مراد حميمو يجدد أدواته باستمرار متخذا من الفن رحلة بحث

نجح الفنان المغربي الشاب مراد حميمو في كسب تقدير جمهور السينما من خلال أدائه اللافت في فيلم “هوس”، العمل الذي عُرض لأول مرة أمام جمهور متنوع من عشاق الفن السابع والنقاد والمهنيين، وهذا النجاح لم يكن عابرا أو مؤقتا، وإنما جاء نتيجة اجتهاد واضح في تقمص الشخصية وتقديمها بشكل قوي ورصين، يثير التساؤلات حول الواقع النفسي والاجتماعي الذي تعيشه.
قدّم مراد دور سعيد، شاب يعمل في محل ويعيش حياة بسيطة ومتواضعة، قبل أن تتغير مجريات حياته بعد تعلقه الشديد بفنانة مشهورة تُدعى ابتسام، أدت دورها الممثلة جهان كيداري. فشخصية سعيد تنتمي إلى النمط الواقعي، لكنها تغوص تدريجيا في عالم من الانفعالات الداخلية التي تجعله يواجه نفسه وحدوده النفسية.
وعبّر عن هذا التحول في الشخصية من خلال تفاصيل دقيقة، بدءا من نبرة صوته التي تتغير مع تصاعد الأحداث، مرورا بطريقة مشيه وتعابير وجهه، وصولا إلى لحظات الصمت المشحونة بالتوتر والقلق، فالأداء جاء متقنا ومدروسا، ويكشف عن ممثل يعي تماما أبعاد الشخصية التي يؤديها، ويحرص على نقلها للجمهور بصدق وتجرد.
طاقة فنية

أظهر مراد حميمو قدرة كبيرة على تجسيد شخصية تعاني من اضطراب داخلي عميق، يحملها من الانجذاب العاطفي البريء إلى حالة من الهوس والارتباك، وهذه الرحلة النفسية تطلبت من مراد إتقان مستويات مختلفة من الأداء، وجعلت من شخصيته تجربة تمثيلية تترك أثرا طويل الأمد في ذاكرة المتلقي.
ونال هذا الأداء استحسان الجمهور الحاضر، الذي أبدى إعجابه بطريقة مراد في نقل التناقضات التي يعيشها سعيد، واعتبر أن ملامحه وقدرته على تغيير انفعالاته ساهمتا في إبراز الصراع النفسي العميق الذي يعيشه بطل القصة، كون الجمهور شاهد شخصية حقيقية تتحرك على الشاشة.
وشارك في الفيلم طاقم فني واسع من الممثلين المغاربة، من بينهم رفيق بوبكر، محمد طوير الجنة، أمين بنجلون، ومحسن مهتدي، إلى جانب مجموعة كبيرة من الوجوه الفنية التي ساهمت في إثراء العمل دراميا وإنسانيا. وهذا التنوّع ساعد على خلق بيئة سينمائية متكاملة عززت من واقعية القصة، ومنحت الشخصيات مساحة للتفاعل المتبادل.
واستفاد مراد من هذا التنوع في الأداء الجماعي ليُظهر تميّزه دون أن ينعزل عن السياق العام للفيلم. واستطاع الحفاظ على اتزانه الفني رغم الزخم التمثيلي حوله، وأثبت أنه قادر على التفاعل داخل منظومة متكاملة من الأداء الدرامي الجماعي، دون أن يفقد لمساته الخاصة.
وبرع في إبراز ملامح شخصية سعيد كرمز لحالة نفسية يعيشها عدد من الأفراد الذين يجدون أنفسهم أسرى لأوهام يصنعونها داخل أذهانهم. وهذا النوع من الأدوار يتطلب فهما عميقا للبعد النفسي والاجتماعي، وقد أظهر مراد في هذا السياق حساسية فنية عالية ووعيا بالقضايا التي يطرحها الفيلم.
وأكّد هذا الدور موقعه المتقدم بين أبناء جيله من الممثلين، وأثبت أنه وجه جديد يظهر في مشهد تمثيلي متقن، وطاقة فنية قادرة على حمل أدوار رئيسية تنطوي على تحديات نفسية وتتطلب مجهودا داخليا كبيرا. الشخصية التي أداها امتلكت بعدا دراميا جعل منها مرآة لواقع معقد.
