الحراصي يجمع بين الاهتمامات الإعلامية والثقافية في إطار واسع من المعارف العامة والمتخصصة، وضمن منظومة وطنية تتحرك بكثير من الوعي بأهمية الإعلام وخطورة دوره، ولاسيما في ظل حالة الانفلات التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية، بما يجعل من بين أخطر مسؤوليات الحكومات تحصين شعوبها من مخاطر الخطاب الإعلامي سواء كان تكفيريا أو تحريضيا أو موغلا في الترويج للأكاذيب ومناقضا للقيم الاجتماعية والحضارية لهذا البلد أو ذلك.
وقد عبّر الوزير عن ذلك بقوله أن “كل خطاب إعلامي يحقق الهدف الرقابي البصير الذي يقوم به الإعلام، هو شأن مرحب به ولا يوجد ما يحول دون ذلك، والأهم أن نحافظ على مستوى الخطاب حتى لا ننزل إلى اتهامات جزافية وحتى لا نفصل بين ما يقال في الإعلام وبين تطورات الواقع.”
وتابع قائلا: “نريد أن يتوازى الخطاب الإعلامي مع التطورات الحقيقية، بحيث يقوم الإعلام بالدور الرقابي ويراقب تطورات الواقع ويتحدث عنها بالسمت العُماني وأخلاق وقيم العُمانيين في احترام الأشخاص واحترام الجهود والإشارة إلى الثغرات، وفي كل جهد بشري توجد ثغرات والأخطاء موجودة، فلا خلاف في مسألة الرقابة وأن يكون للإعلام دور الريادة في تقديم التصورات عن المستقبل.”
وفي 13 ديسمبر 2020 أصدر وزير الإعلام العُماني قرارين وزاريين بتعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون المطبوعات والنشر لسنة 1984، وقانون المنشآت الخاصة للإذاعة والتلفزيون الصادر في 2004.
وقد تحدث عن ذلك بالقول إن “الإعلام تطور عالمياً وشهد قفزات وخصوصاً في استخدام التقنية، وتغيرت هوية الإعلام حيث كان يتجه إليه الإنسان بنفسه، أما الآن المسألة تغيرت، وأيضاً المستمع والقارئ والمشاهد أصبح لديهم الأدوات الإعلامية ولم يعد قصراً على المؤسسات.”
وأضاف أن بلاده تتبع نهجاً جديداً في التعامل مع الملف الاقتصادي والاستثماري إعلامياً، لافتا إلى أن النقاشات حول قانون الإعلام الجديد لا تزال قائمة، وإنه سيكون شاملاً لمختلف أشكال العمل الإعلامي وميسراً له.
ووفقا للقرارين أصبحت جميع وسائل الإعلام الإلكترونية، بما في ذلك الصحف الإلكترونية والمواقع الإخبارية، والمحطات الإذاعية والتلفزيونية الإلكترونية، ومهنة الصحافة الإلكترونية والعاملون بها خاضعة لأحكام قانون المطبوعات والنشر وقانون المنشآت الخاصة للإذاعة والتلفزيون، ويسري عليها ما يسري على الصحف المطبوعة سواء في ما يتعلق بإقرار حريتها في حدود القانون، أو في الترخيص، أو في محظورات النشر، وهو ما يستوجب أن يكون العاملون في هذا المجال على دراية كافية بما جاء فيهما، وبما تم تعديله تجنبا للمساءلة القانونية.
وينص النظام الأساسي للدولة على أن “حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون.” وتقول المادة (31) من النظام أن “حرية الصحافة والطباعـة والنشر مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون ويحظر ما يؤدي إلى الفتنة أو يمس بأمن الدولة أو يسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه.”
ويتم تحديد الموضوعات التي يحظر نشرها من خلال قانون المطبوعات والنشر، قانون المنشآت الخاصة للإذاعة والتلفزيون ولائحته التنفيذية. وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وقانـون الإحصاء والمعلومات وقانون الجزاء العُماني.