واصل مراد من خلال هذا الفيلم تعزيز حضوره في الساحة الفنية، وأعلن نفسه ممثلا يبحث عن الأدوار العميقة والتجارب الجديدة التي تخرجه من التكرار وتضعه أمام اختبارات حقيقية. أداؤه في “هوس” شكل إضافة قوية لرصيده، ومنحه دفعة نحو أدوار مستقبلية أكثر نضجا وجرأة.

التنويع في الأدوار
برز الممثل المغربي في المشهد الفني من خلال اختيارات دقيقة لأدوار تمزج بين الجاذبية والتعقيد. تمكن من نحت شخصية فنية خاصة به بفضل حسه العالي في انتقاء الشخصيات التي تتطلب جهدا تمثيليا صادقا، وبحث دائما عن العمق والتنوّع، وهذا جعله يحظى بتقدير الجمهور والنقّاد.
وأعلن مراد حميمو عن بداية مرحلة جديدة في مسيرته مع حلول عام 2024، مشيرا إلى انشغاله بعدة مشاريع درامية وسينمائية تستهدف تقديم محتوى فني مختلف. وهذا الإعلان خطوة تبرز رؤية متقدمة لفنان يسعى إلى تجديد أدواته باستمرار والتعامل مع الفن كرحلة متواصلة من التطوير والبحث.
في مسلسل “BAG” نجدد حميمو في شخصية جديدة تُظهر جانبا غير مسبوق من قدراته التمثيلية. تقمّص دور حسن بن العافية، ضابط شرطة يعمل ضمن فرقة خاصة مكلفة بالتحقيق في القضايا الجنائية المعقدة. هذه الشخصية تحمل تركيبة نفسية دقيقة تتطلب من الممثل أداء يتجاوز الجانب الخارجي للشخصية إلى تحليل دوافعها الداخلية وتفاعلاتها مع محيطها.
وتميّز العمل بجو مشحون بالتشويق والدراما، وتم تقديمه بأسلوب يحرّك انتباه المشاهد منذ اللحظة الأولى. هذا النوع من الأعمال يتطلب من الممثل قدرة على الحفاظ على التوتر الدرامي بشكل مستمر، وقد أظهر مراد استعدادا واضحا لخوض هذا التحدي الفني من خلال تقديم أداء متوازن ومتماسك.
وشارك في العمل إلى جانب عدد من الأسماء اللامعة مثل سعيد باي، يوسف الجندي وكمال حيمود، ضمن طاقم تمثيلي متنوع ومتقن الأداء. هذا التعاون ساهم في تعزيز دينامية المشاهد وتقوية العلاقات الدرامية بين الشخصيات، وهذا أضاف على المسلسل واقعية وعمقا يلامسان ذوق المشاهد المعاصر.
وخضع هذا المشروع لإشراف المخرج إدريس الروخ، الذي يتمتع بخبرة واسعة في الإخراج التلفزيوني والسينمائي. وجود قيادة العمل أتاح للممثلين فرصة العمل ضمن بيئة احترافية تدفع نحو أعلى مستويات الأداء الفني، وهو ما ظهر في النتيجة النهائية للمسلسل.
وخاض مراد تجربة سينمائية مختلفة من خلال فيلم “العقرب”، الذي يقدم قصة تمتزج فيها عناصر الرومانسية بالغموض والدراما المرتبطة بعوالم المافيا والجريمة المنظمة. في هذا الفيلم، أدى دور عزيز، شخصية تحمل في طياتها مزيجا من التناقضات بين القوة والانكسار، بين السيطرة والانفعال، ليبرز قدرته على التعبير عن الانفعالات الداخلية بأسلوب تلقائي وعميق.

واختيرت مدينة أكادير كموقع للتصوير، كطابع بصري خاص يتناغم مع جو القصة ويعزز الجانب الرمزي لبعض المشاهد. البيئة المحلية ساعدت على خلق مشاهد طبيعية تضيف إلى السياق العام للفيلم نكهة مغربية أصيلة تعزز الهوية الفنية للعمل.
اجتمع مراد مع نخبة من الممثلين مثل ابتسام تسكت، رفيق بوبكر، سعاد العلوي وآخرين، في توليفة فنية أثرت الفيلم بأداءات متنوعة وخبرات مختلفة. هذا التفاعل الجماعي منح القصة أبعادا جديدة وأدى إلى إبراز التناقضات الإنسانية بين الشخصيات بشكل أكثر وضوحا.
سعى المخرج يوسف أماسين إلى خلق عمل فني متكامل من الناحية الجمالية والبصرية، مستفيدا من قدراته في توجيه الممثلين ورسم الإيقاع السردي للفيلم. ومراد بدوره عبّر عن ثقته في نجاح هذا المشروع، مشيرا إلى الجهد الكبير الذي بذله رفقة طاقم العمل لتقديم فيلم يوازي تطلعات الجمهور ويضيف قيمة فنية حقيقية للمشهد السينمائي الوطني.
واعتبر مراد هذه الأعمال خطوة أساسية في مساره، معتبرا أن التنويع في الأدوار واختيار مواضيع جريئة يعكسان تطلعه إلى تقديم تجربة تمثيلية شاملة وغير محصورة في قوالب جاهزة. يحرص دائما على التجديد وعدم التوقف عند نجاح سابق، بل يتعامل مع كل تجربة كمغامرة مستقلة تتطلب تحضيرا ذهنيا ومهنيا دقيقا.
وحقق حميمو في الماضي نجاحات بارزة من خلال أدواره السينمائية، ومن أبرزها فيلم “هوس”، الذي أدى فيه دور سعيد، الشخصية المعقدة التي تدخل في دوامة من الهوس العاطفي تجاه فنانة مشهورة. هذا الدور أبرز مرونة مراد في تقمص حالات نفسية دقيقة تتطلب أداء داخليا يتجاوز حدود النص المكتوب إلى مستويات أكثر تعبيرا وواقعية.
المرونة الفنية
أثبت حميمو من خلال مشاريعه الحديثة أنه من الممثلين الذين لا يكتفون بالوقوف أمام الكاميرا، بل ينخرطون في كل تفاصيل الدور. يسعى إلى خلق انسجام بين الشخصية التي يؤديها وواقعه الفني والإنساني، ما جعله من الأسماء التي تراهن على الجودة وليس الكم.
ويواصل الفنان مشواره بثقة، متسلحا بالخبرة والشغف والقدرة على التجدّد، ومصمما على أن يكون جزءا من تطور الصناعة الفنية في المغرب من خلال مشاركاته المتنوعة في السينما والتلفزيون. يرسم طريقه بوعي وحرص، متطلعا إلى تقديم أعمال تعيش طويلا في ذاكرة الجمهور.
ويعد حميمو من الممثلين المغاربة الذين برزوا خلال السنوات الأخيرة، من خلال مشاركات متنوعة في أعمال درامية وسينمائية تركت بصمتها لدى الجمهور المغربي والعربي. تنقّل بين أدوار البطولة والمشاركة المميزة، مما جعله يُعرف بمرونته الفنية وقدرته على التكيّف مع أنماط مختلفة من الشخصيات.
وبدأت شهرة مراد حميمو تتسع بعد ظهوره في عدد من المسلسلات المغربية التي لاقت رواجا لدى المشاهدين. من أبرز هذه الأعمال مسلسل “ولاد المرسى” (2021) بدور إدريس، ومسلسل “حياة” (2021) بدور مراد. وفي عام 2022، شارك في المسلسل “بيا ولا بيك” للمخرج مراد الخودي، مجسدا شخصية علاء.
وواصل تألقه من خلال مشاركته في المسلسل القصير “كازا ستريت” بدور كمال، بالإضافة إلى مسلسل “عفاك أ بابا”، وظهوره كضيف شرف في مسلسل “كنيناتي”. وقد شهد عام 2024 مشاركاته في أعمال جديدة، منها مسلسل “قبر الحياة”، و”حياة خاصة” بدور عادل، ومسلسل “الشياطين لا تتوب”، وعام 2025 يشهد استمرار نشاطه الفني، من خلال مسلسل “يوم ملقاك”، وفيلم “بنت الفقيه”.