◄ الحراصي يجمع بين الاهتمامات الإعلامية والثقافية في إطار واسع من المعارف العامة والمتخصصة، وضمن منظومة وطنية تتحرك بكثير من الوعي بأهمية الإعلام وخطورة دوره
وتسري هذه القوانين على المؤسسات الإعلامية التي يقع مقرها داخل السلطنة وتنشر إصداراتها داخلها، والتي تملك وتدير محطات إذاعية وتلفزيونية، كما تشمل المؤسسات الإعلامية التي يقع مقرها خارج البلاد فيما تنشر إصداراتها داخل عُمان ولها ممثلون داخل السلطنة، والتي حصلت على تردد إذاعي محلي لتبث في السلطنة مثل إذاعة مونتي كارلو الفرنسية، وبي.بي.سي البريطانية وغيرها.
وينظم القرار الأول مزاولة مهنة استيراد أو بيع أو نشر المطبوعات الإلكترونية وتقديم طلب الترخيص بوكالة أنباء إلكترونية، وتنظيم مهنة الصحافة الإلكترونية، والعمل كمراسل لوكالة الأنباء الإلكترونية، ونص على قيام المشمولين به بتنظيم أوضاعهم خلال 3 أشهر من تاريخ صدوره.
ويقع على عاتق القائمين على الإعلام الإلكتروني في عُمان، الالتزام بالعادات والتقاليد والثقافة المجتمعية وتنظيم العمل ما بين الإعلام التقليدي والإلكتروني لضمان التنوع الإعلامي وتنظيم عملية نشر المواقع الإلكترونية الأجنبية بالبلاد لحماية وحفظ الهوية الوطنية والقيم والعادات المجتمعية في البلاد.
ويقضى القرار الوزاري الثاني بتعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون المنشآت الخاصة للإذاعة والتلفزيون؛ بحيث لا يتعارض ترخيصها مع قانون الشركات التجارية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 18 لسنة 2019،ويجب على المنشآت الإذاعية أو التلفزيونية الإلكترونية القائمة تسوية أوضاعها خلال 3 أشهر من تاريخ العمل بهذا القرار.
ويرى المراقبون أن لخصوصيات المجتمع العُماني ومميزاته الحضارية والثقافية، جملة من المعطيات المهمة التي تفرض تحديد مسارات الخطاب الإعلامي كعنصر مساهم في البناء والتنمية وتشكيل الوجدان الوطني، وذلك ضمن التواصل مع مسيرة النهضة الشاملة التي تعرفها البلاد منذ يوليو 1970.
وفي هذا السياق، أكد الحراصي أن الحكومة في عُمان لا يوجد لديها هدف سوى رفاهية ومصلحة الإنسان العُماني ولا يوجد لدى أي منظومة حكومية سوى مصلحة هذا الإنسان، والحكومة مكونة من أفراد المجتمع من خلفيات اجتماعية وجغرافية متنوعة تعمل لمصلحة الإنسان العُماني وحضور عُمان دولياً.

وعلى مستوى الخطاب الإعلامي، أبرز الحراصي أن وزارته بدأت الترويج لعُمان – كانت موجودة في الماضي – “ولكن الآن علينا أن نوائم بين محاور وأهداف رؤية عُمان 2040 مع الإعلام وربطه بمحور الاقتصاد والاستثمار، ونحن في نهج جديد لمخاطبة العالم، وعُمان الآن لها حضور في الكثير من القنوات والمجلات العالمية، ووجه سلطان عُمان أيضاً بحلحلة كل العراقيل التي تواجه الاستثمار.”
ويسعى الحراصي إلى إيلاء الإعلام الإلكتروني ما يستحقه من اهتمام ورعاية ضمن برنامج وطني شامل للتحديث، وفي 11 يناير 2022، أطلقت وزارة الإعلام منصة “عين” التي تعد أكبر منصة محتوى مرئي وسمعي عُمانية بمحتوى متجدد وميزات إضافية، وقالت أن هذا المشروع يأتي مواكبة للتطورات الكبيرة في عالم الإعلام من حيث المضمون والقالب الإعلامي والتقنيات، ليقدم عُمان ومفرداتها الحضارية تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً بما يعزز الرسالة الإعلامية لآفاق أكبر وتأثير أعمق.
وأوضح الوزير الحراصي أن منصة “عين” تشكل نقلة نوعية في مجال الخدمات الإعلامية الإلكترونية الحديثة التي تتسم بالفعالية والكفاءة، وتقوم كمصدر رسمي موثوق للمحتوى الإعلامي والنشر الإلكتروني بتعزيز الحضور العُماني في مختلف الوسائط الإلكترونية، وإبراز المنجزات الوطنية التي يعد المواطن صانعها وأداتها وهدفها.
وأضاف: “غايتنا الأساسية أن تكون هذه المنصة وتبقى دائماً العين الثالثة، العين التي يبصر بها المستخدمون داخل عُمان وخارجه بكل نقاء وصفاء في المعلومة والخبر والصورة التي تصلهم عبرها ولتصبح مصدراً أساسياً ومهماً وتفاعلياً صانعاً للفرق في خضم العلاقة المتسارعة مع المتصفحين في مسارح (الإعلام الجديد).”
ويعمل الحراصي، من موقعه الأكاديمي والوظيفي السياسي على بلورة خطة وطنية تحافظ على دور متقدم للإعلام التقليدي في إطار يواكب التحولات الإقليمية والدولية والتطورات التقنية برؤية تنسجم مع خصوصيات المجتمع العُماني، ومع الدور الأساس للأعلام كأداة لتكريس وعي وطني شامل بالتحديات الوافدة.
ولكن تلك الجهود، لا تريح كل الأطراف، فهناك من يرى فيه تناقضا مع مصالحه في محاولات قائمة خلال السنوات الماضية لإحداث تصدعات ولو كانت محدودة داخل الجبهة الداخلية، وذلك عبر خطط جهنمية لإحياء نزعات التطرف الإيديولوجي وخاصة الإخواني الذي كانت السلطنة قد نجحت في اجتثاثه في تسعينيات القرن الماضي بالملاحقة القضائية ثم بعفو الدولة المقتدرة.
وبحسب الوزير، فإن “ثقل الإنسان العُماني والتجربة التاريخية العُمانية تحولا لثقل إعلامي، إننا متعقلون في حكمنا على الأشياء وصادقون في تجربتنا الحضارية وصادقون في وضع المصلحة الوطنية القومية الإنسانية في المقام الأول، وتجربتنا هذه علمتنا أن نذهب إلى الخير والصدق ولهذا نجد بيانات عُمان في الكثير من الأحداث متعقلة.”
ويؤكد الحراصي أن السلطنة تتبع نهجا جديدا في التعامل مع الملف الاقتصادي والاستثماري إعلاميا، وذلك ضمن جهود وطنية تبذل من أجل حل وإزالة المعوقات التي تقف أمام نمو الاقتصاد وجلب الاستثمار الداخلي والخارجي.
وفي الثالث من مارس 2024 أكد الحراصي أن السلطان هيثم بن طارق، متابع دقيق وقريب جدا من الإعلام العُماني، يستمع للإذاعات ويتابع الصحافة، ويتابع تلفزيون سلطنة عُمان، ومتابع، أيضا، للإعلام الإلكتروني. كما أنه متابع لما يطرحه المواطنون في جميع وسائل الإعلام، مشيرا إلى إن “الدولة لديها الكثير من المنصات للحوار والتواصل بين المواطن والدولة، ومن ضمن هذه المنصات يأتي الإعلام. ”
ويؤكد على “أهمية دور الإعلام العُماني في التعريف بالجانبين الاستثماري والسياحي للسلطنة كونهما من الملفات الأساسية في رؤية عُمان 2040 وبرامجها الوطنية وعمل على تبيان ما تزخر به من مقوّمات استثنائية تشكل نقاط استقطاب استثمارية وسياحية،” مشيرا إلى التركيز “حاليًّا على الإعلام الاقتصادي الداعم لهذه المسارات. ”
